كان يُعرف عن يهود سوريا غناهم بكتبهم. وكانت الـ24 كنيساً يهودياً المنتشرة على الأراضي السورية تضم 11 مخطوطة تراوح أعمارها بين 700 و1000 سنة. لم يكتب أي من نصوص تلك المخطوطات في سوريا، لكنها وصلت اليها خلال هجرات اليهود، وهي حفظت في المكتبات التابعة لأبناء الطائفة، لا في دار المخطوطات، كما هي الحال مع كل الطوائف، لكن، حينما بدأت في سبعينات القرن الماضي عملية تهريب اليهود السوريين عبر الحدود التركية الى إسرائيل، تحركت أيضاً عجلة إخراج المخطوطات التي زينت صفحات البعض منها رسوم بماء الذهب. وكانت السلطات الإسرائيلية تدعم تهريب البشر والكتب مادياً.وعاد الحديث اليوم عن «تيجان دمشق» لأن المكتبة العامة في القدس عرضت، لساعات قليلة فقط، ثلاثاً منها. أقدم المخطوطات تعود الى القرن العاشر ميلادي، ويقول خبراء الكتابة العبرية إنها كُتبت في ما يعرف اليوم بأرض فلسطين. ويبرز معهم ذلك من طريقة سرد نصوص التوراة التي كانت في حينها تختلف بين مدرستين دينيتين، ويرى الخبراء أن «تيجان دمشق» ضرورية جداً لفهم التطور والتغير الذي عرفته نصوص التوراة. وكانت هذه المخطوطة ملكاً لداوود صاصون، الذي أخذها الى بريطانيا سنة 1914، واشترتها المكتبة الإسرائيلية من ورثته سنة 1975. وثاني أهم الكتب المخطوطة التي عرضت في القدس، ويعود تاريخها الى 700 سنة، وهي تحفة فنية يمكن استخدامها سياسياً كنوع من البروباغندا، إذ يقول منظمو المعرض إن قصتها تشبه قصة الشعب اليهودي لأن الأختام عليها تؤكد انتقالها عبر القرون من إيطاليا الى إسبانيا قبل 1492، ثم الى القسطنطينية بسبب طرد اليهود من إسبانيا، ومن إسطنبول الى دمشق مع سقوط السلطنة العثمانية، ومن دمشق الى تورونتو في كندا، ومنها الى القدس على يد العميلة الإسرائيلية ـــــ الكندية، جودي فليد كار، التي أمنت هروب 3000 يهودي من سوريا بين 1970 و1990. وعرفت كار من الهاربين بوجود الكتاب في دمشق، فعملت على إخراجه خلسة على يد عميل خبأه في كيس داخل معطفه وهرّبه الى كندا، ومن هناك أمّنت وصوله الى إسرائيل. وبقيت في سوريا 8 مخطوطات مهمة جداً. وفي عام 1993، قررت السلطات الإسرائيلية سرقة المخطوطات، فأوكلت المهمة الى فريق من الموساد أوصلها الى تل ابيب. ولأن قصة السرقة لا تزال سرية، لم تعرض المكتبة الإسرائيلية هذه المخطوطات.
ويقول شلومو بازو، وهو حاخام ولد في دمشق وهرب مع عائلته سنة 1985، إن في حوزته مخطوطاً عمره 300 سنة كان في سوريا، وأوضح في حديث الى وكالة «أسوشييتد برس»: «عندما سمحت السلطات السورية لليهود بالرحيل، عملوا على تقسيم المخطوطات الجلدية والملفوفة الى قطع بحجم الورق، خُبئت في الحقائب. ولما وصلوا الى إسرائيل عملت على خياطة هذه الجلود لإعادة التوراة الى شكلها الأولي». وبهذا أصبحت لدى بازو مخطوطة، وقصة يمكن توظيفها إعلامياً عن صعوبة المحافظة على الهوية اليهودية. ووصفت الصحف الإسرائيلية عملية الاستيلاء على المخطوطات بأنها عمل بطولي، مع العلم بأن القانون الدولي يعدها سرقة، إذ إن اتفاقية اليونسكو سنة 1970 تمنع الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، وتطالب بإعادة كل القطع المسروقة بعد 1970 الى دولها الأم، أي إن سوريا (الموقعة على الاتفاقية) يمكنها أن تطالب باسترداد المخطوطات، لكن إسرائيل لا تأبه لهذه الاتفاقيات، بل تجهد في سرقة الكتابات العبرية من كل الدول العربية، وذلك لهدف سياسي واضح مفاده أنه ليس هناك من وجود تاريخي يهودي خارج إسرائيل. وهكذا، عندما لم تتمكّن السلطات من سرقة الكتب العبرية العراقية من دار المخطوطات، انتظرت حتى سقوط بغداد. فدخلت فرق مختصة دار المخطوطات وهي تحترق ونقلت كل الكتب العبرية الى واشنطن، لترميمها! لكنها ظهرت في ما بعد في اسرائيل، حيث هي الآن.
في القدس، المكتبة الإسرائيلية ليست مركز كتب، بل باتت مركزاً متخصصاً في السرقات الدولية.