Strong>ديما شريفجوزيف مسعد يسمع هيفا وهبي وإليسا و... سيد درويش! نعم، الباحث الفلسطيني الذي يعتبر أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل في الأوساط الأكاديمية الأميركية، يسمع كلّ ما تقع عليه أذنه باللغة العربية، من عبد الوهاب إلى فرقة الراب «دام»، من دون أن ننسى الموسيقى اللاتينو والجاز والبلوز. والداه المهجّران من يافا، تعرّفا على بعضهما بعضاً في لبنان. كانت والدته تعيش في المصيطبة. في مدرسة «الفرير» (عمان) تابع دراسته، وكان يقضي الصيف في لبنان، ما جعل بيروت جزءاً مهماً في حياته. الأستاذ في «جامعة كولومبيا» في نيويورك، زار العاصمة اللبنانيّة أخيراً ضمن نشاط فكري، وراح يتذكّر كيف جاء قبل الاجتياح الإسرائيلي، في تشرين الثاني (نوفمبر)1981. أتى يودّع جدته قبل سفره إلى أميركا للدراسة... ولم يعد إلا مطلع التسعينيات. بعد فصل في دراسة الهندسة في «جامعة نيو مكسيكو»، تحوّل إلى العلوم السياسية متخصصاً بشؤون أميركا اللاتينية. أنجز الماجستير، ثم انتقل إلى «جامعة كولومبيا» حيث التقى إدوارد سعيد. تطورت علاقته بالمفكر الفلسطيني الراحل «فأصبح صديقاً وزميلاً وأباً روحياً، وأصبحنا مقرّبين أكثر بعدما بدأت التدريس في كولومبيا». كلّ ذلك ربّما ملأ فراغاً أساسيّاً، فقد كبر جوزيف في منزل لا سياسة فيه: والده كان موظفاً، ووالدته ربّة منزل عادت إلى ميدان العمل لتوفير المال كي يدرس في أميركا. كان والده يكرّر على مسامعهم: «نحنا ما عنا فلوس نتركلكم، ما عنّا نعطيكم غير العلم». يتذكّر نفسه حين وصل إلى بلاد العمّ سام... شاباً من الطبقة الوسطى يحاول كتابة الشعر وعزف البيانو... صعقته العنصرية تجاه العرب. كانت صدمته الأولى على مستوى الوعي، مجازر صبرا وشاتيلا. لولا وجوده في أميركا، لكان يمكن أن يكون من ضحايا المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل، بمعاونة ميليشيات يمينيّة فاشيّة.
نصحه وقتها زميلٌ له بقراءة كتاب للصحافي دايفيد هيرست، ثم توالت قراءاته السياسية ليتمكّن بعد سنة من خوض نقاشات عن الشرق الأوسط. عندها، صنّفه صديقه بالماركسي، وكانت المرّة الأولى التي يسمع بتصنيف مماثل. لم يكن قرأ ماركس بعد. بدأ بهيغل ليفهم ماركس أكثر ثم قرأ نيتشه، غرامشي، أدورنو، ألتوسير، وغيرهم...
يعترف بأنه تعلَّم الكثير من فوكو رغم موقفه النقدي منه. يعتبر بعض النقاد أنّ مسعد أكمل نواقص فوكو في «تاريخ الجنسانية» في كتابه «اشتهاء العرب» (2007). في بحثه هذا، درس تأثير الاستشراق على العرب، وخلص إلى أنَّ ثنائية «المثلية/ الاستقامة» خاصة بالتجربة الغربية، وعولمتها جزء من بناء التعالي الاستعماري.
اشتهر مسعد بعد اتهام بعض طلابه له بمعاداة السامية في 2004، وبأنه يضغط عليهم بسبب مناصرتهم إسرائيل... وطالت القضيّة حتى برّأته اللجنة التي ألفتها الجامعة من هذه الاتهامات. لا يخفي جوزيف خيبة أمل من إدارة الجامعة التي انصاعت في هذه القضيّة لضغوطات غير أكاديمية. مع ذلك فهو يعتز بسجله الأكاديمي المهمّ، ووقوف زملائه وطلابه معه، وخصوصاً اليهود منهم. يضحك مؤكداً أنّ وجوده في «كولومبيا» مربح مادياً للجامعة، لأنّه يؤدي إلى تزايد التبرعات من اليمين المحافظ للدراسات الإسرائيليّة، تحت ذريعة موازنة آرائه المناوئة لإسرائيل!
حين أحدثت مواقفه تلك الجلبة، كانت قد مرّت أربع سنوات على صدور «آثار الكولونيالية: صناعة الهوية الوطنية في الأردن» (2001). في هذا الكتاب، تناول تاريخ الأردن منذ 1921، ودرس نشوء القومية المناهضة للاستعمار. وفي 2006، أصدر «ديمومة القضية الفلسطينية»، عمل اعتبره إيلان بابه، أبرز المؤرّخين الجدد في إسرائيل، دافعاً لتغيير الصور النمطيّة عن تاريخ فلسطين. يفسِّر مسعد في بحثه الذي عُرِّب أخيراً عند «دار الآداب»، الموقف السياسي للصهيونيّة، ونظرتها إلى الثقافة والعرق كمفاهيم مركزيّة، كما يحلل الفكر الوطني الفلسطيني.
ماذا يقرأ جوزيف مسعد؟ «أقرأ التاريخ والفلسفة والنقد... لكنني أستسيغ الأدب وأحب الروائيين إلى قلبي هو الأديب المصري محمد البساطي». ويضيف أنّه عانى مشكلة مع الشعر «لأنّه لم يفهمه»، لكنّه نادم على ذلك... يعود إلى كتاباته الشعرية خلال المراهقة ويصفها بالمحاولات التافهة. يتذكّر كيف لامته إحدى الصديقات على الجزء المهم من كتابه «اشتهاء العرب» الذي يتحدث فيه عن أبو نوّاس من دون أن يستشهد بأي بيت له!
في ما يتعلق بفلسطين، يرفض مسعد حلّ الدولتين. يراه ذا نتائج مدمرة على الشعب الفلسطيني. ويعتبر السلطة الفلسطينية عميلة بالمعنى القانوني لا الأيديولوجي. يفضّل «حماس» الإسلامية. «هي ربحت الانتخابات بديموقراطية ومصممة على ثوابت وعلى حل الدولة الواحدة. رغم ذلك، بدأت تنازلات خطابية لدى قادتها، تجعلنا نخشى من أن تصبح نسخة فكاهية من «فتح»».
ماذا عن أوباما؟ «هو أسوأ ما حصل للسود في أميركا» يقول. إذ سيحرم انتخابه السود من التكلُّم عن العنصريّة المُمأسسة في المجتمع الأميركي. أما خطابه في القاهرة، فكان «بالمجمل محاضرة عنصرية فوقية عن كيفية فهم التاريخ اليهودي. لكن اتضح أنّه لا يعرف شيئاً وهو بحاجة إلى دروس في التاريخ... فهو يستخدم المحرقة لتبرير قتل الفلسطينيين». اليوم، ينتظر مسعد نتائج المفاوضات بين مجلة «آرت جورنال» ومحامي غانيت أنكوري. الباحثة الإسرائيليّة رفعت دعوى العام الماضي على المجلة لنشرها مقالاً لمسعد، يتهمها فيه بالسطو على أفكار الفنان الفلسطيني كمال بلاطة. يزور مسعد الأردن مرتين في السنة، لكنه لا يفكِّر بالاستقرار هناك. «أعشق القاهرة وقضيت عام التفرغ فيها. أتمنّى أن أدرّس فصلاً في القاهرة وآخر في نيويورك... لو حدث ذلك فسأكون أسعد بكثير».


5 تواريخ

1963
الولادة في عمّان (الأردن) من أبوين تهجّرا من يافا

1998
نال الدكتواره من «كولومبيا» وكان إدوارد سعيد في اللجنة التي ناقشت أطروحته

2004
بدأت متاعبه مع بعض طلابه الذين اتهموه بمعاداة السامية

2007
صدور كتابه «اشتهاء العرب» الذي يصدر قريباً معرّباً عن «دار الشروق» في القاهرة

2009
ثبّت في وظيفته في «جامعة كولومبيا» رغم الجدل حوله، ويصدر قريباً كتابه الجديد بعنوان «الإسلام في الليبرالية»