لشدة إعجاب الرحابنة بصوته في أدوار «العتابا»، كرّروا موّال «عيني ما تشوف النوم يا ديب» ثلاث مرات في فيلم «سفر برلك». وحتى اليوم، لمّا يزل صوت مروان محفوظ يتألق بخامته الشجية العذبة. مطلع هذا الشهر، أتم صاحب «يا سيف العل أعدا طايل» عامه السبعين، وها هو يدوّر في «أرشيفه» الغنائي الذي تضمه مكتبة موسيقية غنية في بيته، في محاولة لإعادة تسجيل بعض أغانيه «الضاربة» ضمن توزيع موسيقي جديد.
في قرية المريجات البقاعية، ولد مروان محفوظ في العام 1942. وعلى مواويل والده شعيا و«الزجل اللبناني الأصيل» و«المغنّى» و«العتابا» التي كان يردّدها فلّاحو سهل البقاع والجوار، تفتّح وعيه. وعلى رغم تطوّع والده في سلك «الدرك»، إلا أنّه «كان لديه متسع من الوقت لإحياء السهرات المحلية والشعبية». خامة صوت الوالد وقوته لم يرثهما صغيره مروان فحسب، بل كل أفراد العائلة أيضاً. لكنّ مروان هو الذي تألّق في حفلات المدرسة في المريجات وحصة الغناء «التي كانت علاماتها تُدرج ضمن المقرر والمنهج الدراسي».
بسبب البحث عن مدرسة وعمل، غادر مروان محفوظ القرية مع شقيقه ويمّم وجهه شطر بيروت. كان ذلك بين عامي 1956 و1957. في ذلك الحين، صار يقصد عميد الموسيقيين في حينه سليم الحلو «كان أستاذاً كبيراً في الموشحات والموسيقى، تتلمذ على يده وديع الصافي ومحمد عبد الوهاب. أنا أتيت إليه في آخر أيامه. وتعلمت منه الكثير. كنت أشتغل وأسدّد تكاليف التعليم» يقول. في هذا الوقت، صار يتردد على مسرح علي العريس، وكان يقدم مع ثلة من الهواة مواويل وأغنيات لمطربي تلك المرحلة.
في العام 1963، التحق مروان محفوظ بـ«المعهد الوطني العالي للموسيقى» قرب ساحة «الدبّاس» وانتهج خيار الغناء. هناك تتلمذ على يد سليم الحلو، وجورج فرح، وتوفيق الباشا، وعبد الغني شعبان. وفي العام 1964، كان رشاد البيبي يقدم برنامج «الفن هوايتي» على «تلفزيون لبنان». هذا البرنامج ذاته الذي عرّف الناس إلى عصام رجي، وملحم بركات وجوزف عازار. ولأنه كان متأثراً كثيراً بالفنان وديع الصافي، قدم المواويل من دون موسيقى: «طلّ الصباح» و«يا اختي نجوم الليل» و«ليش يا ابني ليش طولت الغياب»... كانت اللجنة يومها تضمّ توفيق الباشا وعبد الغني شعبان وجوزف الخوري وزكي ناصيف. في هذا البرنامج، سمعه عاصي الرحباني ووديع الصافي، فدعاه الأول إلى الالتحاق بفرقته في العام 1965 وشد الثاني على «يدي» وقال لي: «أمامك مستقبل باهر». كان يحلو لعاصي الرحباني سماع مواويل مروان محفوظ. في مكتبه في محلة بدارو في بيروت، سمع منه أغنية وديع الصافي «يا أم الضفاير» وهي من ألحان الرحابنة.
في البرامج التلفزيونية، أطل صاحب «خايف كون عشقتك وحبيتك» في العديد من البرامج الغنائية التي كان يقدمها الرحابنة. في «دفاتر الليل»، غنى مروان محفوظ «يا ناعور» مع الفنانة نواك الكك و«راكبين العربية وطايرين» مع هدى حداد. واقتصر دوره في فيلم «سفر برلك» على الغناء، إذ قدم مع جوزف ناصيف وملحم بركات حوارية «طلي يا حلوة طلي». أما في المسرح، فكانت إطلالته الأولى في مسرحية «دواليب الهوا» إنما ضمن مجموعة الكورس. وفي مسرحية «الشخص» قدم أغنية دبكة «بالنجمة وعدتك ونسيت» من ألحان الياس الرحباني. وأسند إليه الرحابنة دور «خيّال الكروم» في مسرحية «جبال الصوان». ثم تعددت أدواره «الثانوية» في المسرح الرحباني.
لم يكن زياد الرحباني قد بلغ السادسة عشرة عندما صار يتردد إلى مسرح والده وعميه منصور والياس، لكن اللقاء الذي جمعه بمروان محفوظ كان في مكتب جورج كفوري الذي كان يعدّ لعمل يحمل عنوان «ضيعة الحزازير». لحن زياد قسماً كبيراً منه وغنى محفوظ من ألحانه «قلبك بعدو زغير». ثم لحّن له زياد «لوما حبيتك لوما» و«يا حلوة يا ست الدار» والثالثة «سألوني الناس عنك يا حبيبي». لكن قبل تسجيل الأغنيات، أصيب عاصي الرحباني بجلطة دماغية أدخلته المستشفى لأشهر عدة «بعد تماثله للشفاء، عدنا إلى بروفات مسرحية «المحطة»، وكان زياد يشارك في أعمال التوزيع. قال لي: لنعد ما حفظناه من ألحان. ونحن نتدرب، سمعت فيروز ومنصور الرحباني أغنية «سألوني الناس عنك يا حبيبي»، فطلبا الأغنية من زياد، فرد بأنّه سيسألني قبلاً. لكنني سرعان ما رحبت بالفكرة عندما علمت أن فيروز ستغني الأغنية؛ وعوّضها عليّ زياد بلحني «يا سيف العل أعدا طايل» و«خايف كون عشقتك وحبيتك»، وبدور البطولة في مسرحية «سهرية» (1975) الى جانب جوزف صقر وجورجيت صايغ». وقد كانت تلك المسرحية مفترقاً مفصلياً في مسيرة مروان محفوظ.
خلال عشر سنوات من ارتباطه بمسرح الرحابنة من 1965 حتى 1975، تألق مروان محفوظ بأكثر من أغنية «كان يهمني تقديم النوعية وليس الكثرة، ومع ذلك، فقد أعطاني وديع الصافي وفيلمون وهبي والياس الرحباني وإيلي شويري أفضل الألحان». لحّن له وديع الصافي «يا حلوة العينين» و«يا ام الشال الليموني» و«حكيولي الحكاية». وشاركته جورجينا رزق ملكة جمال الكون بطولة مسرحية «نوار» (1975) من إلحان روميو لحود. بعدها قدم له فيلمون وهبي فنانة اسمها أميرة شاركته لفترة طويلة في جولاته الغنائية على معظم الدول العربية من خلال فرقته الفنية التي ألفها تحت عنوان «فرقة الليالي اللبنانية» (1976).
بين كندا ولبنان، يقضي مروان محفوظ معظم أوقاته اليوم. هنا، يلتقي بأصدقائه ورفاقه منهم وليم حسواني، وموسى زغيب اللذان غنى لهما مجموعة كبيرة من أشعارهما، ورفيق روحانا، ويتفقد وديع الصافي ويقضي فترات مع شقيقه العميد فرنسيس قائد موسيقى الدرك. وهناك، يلتقي بولديه وعائلتيهما «فلهما مصالح هناك». وكان يستعد لإعادة تسجيل مجموعة من أغانيه ضمن توزيع جديد، فضلاً عن ألحان جديدة لوديع الصافي والراحل فيلمون وهبي «غير أن ما يجري في سوريا أجّل كل هذه الأعمال، خصوصاً أنّي كنت أنوي تسجيل المشروع هناك. أبحث حالياً عن استديو متخصص في لبنان. لا أريد بدلاً أو مالاً من العمل، بل فقط أن أجد استديو يسجّل عملي مع فرقة موسيقية، لا أريد تسجيله على «كيبورد» ولا أريد أي مقابل من مبيعاته. لكن للأسف، فالفن اليوم محكوم باستديو وحيد يسجّل لشبان يراهم الوجهة الحقيقية للفن».
يعتبر صاحب «غالي غالي يا وطني غالي» (من ألحان إيلي شويري) أنّ «ما يجري في سوريا اليوم مؤامرة كبرى على كل ما يعتبر مقاومة. فإما أن نبقى تحت الجزمة الأميركية، وإما سوف تكون أحوالنا بالويل. إن ما حصل في لبنان خلال الحرب الأهلية يتكرر اليوم في معظم الدول العربية. هذا مؤسف جداً، ويبقى على الشعوب العربية أن تعي خطورة ما يحاك ضدها». أما عن دور الفنان في هذه المرحلة، فيقول إنّ «الفنان الذي لا يتخذ موقفاً من هذه المؤامرات الخارجية، لا يكون فناناً. ونحن هنا في لبنان لا يمكننا إلا أن نكون مع لبنان أولاً ومع أشقائنا ثانياً».



5 تواريخ

1942
الولادة في المريجات في منطقة البقاع (شرق لبنان)

1963
نجح مطرباً في برنامج «الفن هوايتي» لرشاد البيبي على «تلفزيون لبنان»

1975
أعطاه زياد الرحباني دور البطولة في مسرحية «سهرية» ولحن له «يا سيف العل أعدا طايل»

1976
ألف فرقة «الليالي اللبنانية» التي جابت العالم العربي.

2012
يحضر مجموعة من أغنياته لإعادة تسجيلها مع أخرى من ألحان وديع الصافي والراحل فيلمون وهبي