وقائع التحقيق الأممي بحادثة مقتل الجندي الإيرلندي في الجنوب: الشهود حصراً من اليونيفل والحادث لم يكن مدبراً
«بعض هؤلاء كانوا يحملون عصياً وحجارة، وكان هناك اثنان على الأقل يحملان مسدسات، فيما آخرون كانوا يقفون ببساطة لمشاهدة ما يحصل». و»بعدائية» على حد وصف تحقيق اليونيفيل، بدأ الحشد ضرب السيارة بالعصي والحجارة وأشياء ثقيلة أخرى. يقول التحقيق: أشار أحد المواطنين لركاب السيارة بخفض زجاج نوافذهم، فأشاروا لهم أنهم لا يستطيعون ذلك، وحاولوا أن يشرحوا لهم أن السيارة مدرعة لا يمكن إنزال شبابيكها. ثم بدأوا الإشارة لهم لفتح الأبواب، وهو ما رفضوه. وحين رفضت مجموعة اليونيفيل فتح الأبواب، ازدادت عدائية الحشد، وتقدم الرجل المسلح إلى أمام السيارة وأطلق النار عليها (في الشهادات يوصف هذا الرجل بأنه سمين وزنه نحو مئة كيلوغرام) لحيته كثيفة لكن قصيرة، مسدسه نصف أوتوماتيك، فيما التف الرجل الثاني حول السيارة ليحاول فتح الباب الخلفي. وهو كسر بداية الشباك الزجاجي الأول، باعتباره الجزء الوحيد غير المصفح من السيارة ويمكن كسره، ليتمكن بسرعة من فتح صندوق السيارة، فيما بدأ الحشد إخراج ما في الصندوق من عتاد (خوذات وجاكيتات وغيره). وانتقل الرجل مع المسدس من الأمام إلى الخلف أيضاً. عند الحادية عشرة وعشر دقائق، اتصل قائد السيارة الثانية (Cpl Phelan) بقائد السيارة الأولى (Cap Kelly) ليعلمه أن سيارتهم حوصرت وهناك أكثر من خمسين شخصاً مع عصي وحجارة ومسدسات. «كيلي» أمر «فيلان» بالتحرك من مكانه، لكن الأخير أجابه أنهم لا يستطيعون ذلك، طالباً في الوقت نفسه من زميله في السيارة الأولى أن لا يأتوا صوبهم. ففي وقت كان التوتر يتصاعد، أمر قائد السيارة الثانية «ريفلان» سائقها «روناي» بتحريك السيارة للخروج، فحاول الأخير أن يؤمن المساحة اللازمة لذلك ثم انطلق بسرعة مصطدماً بواحدة من السيارات التي أمامهم، ومع التصادم كما يقول تحقيق اليونيفيل، بدأ الرجل الذي يحمل مسدساً بإطلاق النار على السيارة وهي تبتعد عنهم، فتعامل الجنود داخلها مع وضعية إطلاق النار لجهة الانخفاض فلم يشاهدوا بالتالي ما يحصل حولهم، فيما حاول سائق السيارة الاستمرار في القيادة.
سمع الإيرلنديون وفق شهادتهم أكثر من ثلاث عشرة طلقة أصابت السيارة، بينها أقل من أربع اخترقت السيارة. وبعد نجاحه في التقدم بالسيارة بين 80 و90 متراً، فقد سائق السيارة السيطرة عليها فاصطدمت بحائط كاراج، على بعد نحو مئة متر من النقطة التي حوصرت فيها، وقد تبين لاحقاً أن رصاصة قد مزقت أحد دواليب السيارة، الأمر الذي ضاعف من صعوبة السيطرة عليها في ظل محاولة الهرب بأكبر سرعة ممكنة.
هنا يتداخل الرعب مع إصابة السائق في رأسه مع السرعة الهائلة في طريق ضيق مع الدولاب المثقوب، ويقع الحادث.
يقول تحقيق اليونيفيل إنه عند الساعة الحادية عشرة و45 دقيقة كان هناك خمس سيارات إسعاف (تتبع لجمعية خاصة بحزب الله وأخرى بحركة أمل، بحسب التحقيق دائماً) موجودة في مكان اصطدام السيارة الثانية. في إحدى السيارات – يتابع تحقيق اليونيفيل – كان هناك رجل كبير في السن مع ضمادات على رجله. وبعد وقت قصير، وصلت سيارة بيضاء اللون نوع «رابيد» بسرعة كبيرة، خرج من بابيها الأماميين رجلان، ورجلان إضافيان من الخلف. ثلاثة منهم يحملون سلاحاً أوتوماتيكياً، كانوا يصرخون أن سيارة اليونيفيل صدمت واحداً منهم. لقموا أسلحتهم وهددوا بقتل جنود اليونيفيل. لكن بسرعة تدخل بعض الأشخاص في الحشد ليأخذوا سلاحهم منهم.
يتابع التحقيق: «كيلي» كان قد اتصل عبر الهاتف بالمسؤول في الجيش اللبناني، الذي أبلغه بدوره أن النقطة التي تتواجد فيها السيارة الثانية ليست ضمن نطاق صلاحية وحدته، مؤكداً انه سيرسل «someone» في الدقائق العشرين المقبلة. ولا يشرح التحقيق سبب اتصال «كيلي» المطارد هو الآخر بالجيش، بدل أن تفعل وحدات اليونيفيل المركزية هذا كله، بل وتستنفر قواتها لإنقاذ زملائهم. وهكذا – يتابع التحقيق – قرر «كيلي» أن يعود بدوره إلى العاقبية من طريق آخر، ظن أنه سيكون أقل مراقبة، لكن دولابه ثقب... (يا له من حادث إضافي طارئ في هذه الليلة المشؤومة!)
وعند الساعة 12:10 دقائق بعيد منتصف الليل، فيما كان الجنود يحاولون تغيير الدولاب، كان «كيلي» ما زال يحاول الاتصال بالسيارة الثانية، ليسمع الأربعة صوت رصاص سلاح أوتوماتيكي خلفهم. وبعد وقت قصير، مرت بهم سيارة تقل رجلين، أحدهما كان يصورهم. فما كان من الجنود الإيرلنديين سوى ترك سيارتهم للتوجه نحو العاقبية سيراً! فيما انعطفت السيارة المدنية وعادت باتجاههم ليعرض السائق عليهم المساعدة، فيما يواصل زميله تصويرهم. لكن «كيلي» أرسل «مكانهم» لمركزه، وبدأوا الركض بأكثر من اتجاه، حائرين في ما يمكنهم فعله، في واقعة يكتبها «كيلي» بطريقة سينمائية جداً، قبل أن ينتهي «الرعب» بوصول سيارة خاصة بمديرية المخابرات في الجيش اللبناني، صعد الأربعة بها من الخلف، وكانت الساعة 01:12 بعيد منتصف الليل.
تحقيق اليونيفيل يقول إن موكب الإيرلنديين كان قد استحصل على clearance للحركة. سبب الحركة كان إيصال جنديين إلى المطار للمغادرة إلى إيرلندا. الموكب كان في الطريق الرسمي، لكن السيارة الثانية «فوتت» مدخلاً خاصاً بالطريق الرسميّ، وقبل نصف ساعة من الحادث لم تكن على الطريق الرسميّ. عملاً بالنظام المتبع، السيارتان كانتا قد اتخذتا الإجراءات الأمنية اللازمة خلال اجتماعهما عند الساعة الثامنة قبل الانطلاق لمناقشة الطريق وأمور أخرى، ولم يتم وضعهم في أجواء أي تهديدات أو مخاطر أمنية محتملة. السيارتان استخدمتا طرقات عامة، ولم تستخدما أية طرقات خاصة أو تقتربا من ملكيات خاصة. مع التأكيد بأن السيارة الثانية اصطدمت طبعاً بملكية خاصة «كنتيجة للاعتداء المسلح». و»ربما» – يتابع التحقيق – قد يكون جنود السيارة الأولى قد دخلوا إلى أراضٍ هي ملكيات خاصة حين كانوا يحاولون «التهرب» سيراً من الأهالي الذين كانوا يبحثون عنهم. وهم لم يتسببوا بأي ضرر كما لم يتفاعلوا مع أحد خلال هذا كله.
وعما إذا كان هناك إطلاق نار على الجنود، بين تحقيق اليونيفيل التالي:
1. 4 رصاصات أو شظايا طلقات أصابت الجندي رواناي في رأسه، اثنتان منها ثقبتا جمجمته.
2. 15 أثر رصاصة وجدت في السيارة.
أشار تحقيق اليونيفيل إلى قيام الجيش اللبناني بالوصول إلى مكان الاصطدام بعد عشرين دقيقة، تماماً كما ذكر المسؤول العسكري عند اتصال القائد الإيرلندي به، كما ساعد الجيش جنود السيارة المعطلة الأولى، وبموازاة مساعدته في كل متطلبات التحقيق لاحقاً، أمن استعادة الإيرلنديين لكل أشيائهم الخاصة والتجهيزات، كما فتح الجيش تحقيقاً محلياً بالموضوع.
يتابع التقرير: على رغم الأوصاف التي قدمها الشهود لمشاركين محتملين في ما حصل، هويات وخلفيات «الجناة» تبقى مجهولة. وإذا كانت السيارة الثانية قد خرجت عن الطريق، عن طريق الخطأ، وإذا كانت السيارة الأولى لم تخطط للعودة والتوقف وغيره وغيره مما صادفهم في الطريق، فإنه لا يمكن القول إن «الحادثة» كانت محضرة، مسبقاً. التحقيق لم يكتشف أي دليل على تحضير، مسبق. مع إشارة التحقيق إلى أن الشهود الوحيدين الذين توفروا للجنة تحقيق اليونيفيل هم الجنود الإيرلنديون أنفسهم. ولم يتبين أن هناك أية سرقة لمعدات أو غيره تعود لليونيفيل، مع العلم أن قوات اليونيفيل لم تدخل «مسرح الحادث» حتى ظهر اليوم التالي، بعد أن أجرى الجيش اللبناني مسحاً وحمّل السيارة، وفعل الأهالي كل ما يريدونه. وقد أعاد الجيش مقتنيات اليونيفيل بعد ستة أيام من الحادثة، من دون أن تتمكن اليونيفيل من تحديد من حصل عليها أولاً وماذا فعل بها قبل إعادتها للجيش ليعيدها بدوره إلى الوحدة الإيرلندية. كما لم يتبين للجنة التحقيق وجود أي إهمال من جهة اليونيفيل أنفسهم.