مخابز غزة تُطفئ أفرانها: الجوع يقرع الأبواب

غزة | وسط زُقاق ضيّق في حي الشجاعية في مدينة غزة، جلست أم محمود الشيخ خليل عند عتبة منزلها، تتأمّل الشارع الذي خلا من بائعي الخبز الذين اعتادت على رؤيتهم كل صباح. لم يكن من السهل عليها إخبار أطفالها بأن الخبز قد نفد، وأن المخابز أغلقت أبوابها بسبب انقطاع إمدادات الدقيق. «ما ذنب أطفالي ليجوعوا؟»، تسأل السيدة، قبل أن تضيف: «كنت أشتري ما تيسّر من الخبز يومياً، لكن الآن حتى هذا الحلم أصبح بعيداً. أمس، حاولت خبز عجين من دقيق الشعير الذي حصلت عليه من الجيران، لكنّ أطفالي رفضوا تناوله بسبب مرارته». وكان «برنامج الأغذية العالمي» أعلن إغلاق جميع المخابز المدعومة من قِبَله في جنوب قطاع غزة بشكل كامل بسبب نفاد الدقيق، مؤكداً أنه ملتزم بالبقاء والعمل في القطاع على رغم التحديات الكبيرة.
وأمام مخبز أبو إسكندر شمال مدينة غزة، تبدّدت آمال المنتظرين في أن تُفتح أبوابه مجدداً. ومع أن أحمد البزم (34 عاماً)، حاول جاهداً الحفاظ على دوره في الطابور، لكن «أن يُحرم أطفالي من لقمة الخبز، فهذا ما لا أحتمله». ويتابع، في حديثه إلى «الأخبار»: «اعتدنا على المعاناة. لقد طفت على جميع المخابز في الحيّ، من دون جدوى. الجميع يردّد نفس العبارة: لا يوجد دقيق». أمّا في حي الزيتون، حيث تجمّعت النساء أمام مخبز عجور المغلق، فتقول أم سعيد حسنين، الأمّ لخمسة أطفال: «كنت أشتري الخبز من هذا المخبز باستمرار. لم أتخيّل أن أراه مغلقاً هكذا. أمس حاولت صنع خبز الطابون في فناء المنزل، لكن كمية الطحين قليلة ولا تكفي أسرتي»، موضحةً، في حديث إلى «الأخبار»، أن أزمة الخبز جاءت بالتزامن مع أزمة عدم توفر غاز الطهو.
ولم يقتصر تأثير إغلاق المخابز على الجوع فحسب، بل امتدّ إلى الأعمال الصغيرة التي كانت تعتمد على الخبز كمصدر دخل، مثل مطاعم الفلافل. ووفقاً لعامر خليل (35 عاماً)، وهو صاحب محلّ فلافل في حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، فإن «عدم توفّر الدقيق أعاق عملي بشكل كبير، وهذا أثّر سلباً على دخلي اليومي. الزبائن اعتادوا على السندويشات السريعة، لكن الآن ليس لديّ رغيف واحد أقدّمه لهم». وعلى مقربة منه، كان ياسر حبيب (41 عاماً) يجلس أمام محلّه لبيع المخبوزات، وقد أغلق أبوابه تماماً. ويقول حبيب، لـ«الأخبار»: «لا يوجد دقيق، لا يوجد عمل... وبالتالي لا يوجد مصدر رزق لسبعة موظفين يعملون لديّ». ويحذّر من أن اختفاء الدقيق من الأسواق ينذر بمجاعة قاسية ستسود القطاع في غضون أيام قليلة، بسبب استمرار إغلاق الاحتلال لمعبر كرم أبو سالم التجاري.
من جهته، يؤكّد رئيس جمعية أصحاب المخابز في غزة، عبد الناصر العجرمي، في حديث إلى «الأخبار»، أن قرار إغلاق المخابز جاء نتيجة أزمة خانقة تعانيها المخابز في ظلّ النقص الحادّ في كميات الدقيق، وارتفاع تكاليف التشغيل بشكل غير مسبوق، موضحاً أن الحصار المفروض على غزة وإغلاق المعابر من جانب إسرائيل منذ بداية شهر آذار الماضي، أدّيا إلى نفاد كل المستلزمات الأساسية التي كانت مخزّنة في المخابز، من دقيق وملح وغيرهما. ويضيف أن «برنامج الأغذية العالمي أبلغ الجمعية بنفاد مخزوناته أيضاً، ما يهدّد الأمن الغذائي لسكان القطاع»، مشيراً إلى أن الأزمة تفاقمت أيضاً بسبب التوقّف عن إدخال غاز الطهو والوقود، ما زاد من أعباء تشغيل المخابز وجعل استمرار عملها أمراً مستحيلاً في ظلّ هذه الظروف القاسية، مناشداً الجهات المعنية والمجتمع الدولي التدخل العاجل لتأمين المواد الأساسية وضمان استمرارية عمل الأفران.
—----------
إنسرت:
الأزمة تفاقمت أيضاً بسبب التوقّف عن إدخال غاز الطهو والوقود، ما زاد من أعباء تشغيل المخابز