تُعدّ مسيرة الكابتن حسن درساً لكل من يرغب بأن يصبح لاعب كرة قدم بكل ما للكلمة من معنى. مسيرة شهدت بصمات للقدر، كما شهدت المعاناة والإصرار والالتزام والأخلاق، وكل ما يمكن أن يختبره لاعب كرة القدم. كل تلك الأشياء عاشها نجم كرة لبنان لتتشكّل شخصية استثنائية من الصعب أن تتكرر في تاريخ الكرة اللبنانية.لاعبو كرة القدم أنواع. منهم الموهوب لكن الكسول وعدو نفسه، ومنهم الطموح لكنّ إمكاناته متواضعة، ومنهم «اللعيب» لكن يفتقد إلى الأخلاق... لكن حسن معتوق مختلف عن كل هؤلاء. هو لاعب موهوب وطموح ويملك الإمكانات ويتمتع بالأخلاق الحسنة. هو قائد بكل ما للكلمة من معنى. قدوة بكل ما للكلمة من أبعاد. أيقونة كروية لبنانية حقيقية.
(طلال سلمان)

قصة حياة معتوق الكروية تستحق الوقوف عندها طويلاً. البداية كانت من ألمانيا. هناك بدأ معتوق الذي هو من مواليد عام 1987 مزاولة هواية ستقوده إلى عالم الاحتراف.
كان الكابتن حسن قريباً جداً من الانضمام إلى فريق شالكه الألماني حين لفت أنظار كشّافين من النادي المذكور. حينها كانت الحرب دائرة في لبنان وعائلة معتوق تعيش في ألمانيا، ويعمل الوالد على تأمين الأوراق القانونية كي تصبح إقامتهم دائمة وشرعية. مداهمة للشرطة الألمانية قبل الانتهاء من إجراءات الأوراق القانونية أجبرت العائلة على العودة إلى لبنان.
ضاع حلم اللعب مع شالكه.
هي صدمة قد تقضي على أي لاعب في عمر معتوق. لكن ابن الثانية عشرة من العمر تخطى هذه الصدمة، وعاد إلى بلده ليزاول لعبته المفضلة من دون أن يرتبط بأي نادٍ.
«كان هاجس التوقيع الأبدي هو العائق الوحيد أمام توقيعي مع الحكمة» يقول حسن معتوق لـ«الأخبار». «لعبت معهم ثلاث سنوات في مباريات ودية ولم أوقّع». يضحك معتوق حين يتذكر كيف كان يحصل على تجهيزات كنوع من الإغراء من النادي ليوقّع معهم، لكنه لم يكن يفعل ذلك رغم أنه كان يأخذ التجهيزات من ملابس وأحذية.
(طلال سلمان)

ثلاث سنوات على هذا المنوال حتى كانت لحظة حاسمة في مسيرة معتوق.
كان ابن الخامسة عشرة يلعب في دورة شعبية مع فريق لمطعم «باغيت» في شارع معوّض. شاهده الكابتن جمال الحاج الذي كان يعمل كمشرف على الفئات العمرية في نادي العهد.
لفت معتوق نظر الحاج فكان بعد يومين حاضراً في تمارين ناشئي فريق العهد.
أراد الحاج ضم معتوق إلى الفريق، لكنّ مسألة التوقيع الأبدي أو «البصمة» كما يصفها معتوق هي أيضاً المانع.

تعطّل «الفان» فوقّع معتوق
في أحد الأيام تعطل «الفان» الذي يعمل عليه والده وهو مصدر رزق العائلة. كان يحتاج تغيير محرك بكلفة 2000 دولار ولم يكن المبلغ متوافراً. «هنا شعرت بأنني بحاجة إلى تأمين هذا المبلغ لوالدي ففكرت بالتوقيع مع العهد». يقول قائد منتخب لبنان التاريخي.
هنا أصبح على المدرب جمال الحاج إقناع الإدارة بالموضوع. فمبلغ 2000 دولار ليس بالقليل للاعب ضمن فئة الناشئين.
يروي الحاج لـ«الأخبار» تفاصيل أحد الاجتماعات مع الإدارة والفنيين في النادي حول معتوق. حينها كان رأي الأكثرية بأن 2000 دولار مقابل توقيعه إضافة إلى 150 دولاراً شهرياً مبلغٌ كبير على معتوق. ردّ الحاج «اليوم ستدفعون 2000 دولار وبعد سنتين سيصبح ثمنه 200 ألف دولار».
قبل دفع المبلغ لمعتوق جرى حديث بين المدرب جمال الحاج وأحد الإداريين:
- كابتن جمال هل أنت متأكد بأن هذا اللاعب يستحق مبلغ 2000 دولار؟
كابتن هذه أموال شرعية ولا يمكن التصرف بها عشوائياً هل أنت متأكّد؟
أجاب الكابتن جمال: حاج ما تعتل هم بعد سنتين رح يصير حقه 200 ألف.
وهكذا كان. وقّع معتوق مع العهد وبدأ مسيرته في الملاعب اللبنانية.
تردّدت إدارة العهد في دفع ألفَي دولار لمعتوق مقابل توقيعه على كشوف النادي، فقال جمال حاج: بعد سنتين سيصبح سعره 200 ألف دولار


يتحدث الكابتن جمال عن معتوق معتبراً أن موهبته كانت ظاهرة من البداية. لكن برأيه المهم أن تجد الشخص المناسب الذي يعرف كيف يوظّف هذه الموهبة ويضعها على السكة الصحيحة.
كلام أيضاً يكرّره معتوق في حديثه مع «الأخبار» حين يتذكر مباراته الأولى مع الفريق الأول في العهد بعد أن مرّ على جميع فرق الفئات العمرية.
حينها كان الأرميني تسوريك مدرباً للعهد، وحين استقال تسلّم الكابتن جمال مهمة التدريب. منح الحاج الفرصة لمعتوق في إحدى المباريات مشركاً إياه من على مقاعد الاحتياط في الشوط الثاني. دخل معتوق وسجّل هدفين.
كان جمال الحاج محقاً. هذا اللاعب مكسب للنادي. فهذا الأمر تحقق حين حصل معتوق على أول عقد احتراف مع نادي عجمان الإماراتي.

(طلال سلمان)

«مباراتنا مع الإمارات ضمن تصفيات كأس العالم 2014 في بيروت حين فزنا 3-1 كانت الباب لي إلى الملاعب الإماراتية. المسؤولون في النادي الخليجي شاهدوا المباراة، وأُعجبوا بي، فكان هناك تواصل واتفاق. لم يكن هناك إيمان حقيقي بي. أخبرني مدرب الفريق العراقي عبد الوهاب عبد القادر بأنني كنت الخيار الثالث في حساباته على صعيد اللاعبين الأجانب.
التمرين الأول لي مع الفريق قد يكون الأفضل في حياتي. وضعت فيه كل ما أملك. تغيرت الصورة قليلاً، وبعد المباراة الأولى التي شاركت فيها وسجلت هدفين تغيّر المشهد كلياً، يتذكر معتوق أول تجربة احتراف له.
بعد الموسم الأول تضاعفت قيمة معتوق السوقية عشرة أضعاف وتوالت العقود الاحترافية فلعب مع أندية الإمارات والشعب، ثم لأربع مواسم مع الفجيرة قبل أن يعود إلى لبنان.
(طلال سلمان)

حين تسأله عن شخصين كان لهما الفضل الأساسي في حياته الكروية يجيبك معتوق سريعاً: الشخص الأول أخي حسين. له يعود الفضل الرئيسي. آمن بي واهتم بموهبتي وتابعني منذ كنت صغيراً. ترك كل شيء لأجلي فكان يواكبني ويكون معي في جميع خطواتي.
الشخص الثاني الكابتن جمال الحاج فهو لم يؤمن بموهبتي فقط، بل عرف كيف يضعها على السكة الصحيحة.
قد يظن البعض أن طريق معتوق كانت مفروشة بالورود، لكن هذا ليس صحيحاً. يتذكر الكابتن حسن فترة اللعب مع العهد، إذ كان موظفاً في البنك اللبناني الكندي حيث كان يضطر إلى الاستيقاظ في السادسة صباحاً كي يذهب إلى عمله ثم يذهب إلى التمرين عصراً. وكان يضطر في بعض الأحيان إلى اللعب مع فريق البنك ولم يكن غذاؤه صحيحاً حينها، وهذا ما أثّر فيه.
(طلال سلمان)

لذلك حين تسأله عن نقطة تحوّل أو محطة شكلت منعطفاً في حياته يجيبك سريعاً: «الاحتراف. تغيّرت حياتي وحياة عائلتي والمقربين مني بشكل كامل».
صحيح أن المباراة مع بنغلادش ستكون الأخيرة لمعتوق دولياً، لكنها لن تكون الأخيرة كروياً. يرى معتوق أنه سيستمر في الملاعب اللبنانية طالما هو قادر على العطاء. «أريد أن أشبع من كرة القدم، ولا أريد الرحيل في حين أن الرغبة لدي بالبقاء. لكن طبعاً هذا يعتمد على أمور كثيرة تتعلق بالحضور البدني والجهوزية» يقول معتوق لـ«الأخبار».
أما بالنسبة إلى المستقبل بعد اعتزاله كرة القدم، يرى معتوق نفسه في مكان مختلف كلياً. «منشأة رياضية وأكاديمية مختلفة عمّا هو سائد. أكاديمية تهتم بالمواهب وتضع الأولاد في المكان المناسب وعلى الطريق الصحيح في لبنان والخارج» يشرح الكابتن حسن من دون أن يدخل في العمق عن ما يملك من أفكار حول شكل المؤسسة التي سينشئها.