بعد خسارة «إسرائيل» المعركة الإعلامية على خلفية «طوفان الأقصى»، لجأت إلى أساليب غير تقليدية لمواجهة التعاطف العالمي مع القضية الفلسطينية على منصات التواصل الاجتماعي. في هذا الصدد، تتبّع باحثان لبنانيّان إستراتيجية جديدة يعتمدها كيان الاحتلال، تتمثل في استخدام «البوت» Bot لنشر الدعاية والمعلومات المضلّلة على فايسبوك وإكس وغيرهما. أثارت «الأخبار» الأمر مع الباحث ومؤسس شركة InflueAnswers، رالف بيضون وباحث البيانات في الشركة، ميشال سمعان، اللذين تتبّعا نشاط بعض تلك الروبوتات الرقمية. في هذه المقابلة، يروي الباحثان كيف تمكّنا من ملاحقة الحملة الإسرائيلية على الإنترنت، إلى جانب تفاصيل مثيرة حول طريقة عملها وأهدافها الحقيقية
ما هي «البوتات» (Bots)؟ وما الذي تفعله على الويب عادةً؟
ـــ «البوت» اختصار لكلمة روبوت، وهو تطبيق برمجي يؤدي المهام أو يحاكي النشاط البشري في العالم الرقمي. يمكن تصميم «البوتات» لأداء مجموعة واسعة من الوظائف، بدءاً من المهام البسيطة المتكرّرة وصولاً إلى التفاعلات المعقّدة التي تتطلب الذكاء الاصطناعي. تتمثّل إحدى مهام «البوت» في رصد مواقع التواصل الاجتماعي والنشر على هذه المواقع تلقائياً بحسب البرنامج المحدّد من الجهة التي تديره.

رسم عبر أدوات الذكاء الاصطناعي (بينغ إيمج كريياتور)


وهل هي فعّالة في تحقيق أهدافها في سياق الحرب الإعلامية الجديدة؟ وكيف؟
ــــ تستخدم الشركات الخاصة «البوتات» لأغراض دعائية، فترصد مثلاً كل التغريدات التي تتحدث عن مجال منتجاتها وتردّ عليها بشكل تلقائي، وتدعو المغردين لشراء منتجاتها. كما يمكن استخدام البوتات لأغراض سياسية، فترصد مثلاً الهاشتاغز الداعمة لفلسطين وتحلّل محتوى التغريدات عبر نماذج اللغات الكبيرة (مثل تشات جي بي تي). وبناءً على ذلك، ترد «البوتات» على كل تغريدة بنصّ مكتوب خصيصاً لها ينفي ما تنشره دعماً للقضية الفلسطينية. وهذا أوّلاً يعطي انطباعاً خاطئاً بأن عدد داعمي كيان الاحتلال أكثر مما هو في الواقع، وثانياً يضيع وقت وطاقة داعمي القضية الفلسطينية في الجدال، وثالثاً ينشر سرديات الكيان بشكل تلقائي ومستمر على مدار الساعة.

ما الذي توصّلتم إليه في شركة InflueAnswers بعد عملية الرصد والمتابعة؟
ـــ بعد إطلاق الشركة عام 2021، كان مشروعها الأول في هذا المجال تحليل الأنشطة والسلوكيات لحملات المعلومات عبر الإنترنت. وبدأت برصد شبكات «البوتات التقليدية» أو الجيوش الإلكترونية أو السلوكيات الخبيثة، وواكبت تطوّرها وصولاً إلى حرب غزة التي شهدت تطوراً كبيراً لتلك الجيوش الإلكترونية وشبكات «البوتات» لتصبح ما هي عليه اليوم من «بوتات خارقة» Super Bots. في الماضي، كانت لدى علماء الكمبيوتر وعلماء البيانات نماذج لتوليد النصوص، لكن تلك النماذج لم تكن متطوّرة. قبل عشر سنوات على سبيل المثال، كانت البوتات على الإنترنت تكرّر النصوص نفسها مراراً وتكراراً. لكن مع ظهور نماذج اللغة الكبيرة، وخاصة ChatGPT قبل عام ونصف عام إلى عامين، وتطورها الكبير، أصبحت البوتات مرفقة بنماذج اللغة الكبيرة التي صارت أكثر إقناعاً في تكوين النص، ما يعطي انطباعاً بأنّه مكتوب بواسطة إنسان. وفي حين كان يمكن تمييز «البوت» بسهولة في الماضي، بات اليوم صعباً جداً بوجود نماذج اللغة الكبيرة. يمكن كتابة برمجة «بوت» مثل «تظاهر بأنك مستخدم على تويتر يستجيب لهذا التعليق بهذه الشخصية». كما يمكن تقديم قائمة بالأحداث التي حصلت وتدريب «البوت» عليها فيصبح ملمّاً بالموضوع. ما يميز «السوبر بوت» هو عدم قدرة المستخدم على المعرفة يقيناً ما إذا كان الحساب الذي يتابعه على منصات التواصل شخصاً حقيقياً أم «بوتاً»، مثلما كان يمكن معرفة ذلك من قبل. مثلاً، عندما تذهب إلى أي حساب ناشط فلسطيني، وخصوصاً على «إكس»، يُلاحظ أن معظم التعليقات على تغريداته تتتبّع أنماطاً متشابهة جداً.

المصدر: شركة Imperva

رغم أن ملفّات «البوتات» الشخصية تبدو كأنها لأشخاص حقيقيين، إلا أنها ليست كذلك، إذ إنّها تكرّر النقاط نفسها وتتفاعل مع النقاط في تغريدة الناشط، وتنشر تعليقات إسرائيلية متشابهة، ما يعطي انطباعاً بأن معظم الرأي العام هو داعم لإسرائيل. وتظهر «البوتات» هذه بشكل أكبر على إكس، لكننا وجدنا أنه حتى على منصة Reddit، تتغير المجتمعات الشعبية الرئيسية تقريباً بين ليلة وضحاها، من رأي متوازن إلى رأي مؤيد لإسرائيل بشكل كامل. السبب الرئيسي لاستخدام هذه التقنية هو أن عدد الأشخاص المناصرين للقضية الفلسطينية أكبر من الجمهور المؤيد لإسرائيل عالمياً. لذلك يهدف استخدامها إلى إعطاء الانطباع بأن الرأي العام المؤيد لإسرائيل أكبر مما هو عليه في الواقع، كما إلى زرع الشك والارتباك وعدم الثقة بالقضية الفلسطينية التي يشاركها الناشطون والناشطات. علماً أن هدف «البوتات» ليس جعل الناس يصدقون ما تقوله، بل جعلهم يشكّكون في ما يقرأونه أو في ما يؤمنون به. هدف آخر لهذه التقنية هو التشهير والتعرّض للناشطين والناشطات الفلسطينيات على منصات التواصل، ما ينهكهم نفسياً ويدفعهم إلى عدم مشاركة أخبار القضية. فالحديث هنا عن شبكة «بوتات» لا تنام ولا تأكل ولا تتأثر بالعواطف، بينما أصحاب القضية هم بشر يتعبون ويحتاجون إلى الراحة، ما يضعهم في موقف غير متكافئ أمام هذه الشبكات الآلية.

هل من أرقام أو تقارير تدعم هذا التوجه؟
ــــ في نهاية الشهر الماضي، أزالت «ميتا» الشركة الأم لمنصة فايسبوك أكثر من 500 حساب مزيف تديرها شركة تسويق إسرائيلية واستهدفت جماهير في الولايات المتحدة وكندا بمنشورات تركّز على الصراع بين «إسرائيل» و«حماس» والسياسات الشرق أوسطية. وقالت الشركة إنها حددت 510 حسابات على فايسبوك و11 صفحة ومجموعة واحدة و32 حساباً على إنستغرام متورّطة في سلوك منسّق. وكانت هذه الشبكة من الحسابات مُنشأة في «إسرائيل» وتعمل باللغة الإنكليزية بشكل رئيسي، وروّجت للروايات المؤيدة لإسرائيل، وتنتقد «معاداة السامية» في الجامعات ووكالة «غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» التابعة للأمم المتحدة، كما استخدمت الذكاء الاصطناعي لتوليد التعليقات. ووجدت «ميتا» أن هذه الحسابات اتبعت أساليب خادعة مثل استخدام هويات مزيفة وحسابات مخترقة، وشراء تفاعلات وهمية من فيتنام لزيادة انتشار محتواها. وتتبّعت «ميتا» هذه العملية السرية إلى شركة «ستويك» الإسرائيلية للتسويق السياسي، التي صارت محظورة الآن من منصاتها لانتهاكها سياسات مكافحة السلوك المنسّق غير الأصيل.
كما نذكر كشف تحقيق نشرته صحيفة الـ «غارديان» في 15 شباط (فبراير) من العام الماضي، عن فريق سري من الإسرائيليين الذين يتلاعبون بنتائج الانتخابات حول العالم عبر القرصنة والتخريب وحملات التضليل الآلية على مواقع التواصل الاجتماعي. وتستخدم الوحدة الإسرائيلية التي تسمى «فريق خورخي» Team Jorge تقنيات متقدمة كاختراق حسابات البريد والتراسل الآمن للمنافسين لجمع المعلومات الاستخباراتية، إضافة إلى أساليب التضليل، إذ تستعين بما يصل إلى 30 ألف هوية مزيفة على الإنترنت لنشر الروايات والدعاية الكاذبة على نطاق واسع. ويدير العملية ضابط سابق في القوات الخاصة الإسرائيلية، تال هنان، تحت اسم مستعار «خورخي». وفي تسجيلات سرية، وصف هنان وفريقه صراحة قدرتهم على التأثير في الانتخابات لمصلحة عملائهم باستخدام هذه الأساليب غير الأخلاقية. وقال هنان إن فريقه تدخّل بالفعل في أكثر من 30 عملية انتخاب حول العالم باستخدام هذه الطرق السرية للقرصنة وتصنيع الروايات الكاذبة على الإنترنت.

ما الذي يعنيه أن ينتشر هذا العدد الكبير من الـBots الإسرائيلية على منصات التواصل؟
ـــ أولاً، يعكس مدى جدية تعامل كيان الاحتلال مع منصات التواصل الاجتماعي، وخشيته من تأثيرها على الرأي العام. لهذا يستثمر جهداً وموارد ضخمة للسيطرة على هذه الساحة الرقمية، ما يتماشى مع إستراتيجيتهم الحربية الفعلية. ثانياً، سيؤدي هذا إلى كارثة على الإنترنت. فـ«إسرائيل» ليست اللاعب الوحيد الذي يمارس هذا الأسلوب، لكن هذه الممارسات ستُسهم في تحقيق ما يُعرف بنظرية «الإنترنت الميت»، وهي حالة تصبح فيها معظم التفاعلات على منصات التواصل الاجتماعي والويب كله، مزيفة. ستكون معظم النقرات، التعليقات، الإعجابات، وحتى الملفات الشخصية مزيّفة. ومن المتوقع أن نشهد تعاظماً في عدم القدرة على تمييز الحسابات الحقيقية من تلك التي تديرها البوتات في السنوات الخمس إلى العشر القادمة.

انطلاقاً من خبرتك وموقعك، كيف يمكن للناس تمييز الحسابات الحقيقية عن الـBots؟
بشكل أساسي، أحد الأشياء الأولى التي يجب مراقبتها هي النصوص داخل الحسابات المشكوك فيها، ولا سيما تلك التي تنشر أو ترد على مجموعة محدودة نسبياً من الحسابات المشهورة أو الحسابات ذات العلامة الزرقاء، فهذا يعني أنها «بوتات» مخصّصة للرد على حسابات المستخدمين البارزين لأنّ لإكس قيوداً معينة، لذا لا يمكن الرد على الجميع. وإذا كان عليه اختيار مجموعة معينة من الحسابات للرد عليها، فسيختار بالطبع الحسابات الأكثر شهرة أو تأثيراً. وإذا كان هذا هو نشاط الحساب الوحيد، فهذه علامة واضحة على أنه قد يكون «بوت». وهناك طريقة شائعة تُستخدم راهناً لمحاكاة السلوك البشري، هي إعادة تغريد أشياء عشوائية تماماً. قد تكون أموراً مرتبطة بفريق كرة قدم أو نجم بوب شهير، لكنّ معظم ردودهم وتعليقاتهم وتغريداتهم تكون معلومات مضلّلة. لذا فهذا شيء آخر يجب الانتباه إليه. إضافة إلى ذلك، إذا كان الحساب يُنشر على أنماط زمنية محددة جداً، مثل الرد دائماً في غضون خمس دقائق أو أقل أو عشر دقائق أو أقل، فهذا مؤشر آخر. وإذا بدا النص المنشور غريباً بشكل غير طبيعي، مثل مفهوم «الوادي الغامض»، إذ يكون النص قريباً جداً مما يكتبه الإنسان ولكن هناك شيء غريب واحد، مثل الأسلوب الرسمي جداً للكتابة عن شيء إنساني جداً مثل تفجير أو عدد كبير من الضحايا المدنيين، فقد تكون هذه إشارات.
يعطي عددها الكبير انطباعاً بأنّ مناصري «إسرائيل» كُثُر على السوشل ميديا


الأمر ليس مجرد إشارة واحدة محددة، إنه يتطلب حدساً وتطوير القدرة على التعرف إلى أن البشر الحقيقيين عادة لا يكتبون بهذه الطريقة. لذا، إذا كانوا يكرّرون المواضيع الرئيسية أو الموضوعات نفسها مثل الرد دائماً على تعليقات حول عدد القتلى المدنيين بالنص نفسه أو بتعديلات طفيفة على النص الأصلي، فهذا يشير إلى أنه بوت. في الماضي، كان يسهل تمييز البوتات عبر النصوص غير الصحيحة نحوياً أو الردود غير المنطقية. أما الآن لا يمكن معرفة ذلك بشكل مؤكد ما لم يكن هناك شيء واضح جداً مثل النشر دائماً في مدد زمنية معينة. لذلك، أصبح اكتشاف البوتات الآن مهمة أكثر صعوبة.

ماذا تنصح المستخدم بالتصرف حيالها ولماذا؟
ــ تجنّب التفاعل أو الدخول في حروب كلامية عبر الإنترنت أو حروب تعليقات، لأنه لن يستطيع أبداً التفوق في الجدال على «بوت». سترد عليك دائماً، ولديها طاقة لا تنضب، ومزيد من البيانات للاستناد إليها. والنقطة الأخرى هي عدم الاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي كمصدر وحيد للمعلومات. يُفضل دوماً الرجوع إلى المصادر الحقيقية والتحقّق من صحة المعلومات، وتجنّب قراءة أو تصديق أي نوع من المعلومات المضلّلة، لأن هذه المعلومات قد تكون من إنتاج «بوتات» وليست بشرية.