«لعبة الحبّار»... موسم ثانٍ باهت

عندما أُعلن عن عودة مسلسل «لعبة الحبّار» (Squid Game) بموسم جديد، كانت التوقعات هائلة. العمل الكوري الجنوبي الذي أسر العالم في موسمه الأوّل قبل أربع سنوات وحصد إعجاب النقاد والجماهير بفضل مزيجه المبتكر من الإثارة الاجتماعية والتشويق النفسي والتجربة الإنسانية، بدا وكأنه يفتح الباب أمام موسم ثانٍ أكثر قوة. لكن عند إطلاق الجزء الجديد في 26 كانون الأوّل (ديسمبر) الماضي، تباينت الآراء بشكل لافت ما بين الحماسة والانتقاد، فيما خيمت على المشاهدين حالة من الإحباط والترقب لمستقبل هذه السلسلة الكورية الجنوبية.
جاء ذلك على الرغم من أنّ العمل حقق نجاحاً كبيراً على «نتفليكس»، حيث سجل حوالي 487 مليون ساعة مشاهدة خلال الأسبوع الأوّل من عرضه، مما يجعله أكثر الأعمال الدرامية مشاهدة على منصة البث التدفقي الأميركية في تلك الفترة.
بداية واعدة أم تكرار ممل؟
يبدأ الموسم الثاني بمحاولة تطوير الحبكة المركزية. يعود البطل لي جونغ جاي في دور «سونغ جي-هون» إلى عالم اللعبة المظلم. هذه المرة ليس كضحية، بل كمحارب يسعى لكشف الحقائق وتدمير النظام الفاسد. ورغم أن الفكرة تحمل وعوداً بإضافة أبعاد جديدة للشخصية الرئيسية، إلا أنّ التنفيذ كان بعيداً عن مستوى التوقعات. فعوضاً عن تقديم مفاجآت مدهشة أو سرديات مبتكرة، بدا العمل الدرامي المؤلف من 8 حلقات وكأنه يكرّر نفسه. مشاهد وأحداث كثيرة استُنسخت تقريباً من الموسم الأول، لكن من دون إثارة مماثلة.
شخصيات عالقة في الظل
لعلّ أبرز ما ميّز الموسم الأوّل كان عمق الشخصيات وتنوّعها، بعدما حمل كل منها قصة تفتح المجال لتأملات إنسانية ومعاناة شخصية. أما في الجزء الجديد، ورغم محاولات استكشاف دوافع جديدة للشخصيات، بدا التوجه مشوّشاً.
لي جونغ جاي في دور «سونغ جي-هون»، البطل الذي جذب المشاهدين بشخصيته المعقدة ومعاناته في الموسم الأول، بات هنا أشبه بظل لما كان عليه، مع قرارات وخطوات لم تضف الكثير لتطوره النفسي. أما الشخصيات الجديدة، فافتقرت إلى العمق اللازم لتكون فعالة أو مثيرة للاهتمام.
الحبكة بين الجرأة والركود
من الناحية السردية، يظل المسلسل جريئاً في طرحه لمواضيع اجتماعية وسياسية حساسة. تتناول الحلقات قضايا مثل الاستغلال الاقتصادي، والفساد، وصراع القوى. لكن الجرأة هذه المرة جاءت على حساب الإيقاع. بعض الحلقات بدت طويلة بشكل مفرط، تُغرق المشاهد في تفاصيل لا تضيف قيمة واضحة. وفي حين كانت هناك لحظات توتر حقيقية، إلا أنها لم تكن كافية لإنقاذ موسم يفتقر إلى الوضوح السردي.
نقد النظام الرأسمالي
إحدى أبرز الأفكار التي يمكن التوقف عندها في الموسم الثاني هي استمرار المسلسل في انتقاده للرأسمالية الحديثة. يعكس العمل كيف يُحوّل النظام القيم الإنسانية إلى مجرد وسائل لتحقيق الربح، إذ يصبح الكفاح من أجل البقاء ترفيهاً للنخب. تتجلى هذه الرمزية في الألعاب التي تُعرض على هذه الطبقة كوسيلة تسلية، ما يُبرز الهوة الطبقية واستغلال معاناة المهمشين لتحقيق مكاسب مادية. هذا النقد للنظام الرأسمالي يظل عنصراً قوياً في المسلسل، لكنه قد يحتاج إلى معالجة أكثر ابتكاراً في المواسم المقبلة.
أما النهاية التي يُفترض أن تكون النقطة الأكثر إثارة، فجاءت غامضة ومليئة بالتلميحات لموسم ثالث. هذا الغموض، وبدلاً من أن يكون عنصر تشويق، يولّد إحباطاً لدى المشاهد الذي يتوقع خاتمة أكثر حسماً.
نظرة إلى المستقبل
من الواضح أن صُنّاع «لعبة الحبّار» راهنوا على نجاح الموسم الأوّل لتمديد عمر القصة. لكن الرهان لم يكن ناجحاً بالكامل. فبينما يملك المسلسل قاعدة جماهيرية ضخمة قد تُبقيه في دائرة الضوء، إلا أنّ استمراره يعتمد بشكل كبير على استعادة روح الابتكار التي ميزته في البداية.
بالنظر إلى الموسم الثاني ككل، يمكن وصفه بأنه محاولة طموحة لكنّها متعثرة. وبينما يظل الأمل قائماً بأن يُصحح العمل مساره في الأجزاء المقبلة، فإنّ الجمهور لن يرضى بأقل من ذلك. فـ «لعبة الحبّار» ليس مجرد مسلسل؛ إنّه ظاهرة ثقافية تستحق ألا تُستنزف.
الموسم الثاني من «لعبة الحبّار»: متوافر على «نتفليكس».