أزمة الغاز تخنق سكان غزة وتعيدهم إلى الحرب

أزمة الغاز تخنق سكان غزة وتعيدهم إلى الحرب (من الويب)
أزمة الغاز تخنق سكان غزة وتعيدهم إلى الحرب (من الويب)

بينما يعيش المسلمون حول العالم أجواء شهر رمضان الفضيل بممارسة طقوسه المبهجة بالأضواء والزينة وموائد الإفطار العامرة، يجد أهالي قطاع غزة أنفسهم أمام تحدٍّ جديد يضاف إلى مآسيهم المتراكمة. فقد قررت إسرائيل إقفال المعبر الوحيد الذي يدخل لهم البضائع والوقود، ما أجبر العائلات على البحث عن بدائل خطرة وغير كافية للطهي وتسيير حياتهم اليومية.
وقررت دولة الاحتلال منذ مطلع آذار وقف إدخال المواد التموينية والمساعدات والوقود بما يشمل شاحنات الغاز إلى قطاع غزة بعد تملصها من تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الأمر الذي أدخل سكان القطاع في أزمات إنسانية عميقة.


معاناة متجددة

بين نار الحاجة ولهيب الحطب، تتجسّد معاناة سكان غزة في تفاصيلهم اليومية، ومن بينهم هناء أبو موسى (43 عاماً)، التي اضطرت للعودة إلى الطهي على الحطب بعد نفاد آخر ما تبقى لديها من غاز الطهي.
في زاوية خيمتها بمخيم اليرموك شرق مدينة غزة، جمعت أبو موسى أكواماً من بقايا الخشب والأغصان المكسورة من بين أنقاض المنازل المدمرة.
«لم أتخيل يوماً أنني سأعيش رمضاناً آخر وأنا أطهو طعام أطفالي على نار الحطب. هذه المعاناة تذكّرني برمضان الماضي الذي شهد حرباً دموية ومجاعة قاسية، حيث لم يكن أمامنا سوى الطهي على الحطب والدخان يلاحقنا، والرماد يملأ الأواني، لكن ماذا أفعل؟ أطفالي صائمون، ويحتاجون إلى طعام»، تقول أبو موسى لـ«الأخبار» بينما تمسح دموعها بكمّ معطفها المهترئ.
تجلس على الأرض، تنفخ في النار كي لا تنطفئ، بينما تحرّك قدراً صغيراً وضعت فيه القليل من العدس والماء، «قبل الحرب، كنت أبدأ تجهيزات رمضان قبل أسابيع، أشتري التمر والمكسرات والعصائر، وأعدّ وجبات متنوعة. أما الآن، فأنا أبحث عن خشب مشبع بالأتربة لأشعل به ناري وأطهو أي شيء يسد رمق أطفالي»، تضيف بنبرة تخنقها الحسرة.
ابنها عمار (12 عاماً) يجلس بجانبها، يساعدها في جمع الأغصان، بينما تتصاعد الأدخنة السوداء من النار. يقول بصوت خافت: «أنا أكره رائحة الحطب، أمي تسعل كثيراً بسببه، وأحياناً الدخان يدخل في عيني ويجعلني أدمع. أتساءل هل سنقضي بقية رمضان هكذا؟».

كابوس يومي

لكن أزمة انقطاع الغاز لا تتوقف عند حدود الطهي فقط، بل تمتد إلى تهديد حياة المرضى، كما هي الحال مع سامر القاضي (35 عاماً)، الذي يعيش في مدينة دير البلح، ويواجه كابوساً يومياً خوفاً على حياة والدته المسنة (أم إبراهيم، 70 عاماً)، التي تحتاج إلى جهاز مولد للأكسجين لتتمكن من التنفس.
«كل لحظة تمر أشعر أنها قد تكون الأخيرة لأمي. الجهاز لا يعمل إلا على المولد الكهربائي، والمولد يحتاج إلى الغاز كي يستمر. لا كهرباء لدينا منذ بداية الحرب، ولا وقود كافٍ للمولد. نحن نعيش على ساعات قليلة من التشغيل يومياً، وما تبقى من الوقت أقضيه في البحث عن أي مصدر غاز للحفاظ على حياة أمي»، يقول سامر لـ«الأخبار»، بينما ينظر إلى والدته التي ترقد على سريرها المتواضع، تتنفس بصعوبة.
المولد الصغير الذي يوفر لها الأكسجين متوقف، وسامر يراقب المؤشر الأحمر على الجهاز الذي يوشك على الانطفاء تماماً، «أحياناً، أضطر لإطفاء الجهاز لساعات كي أوفر القليل من الوقود لوقت الضرورة. أرى أمي تختنق أمامي، لكن لا خيار لدي. إذا استهلكت كل الوقود الآن، قد لا أجد نقطة واحدة منه لاحقاً»، يقول بحزن.
وأكد أن خيار إبقاء والدته في المستشفى أصبح ترفاً لم يعد متاحاً أمام سكان القطاع، بسبب تدمير دولة الاحتلال المنظومة الصحية بشكل شبه كامل حتى أصبح ما تبقى من مستشفيات قليلة يعمل بالحد الأدنى من طاقته.
يجوب سامر الشوارع يومياً بحثاً عن أي نقطة لبيع الغاز قد يكون لديها كمية صغيرة منه ولكن يذهب جهده سدى، «أصبحت أسأل الناس في الشارع إن كان لديهم استعداد لبيع ما تبقى من غاز لديهم بالسعر الذي يطلبونه».
ويضيف: «أشعر بأنني قد أفقد أمي في أي لحظة. ماذا سنفعل إن توقف الجهاز تماماً؟ هل يُعقل أن يُترك المرضى هكذا دون أدنى مقومات الحياة؟».
وتهمس والدته، بصوت متقطع: «لا أريد أن أموت اختناقاً.. فقط أريد أن أتنفس». كلماتها تخترق قلب سامر، لكنها لا تجد من يسمعها خارج جدران هذه الغرفة المظلمة.
وتحتجز دولة الاحتلال شاحنات الغاز على معبر كرم أبو سالم التجاري، تاركة خلفها قصصاً موجعة تحترق مع كل شعلة حطب توقدها الأمهات في الخيام، ومع كل دقيقة تمر على جهاز طبي يوشك على الانطفاء.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي