تستغرب الصحافية التي تتحدّث اللغة الفرنسية، كيف أنّه ممنوع على المراسلين الدخول إلى قاعة القمّة العربية التنموية. تُكرّر سؤالها أكثر من مرّة: «سوف نبقى نحن هنا؟ لن نتمكّن من الدخول إلى هناك؟». الـ«هنا»، هي الخيمة الكبيرة المُخصّصة لوسائل الإعلام. أما الـ«هناك»، فتعني قاعة الـ«بيال» ـــ قديماً ـــ عند واجهة بيروت البحرية، مكان اجتماع الوفود العربية. «ولكن، هذا عملنا أن نكون بينهم»، تقول الصحافية لعنصر الأمن، قبل أن تتوجّه إلى مكانها، وتُتابع وقائع القمّة على شاشة كبيرة عُلّقت في الداخل، أسوةً بجميع الزملاء. لا أحد يعلم لماذا يتمّ اعتماد الصحافيين لتغطية المؤتمرات، إذا كانت ستُرفع خلالها «السواتر» بينهم وبين الوفود السياسية، منعاً لأي تواصل مُباشر. ما حصل في قمّة بيروت التنموية ليس استثناءً، بل ينسحب على كلّ القمم العربية، حيث الحكّام أصلاً لا يعترفون بدورٍ لوسائل الإعلام، سوى تبجيلهم والإشادة «بإنجازاتهم». الإيجابية من الموضوع، هي الوجود في صالة ضخمة مُتاح فيها التدخين وشرب القهوة والأكل، على العكس من القاعة الرسمية، التي تتكرر فيها طوال ساعات كلمات الـ«نشكر، نتشرّف، نُشيد، نؤكّد ...»، إلى حدّ الملل، وإلى درجة، أنّ رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري رُصد في آخر النهار يتلهّى بقراءة المعلومات التي تُلصق على قنينة المياه الزجاجية، وهو يهزّ برجليه. كان ذلك بعد أن عاد من المطار، مودّعاً أمير قطر الشيخ تميم بن خليفة آل ثاني الذي «كسر» الحصار العربي ـــ الخليجي على قمّة بيروت.قبل 24 ساعة من انعقاد القمّة، أُعلن عن ترؤس تميم لوفد بلاده. اتصال الرئيس ميشال عون به، وتمنّيه عليه المشاركة، أسهما في تبديل الرجل لموقفه، من دون أن يكون ذلك السبب الوحيد. لأمير قطر أجندةٍ خاصّة، وحسابات ترتبط بالحصار الخليجي عليه، وحربه مع السعودية. فعلاقة تميم الجيّدة بإيران، نتيجة مُساعدتها له إبّان مشكلته الخليجية، وهامش المناورة داخل منظومة التبعية للولايات المتحدة الأميركية، أسهما في مجيء الأمير إلى لبنان. قرّر أنّ يُحوّل نفسه إلى «نجم» القمّة و«مُنقذ لبنان» من «أزمته»، بعدما بان القرار العربي الموحّد ـــ على غير العادة ـــ بمقاطعتها على مستوى الرؤساء. ولكنّ حضوره جاء رمزياً، ولم يدم أكثر من ساعتين. فهو لم يردّ عون خائباً، وأتى ليقف إلى جانبه في افتتاح القمّة، كما أنّه أوصل الرسالة إلى حكّام دول الخليج، من دون أن «يتمادى» أكثر في موقفه الإيجابي. «هامش المناورة» الذي يتمتّع به، لا يسمح له بأكثر من ذلك، خاصة بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للشرق الأوسط و«حثّه» الحُكّام على عدم المجيء إلى بيروت بذرائع أمنية.
افتُتحت القمّة العربية التنموية على وقع انفجارٍ في دمشق، واعتداء اسرائيلي في جنوب البلاد، تصدّت له وسائط الدفاع الجوي السوري. لم يستنكر المُجتمعون الاعتداءين. ربّما لم يسمعوا بالخبر، أو الأرجح أنّهم تغافلوا عنه. غُيبّت سوريا والحرب ضدّها عن القمّة، تماماً كما مرّ رؤساء الوفود العربية، في كلماتهم، على الخطر الاسرائيلي وما سُمّي «صفقة القرن» والتهديدات لفلسطين مرور الكرام. التصرّف غير مُستغرب، خاصّة أنّه يصدر عن دولٍ لم تعد تخفي تطبيعها مع العدّو، وتتسابق إلى تقديم أوراق الاعتماد له. الوقائع تُضيء على ذلك، وكلام وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أمام من التقاهم خلال اليومين الماضيين، تمثّل دليلاً إضافياً. تحدّث المالكي صراحةً عن أنّ الخليجيين ماضون في «صفقة القرن»، وأنّ الفلسطينيين يُعانون من تصرّف «الأشقاء» معهم، مُعتبراً أنّ عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية تؤمّن نوعاً من التوازن في المعادلة. حتّى إنّه اعتبر تشديد الأردن على مفهوم العودة الطوعية للنازحين السوريين إلى بلدهم، ودعم تمويلهم ليبقوا في البلدان المضيفة، قد يكون ضغطاً سعودياً. ولكنّ الرئيس ميشال عون أكّد في كلمته الافتتاحية «توفير الشروط الملائمة لعودة آمنة للنازحين السوريين إلى المناطق المستقرّة التي يمكن الوصول إليها، أو تلك المنخفضة التوتّر، من دون أن يُربط ذلك بالتوصّل إلى الحلّ السياسي، وعلى تقديم حوافز للعودة لكي يسهموا في إعادة إعمار بلادهم والاستقرار فيها». وتحدّث عون عن سوريا، من دون أن يُسمّيها، فتمنّى لو كانت القمّة «مناسبةً لجمع كلّ العرب، فلا تكون هناك مقاعد شاغرة. وقد بذلنا كلّ جهد من أجل إزالة الأسباب التي أدّت إلى هذا الشغور، إلا أنّ العراقيل كانت ويا للأسف أقوى. ونأسف أيضاً لعدم حضور الإخوة الملوك والرؤساء ولهم ما لهم من عذرٍ لغيابهم». كلمة الرئيس تضمّنت رسائل سياسية مُتشدّدة، من دون أن تكون مُستفزة. قال إنّه «لسنا هنا لنناقش أسباب الحروب والمتسببين بها والمحرضين عليها، بل لمعالجة نتائجها المدمرة على الاقتصاد والنمو في بلداننا والتي عادت بنا أشواطاً الى الوراء»، من دون أن يغفل عن الخطر الاسرائيلي «الذي لا ينفكّ يتمادى منذ سبعة عقود في عدوانه واحتلاله للأراضي الفلسطينية والعربية وعدم احترامه القرارات الدولية، وقد وصل اليوم إلى ذروة اعتداءاته بتهويد القدس وإعلانها عاصمة لإسرائيل وإقرار قانون «القومية اليهودية لدولة إسرائيل»، غير آبه بالقرارات الدولية، مع ما يعنيه ذلك من ضرب للهوية الفلسطينية ومحاولة إطاحة القرار 194 وحق العودة. أضف إلى ذلك التهديدات الإسرائيلية والضغوط المتواصلة على لبنان، والخروقات الدائمة للقرار 1701، وللسيادة اللبنانية». ولكن الأخطر بالنسبة إلى عون، «هو حال التعثر الداخلي والتبعثر التي يعيشها الوطن العربي»، مُعلناً مبادرته «إعادة الإعمار في سبيل التنمية»، داعياً إلى «تأسيس مصرف عربي لإعادة الإعمار والتنمية، يتولّى مساعدة جميع الدول العربية المتضرّرة على تجاوز محنها، ويسهم في نموها الاقتصادي المستدام ورفاه شعوبها وتحقيق أهداف التنمية المستدامة».
قال وزير الخارجية الفلسطيني إنّ عودة سوريا إلى «الجامعة» تؤمّن توازناً


لا تُلخّص قمّة بيروت بالسخرية التي رافقت جلوس النائب عدنان طرابلسي مع الوفد الصومالي، وتبريرها بأنّه قنصل فخري للصومال، بل بكسر أمير قطر للمقاطعة العربية، والبيان السياسي حول النازحين السوريين، الذي نجح لبنان في إقرار نصّ، وافقت عليه كلّ الدول العربية (باستثناء ليبيا وسوريا الغائبتين)، يؤكّد العودة ودعم النازحين مادياً في بلدهم، مع الالتزام بسقف «الأمم المتحدة». فورد في البيان دعوة «المجتمع الدولي إلى مضاعفة الجهود الدولية الجماعية لتعزيز الظروف المؤاتية لعودة النازحين واللاجئين الى أوطانهم، بما ينسجم مع الشرعية الدولية ذات الصلة، ويكفل احترام سيادة الدول المضيفة وقوانينها النافذة. ونناشد الدول المانحة الاضطلاع بدورها في تحمل أعباء أزمة النزوح واللجوء والتحديات الإنمائية من خلال تنفيذ تعهداتها المالية، وتقديم المساعدات للنازحين واللاجئين في أوطانهم تحفيزاً لهم على العودة». البيان تحاشى ذكر العودة الآمنة، على العكس ممّا جاء في كلمة عون، وأكّد «على قرارات القمم العربية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والمجالس الوزارية كافة، الخاصة بالأعباء الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على استضافة النازحين السوريين وأثرها على الدول العربية المستضيفة». يقول مسؤولون دبلوماسيون إنّه تركّزت يومَي الجمعة والسبت المشاورات الثنائية مع الدول، وتحديداً مصر والأردن، من أجل الضغط لإصدار البيان. فأتت الصياغة بطريقة لا تستفز أحداً، وفي الوقت نفسه تُعبّر عن الموقف اللبناني، المدعوم هذه المرّة من عون والحريري. المعركة المُقبلة ستكون تسويق البيان في القمّة العربية ـــ الأوروبية التي ستُعقد الشهر الجاري.



«إعلان بيروت»
إعلان بيروت الذي صدر عن القمة العربية الاقتصادية أمس، جدّد في البداية «الالتزام الكامل بتنفيذ القرارات التي تم اتخاذها والمشاريع التي تبنّتها القمم العربية التنموية السابقة، ونؤكد على أهمية إزالة الحواجز والعقبات التي تحول دون تنفيذها».
من النقاط التي وردت في البيان الختامي:
- التركيز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 في ضوء الاحتياجات العربية.
- تأمين تمويل تنفيذ مشاريع تنموية في الدول العربية المستضيفة للاجئين والنازحين، من شأنها أن تدعم خطط التنمية الوطنية وتساهم في الحدّ من الآثار الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على هذه الاستضافة المؤقتة.
- توفير التمويل اللازم لتنفيذ المشروعات الواردة في الخطة الاستراتيجية للتنمية القطاعية في القدس الشرقية (2018 - 2022)،
- حقّ العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وذريتهم وفقاً لقرارات الشرعية الدولية، والتأكيد على التفويض الدولي الممنوح لوكالة «الأونروا»، ورفض أي قرار يهدف إلى إنهاء أو تقليص دورها. وإذ ندعو جميع الدول إلى الالتزام بالقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالمكانة القانونية الخاصة بمدينة القدس الشريف، وعدم الاعتراف بها عاصمة للاحتلال الاسرائيلي أو نقل السفارات إليها، نؤكد عزمنا على اتخاذ إجراءات سياسية واقتصادية إزاء أي قرار يخل بالمكانة القانونية بمدينة القدس الشريف.
- ضرورة تبني سياسات استباقية لبناء القدرات اللازمة للاستفادة من إمكانات الاقتصاد الرقمي وتقديم الدعم للمبادرات الخاصة.
- مبادرة الكويت إلى إنشاء «صندوق للاستثمار في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي» برأس مال 200 مليون دولار أميركي بمشاركة القطاع الخاص.
- اعتماد الاستراتيجية العربية للطاقة المستدامة 2030 بُغية تحقيق التطور المستدام لنظام الطاقة العربي.


باسيل: عودة سوريا مصلحة لنا
مجدّداً، تناول الوزير جبران باسيل خلال مؤتمر الصحافي مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط عودة سوريا إلى «الجامعة». قال أبو الغيط إنّ «الموضوع السوري لا يُتناول حالياً في الجامعة العربية بشكل شامل. ولم يتم تناوله حتى في الاجتماعات الوزارية الأخيرة. ومن هنا حتى تتّم القمة المقبلة في تونس، سنُتابع ونرى من يطرح مبادرة أو موقف، وبالتأكيد سيتمّ تناوله». أما باسيل، فأوضح أنّه «لا تواصل مع سوريا بما يعنينا بموضوع عودتها إلى الجامعة العربية. فنحن نُعبّر عن رأي لبناني كعضو مؤسس في الجامعة العربية. وأعتقد أنّ هذه مصلحة للبنان وللدول العربية قبل أن تكون مصلحة سورية. لذلك صدر الطلب منّا». أما بالنسبة إلى عدم تمثيل ليبيا، فأسف باسيل لعدم مشاركتها، «لكن هذا لا يمنع أنّ على القيادة الليبية مسؤولية، ولو لم تكن هي نفسها في وقت اختفاء الامام السيد موسى الصدر، فالمسؤولية هي للقيام بكلّ واجباتها لجلاء الحقيقة وكشف مصير الامام».