الاستنفار الانتخابي لن يغيّر من وقائع لبنان الحادّة

إبراهيم الأمين
عوداً على بدء!
عشية اندلاع مرحلة جديدة من المواجهات السياسية تحت عنوان الانتخابات النيابية المقبلة، ينطلق اللاعبون في لبنان بسرعة قياسية في استنفار جميع الأدوات القابلة للاستخدام في معركة تبدو أكبر من نتائجها الفعلية لاحقاً، باعتبار أن المعطيات، وفق وقائع اليوم، لا تشي بأن انتصار هذا الفريق أو ذاك في الانتخابات من شأنه إفساح المجال أمام الفائز لإدارة البلاد وحده. وحسناً فعلت المعارضة مسبقاً، حيث أعلنت على لسان السيد حسن نصر الله أنه إذا فازت بغالبية المقاعد النيابية أو حصلت على الأكثرية فهي ستدعو الآخرين إلى الشراكة في الحكومة، وستمنح وزراء الفريق الخاسر الثلث الذي يضمن له عدم استئثار الفائز بالسلطة وحده. وهو كلام يصدّقه الناس عندما يصدر عن لسان شخصية كالسيد حسن. ولكنّ المشكلة هي في أن فريق الأكثرية الحالية إذا أتيح له الفوز مجدّداً بالغالبية النيابية، فسيكون أكثر وقاحة، وسيحاول أن يستجمع ما أمكنه من دعم خارجي لأجل الاستئثار بالحكم، وساعتها سوف يخرج علينا منظّروه وكتبته وإعلامه القابل للتوسّع قريباً (يتردّد أنه جرى الاتفاق على إطلاق قناة «MTV» قريباً بعد تفاهم تمّ بين مسيحيي 14 آذار) ويقولون لنا إن الديموقراطية تفرض أن يحكم من فاز بالأغلبية، وساعتها ستقبل المعارضة بالنتيجة، ولن يكون بمقدورها الاعتراض، وستتراجع قليلاً، ولكن ما إن يمسك فطاحل 14 آذار بالإدارات العامة على اختلافها حتى يرتفع الصوت، ولن يتأخر الوقت لنجد الجميع في الشارع من جديد، وساعتها الله وحده العليم بما سيحصل.
ومع ذلك، فإن المخاوف من سيطرة الأكثرية الحالية إذا جدّدت فوزها أكبر من مخاوف الأكثرية نفسها إذا خسرت مقاعدها. وما عدا العبارات السخيفة التي يطلقها بيك 14 آذار عن الفلك السوري والمفاعل النووي الإيراني وغيرهما، فإن هؤلاء يعرفون أن أبرز نقاط الضعف في برامج قوى المعارضة هي المتصلة بالوضع الداخلي، وأن هذه القوى على جدية تحالفاتها ليست في الموقع المتفاهم على آلية، ولو بطيئة، لإحداث تغيير جوهري في بنية النظام السياسي، وإلا فما معنى العودة غير المحمودة إلى خطاب انتخابي يلحظ حسابات تخصّ تارة المسلمين وتارة أخرى المسحيين. وبالتالي، فإن عدم وجود استعداد عملاني لدى قوى المعارضة لإحداث تغيير جذري في بنية النظام، يجب أن يكون عنصر راحة وطمأنينة لفريق 14 آذار. وفي هذه الحالة، فإن النظام الطائفي وتوزّع الحصص المذهبية في لبنان سيمنحان الجميع الحصانة التي يريدها، وعندها لا تكبر حصانة من يربح بين أهله وطائفته ولا تتراجع حصانة الخاسر بين أهل ملّته، وهذه الحصانة القائمة للفائز كما للخاسر من شأنها ضمان العودة، ولو بقوة السلاسل، إلى تأليف حكومة على شاكلة الحكومة القائمة حالياً، مع احتمال تعديل طفيف، وهو أن تكون خسارة فريق 14 آذار كبيرة إلى حد يمكّن الفريق الآخر من الإتيان برئيس حكومة من نادي الوسط، وهو أمر ممكن.
كذلك، فإن المجلس النيابي المقبل، لن يكون هو المجلس الذي سينتخب رئيساً جديداً للجمهورية، والتوازن الذي سيقوم داخله وما يتبعه من توازن في الشارع سيبقي الفقراء منقسمين بحسب مناطقهم وطوائفهم ومذاهبهم، ما يعني أننا لن نكون أمام مفاجآت إيجابية على مستوى المعالجة الاقتصادية للأزمات القائمة والمتفاقمة، ولن نستيقظ على انقلاب من شأنه شطب الدين العام وإعادة تحصيل ما سرقه الكبار من أهل السلطة والمال من الناس ولا يزالون، ولن تكون للبنان وجهة اقتصادية تقوم على آليات إنتاج لم يحصل أن عرفناها منذ أربعة عقود على الأقل، وبالتالي فإن سقف التوقعات عند الجمهور يجب أن يكون محدوداً، وهو كذلك أصلاً، ما يعني أن المجلس الجديد لن يشكّل مفاجأة سارة لطالما انتظرها اللبنانيون.
ولذلك، فإن جانباً من الحراك القائم الآن، سينحصر في محاولات ذات طابع محلّي وانتخابي، وسيخرج من الجمهور من يقول «لنستفد قليلاً من التنافس القائم ونحصّل أكبر قدر من الدعم المالي المباشر». ثم قد يخرج من بين الناخبين من يقول «إن تمضية يوم الاقتراع في المنزل أكثر فعالية من التعب والركض، وصولاً إلى صندوقة الاقتراع»، عدا عن أن في لبنان فئة ممتنعة عن الانتخابات لأنها مقتنعة بأن من يصل إلى المجلس هو بمثابة قدر مرسوم لهذا البلد منذ قيامه إلى يوم الدين، وبالتالي فإنه ليس لدى القوى المتنافسة ما يكفي لإغواء هؤلاء أو إغرائهم بالتنازل والتصويت.
لكن الأهم من كل ذلك، هو أن العين الخارجية على الانتخابات النيابية ستكون الأكثر وضوحاً. تلك العين التي تراقب التغيير، ولو الطفيف، لكي تقيسه بالحجم المتناسب وموقع لبنان في الصراع القائم في المنطقة. وبهذا المعنى، فإن التصويت الوحيد الذي له معنى وله بعده الكبير، داخلياً وخارجياً، هو التصويت الذي يمنع مشروع المقاومة من التأثر سلباً. وبما أن واقع المقاومة الخاص، التنظيمي والمادي وحتى الطائفي والشعبي، متين ويمكّنها من خدمة نفسها لعقود إضافية، فإن تجربة السنوات الماضية أظهرت أن الشرعية الداخلية تنتج في قسم منها عبر السلطة المكوّنة، وإذا فاز مناصرو هذا الخيار، فسيعفون المقاومة من عناء التورّط البغيض في المستنقع الداخلي.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي