السودان | استعار حرب المُسيّرات: البرهان ينجو من الموت
وفي السياق، يقول مصدر تحدّث إلى «الأخبار»، إن «الجيش فشل في إيقاف دخول الدعم العسكري للمتمردين» بحسب تعبيره، مرجّحاً امتلاكهم مُسيّرات تسير مسافات بعيدة، لافتاً إلى أنه «حينما طالبت الأمم المتحدة، في آذار الماضي، بفتح ممرات إنسانية، تمسكت الحكومة السودانية بأن تكون ممرات محدودة وتحت إشرافها وإغلاق كل الحدود مع دولة تشاد، لكن الدول الداعمة لـ»قوات الدعم السريع» ضغطت عبر الأمم المتحدة الى أن وافقت الحكومة». ويضيف أنه «الآن تنزل دولة الإمارات المعونات الإنسانية ومعها المساعدات العسكرية على بعد 60 كيلومتراً من مدينة الجنينة غربي البلاد والتي تقع تحت سيطرة الدعم، من دون أن يكون للجيش أي رقابة عليها».
وفي أول رد فعل له على الحادثة، قال البرهان إن السودان يتعرض لـ«مؤامرة كبيرة»، مؤكداً «أننا لن نتراجع ولن نتفاوض مع أي جهة مهما كانت». وأضاف، مخاطباً الخرّيجين من الضباط في منطقة جبيت العسكرية، (أننا) «لا نخشى المُسيّرات ولا الموت. سنقاتل ورأسنا مرفوع». وفي رده على المشاركة في المفاوضات التي دعت إليها واشنطن، قال: «نحن لا نمانع السلام ونريد إيقاف الحرب، لكن ونحن مرفوعو الرأس ونحن منتصرون. كل من له مبادرة نقول له أَخرج العدو من المدن ومن منازل المواطنين حينها ستقف الحرب»، مضيفاً أنه «طالما العدو يقتل المواطنين ويستبيح منازلهم، فالحرب لن تقف ومعركتنا مستمرة». وشدّد على أن «من يريد المفاوضات يجب عليه الاعتراف بالدولة السودانية وبوجودها ويجب مشاورتها في أجندة وأطراف التفاوض».
وإزاء محاولة الاغتيال، يتهم مراقبون أجهزة الأمن والاستخبارات بالتقصير في تأمين البرهان. ويرى الخبير الاستراتيجي، اللواء المتقاعد أسامة محمد أحمد، أن الحادثة «تدل على وجود خلل في التقييم الأمني وفي تقييم العدو وإمكانية وصوله إلى بورتسودان، ولا سيما أن المُسيّرات يمكن أن يتم تفكيكها وتهريبها داخل أي جسم كما يمكن إطلاقها من أي مكان، فهي لا تحتاج إلى أرض مستوية أو مطار أو تقنيات عالية». ويستبعد محمد أحمد، في حديثه إلى «الأخبار»، فرضية «وجود طرف آخر ساعد الميليشيا في استهداف البرهان بالمُسيّرات، على اعتبار أن المُسيّرات التي سقطت في المكان تقليدية وتصدر صوتاً واضحاً قبل سقوطها وإصابة الهدف». ويضيف أن «وصول المُسيّرات إلى رأس الدولة يؤشر إلى وجود ثغرات في الجدار الأمني الذي يحيط بالبرهان، سواء كان في تحركاته الداخلية والخارجية»، لافتاً إلى أن «تقييم المخاطر المحيطة جزء من عمل الخطة الأمنية. وفي حال كان التقييم للمخاطر خاطئاً، تقع مثل هذه الحوادث».
وتجيء هذه التطورات على الأرض في وقت تموج فيه الساحة الداخلية بالدعوة التي طرحتها الخارجية الأميركية على طرفَي الصراع للانخراط في جولة مفاوضات جديدة في الـ14 من شهر آب الحالي في مدينة جنيف، تحت رقابة الأمم المتحدة و«الاتحاد الأفريقي» ودولتي الإمارات ومصر، على أن تكون المملكة السعودية مستضيفاً مشاركاً. وفي السياق، أصدرت وزارة الخارجية السودانية بياناً أوضحت فيه رد الحكومة على واشنطن بشأن الدعوة، مشددة على «ضرورة التشاور المسبق» معها حول شكل وأجندة المفاوضات والأطراف المشاركة فيها، ومطالبةً بعقد اجتماع للتمهيد لها، على أن تستند إلى مخرجات «منبر جدة». وفي الوقت نفسه، أعلنت ثماني حركات مسلحة تقاتل إلى جانب الجيش رفضها نتائج أي تفاوض لا يضمن مشاركتها في جميع تفاصيله. وفي المقابل، أصدرت «الدعم السريع» بياناً أعلنت فيه تمسكها بالتفاوض مع القوات المسلحة فقط، وأنها لن تسمح بإقحام أي مؤسسة في مفاوضات أو محادثات لوقف الحرب وضمان الوصول إلى المساعدات الإنسانية، موضحة أن أي مفاوضات «يجب أن ترتبط بعملية إنسانية تخفف من معاناة المواطنين وتعالج الأسباب الجذرية لحروب السودان».
واعتبر محلّلون بيان الخارجية رفضاً مبطّناً للدعوة، ولا سيما أنه ربط الشروع في أي جولة تفاوضية بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في «اتفاق جدة». ويرى محمد أحمد، في حديث إلى «الأخبار»، أن الرد الحكومي نقل الكرة إلى ملعب الحكومة، على اعتبار أن «الجيش جزء من مؤسسات الدولة وليس ميليشيا كي تتم مخاطبتها في معزل عن الحكومة»، لافتاً إلى أن «الحكومة القائمة شرعية وإن اختلفت مسمياتها لدى البعض، من مثل حكومة أمر واقع أو حكومة انقلاب».