ترامب يعلنها حرباً تجارية على العالم: «ما يفعلونه بنا نفعله بهم»

كعادته، لا يوفّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فرصة للإعلان عن جوانب عدوانية في سياسته الخارجية، خاصة على المستوى الاقتصادي. واستكمالاً لنهج تجاري حمائي كان قد اتّبعه منذ أيامه الأولى في سدّة الرئاسة، حيال عدد من البلدان، ومنها الصين، ثاني أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، إضافة إلى الجارة الشمالية كندا، أعلن الرئيس القادم من عالم المال والأعمال، التوقيع على «أمر تنفيذي تاريخي يفرض رسوماً جمركية متبادلة على (الواردات من) دول العالم»، مهاجماً عدداً من الشركاء التجاريين لبلاده، ومن بينهم أطراف حليفة، بدعوى استغلالهم لها على مدى عقود طويلة عبر فرض رسوم جمركية «غير عادلة» على صادراتها، مع تشديده على أن «الرسوم المتبادلة تعني: ما يفعلونه بنا نفعله بهم».
وفي تصويب مباشر على السياسات التجارية لبلدان الاتحاد الأوروبي، توعّد ترامب بفرض رسوم جمركية بقيمة 25% على كل السيارات الأجنبية، معلّلاً قراره بفرض الاتحاد، خلال السنوات الماضية، رسوماً بقيمة 10%، مقارنة بأخرى أميركية مماثلة لم تكن تتخطّى عتبة الـ2.5%. واستكمل الرئيس الجمهوري هجومه على سائر الشركاء التجاريين لبلاده، كالصين، معرباً عن انزعاجه من اكتفاء الولايات المتحدة لسنوات خلت «بفرض رسوم جمركية تصل إلى 2.8% على العديد من السلع، بينما تفرض الدول الأخرى رسوماً بـ200% إلى 400%»، مؤكّداً أنه لم يعد بإمكان بلاده الاستمرار في «سياسة الاستسلام الاقتصادي الأحادي الجانب». وفي خطابه الذي ألقاه مساء الأربعاء من حديقة البيت الأبيض في واشنطن، هدّد ترامب بمحاسبة الدول التي «تعاملنا بشكل سيّئ، بما في ذلك الحواجز غير النقدية»، معتبراً أنّ قراره يُعدّ بمثابة «إعلان استقلال اقتصادي» و»يوم تحرير» لأميركا.
وفي محاولة لتسويق الإجراءات التجارية الحمائية على أنها السبيل لمعالجة مشكلة العجز في الموازنة والميزان التجاري، وتعزيز وضع الصناعات المحلية في الولايات المتحدة، ادّعى ترامب بأن الخطوات التي اتّخذها، والتي شملت فرض ضريبة بنسبة 25% على السيارات المستوردة، و20% على جميع الواردات الأخرى، مع نسب أعلى استهدفت شركاء تجاريين محدّدين، كالصين (34%)، واليابان (24%)، والاتحاد الأوروبي (20%)، من شأنها أن «تمكّننا من جعل أميركا عظيمة مجدّداً أكثر من أيّ وقت مضى»، في إشارة إلى رؤيته الاقتصادية، التي سبق أن كشف عنها مستشاره التجاري بيتر نافارو، وتقوم على جمع ما يصل إلى 700 مليار دولار سنوياً من الرسوم الجمركية وحدها.
ردود فعل
وفور الإعلان عن القيود التجارية الجديدة، والتي طاولت دولاً آسيوية من مثل تايلاند، وبلداناً في أميركا اللاتينية كالبرازيل، وكولومبيا، وأخرى أوروبية كالدنمارك، وبريطانيا، وإيطاليا، توالت ردود الفعل الداخلية والخارجية. ففي حين اعتبر زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب، حكيم جيفريز، أن هذا «ليس يوم التحرير، بل هو يوم الكساد»، وصف الاتحاد الأوروبي القرار بـ»غير المتناسب»، معلناً نيته الرد بخطوات مضادّة متدرّجة لحماية مصالح السوق الأوروبية المشتركة. ومع الإشارة إلى أن مواقف معظم الحكومات الأوروبية، أسوة بمواقف البلدان الآسيوية الحليفة لواشنطن، أخذت طابع الاستهجان، مع إبداء انفتاحها على التفاهم مع واشنطن حول السياسات التجارية، كما فعلت كل من بريطانيا وإيطاليا واليابان وكوريا الجنوبية، ندّد الناطق باسم الحكومة الألمانية، شتيفن هيبسترايت، بالتدابير الأميركية الجديدة، إذ رأى أنّ «تكاليف الحرب التجارية لا يتحمّلها طرف واحد»، محذّراً من أنّ «تكلفتها قد تصبح باهظة على الجانبين».
واكتفت الرئيسة السويسرية، كارين كيلر-سوتر، من جهتها، بانتقاد مبطّن للسياسة التجارية الجديدة للولايات المتحدة من خلال الدعوة إلى «احترام القانون الدولي والتجارة الحرة». أمّا إيرلندا، فقد أعربت عن قلقها البالغ من تداعيات هذه الخطوة على خططها الاجتماعية والاقتصادية، وسط توقّعات بخسارة نحو 80 ألف وظيفة، بخاصة على مستوى الشركات المتعدّدة الجنسيات العاملة على أراضيها.
تدابير ترامب تُهدّد بحدوث ارتفاع حادّ في الأسعار وتباطؤ اقتصادي داخل الولايات المتحدة
وحملت مواقف حلفاء آخرين للولايات المتحدة، كأستراليا وكندا، نبرة أكثر حدّة، إذ وصفت الأولى على لسان رئيس وزرائها أنتوني ألبانيز، التعرِفات بأنها «ستؤذي أميركا أكثر ممّا ستفيدها»، مؤكّدة استعدادها لمراجعة العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة إذا استمرّت السياسات الحمائية، فيما تعهّدت الثانية، على لسان رئيس الحكومة مارك كارني، بالردّ على رسوم ترامب على صادراتها، ولا سيما في مجال الصلب والألمينيوم والسيارات، معتبرة أن تلك الرسوم «ستغيّر جذرياً» التجارة الدولية، و»ستؤثّر مباشرة على ملايين الكنديين».
والنبرة نفسها، نضحت بها مواقف كل من الصين والبرازيل، حيث تعهّدت حكومة الرئيس اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بـ»تقييم كل الإجراءات الممكنة لضمان المعاملة بالمثل في التجارة الثنائية، بما في ذلك اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية»، في وقت قالت فيه بكين إنها «تعارض بشدة» الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على صادراتها، معتبرة أنها «لا تتوافق مع قواعد التجارة الدولية وتضرّ بشكل خطير بحقوق الأطراف المعنيين وبمصالحهم المشروعة»، ومتعهدةً باتخاذ «تدابير مضادّة لحماية حقوقها ومصالحها».
ومع تبلور المواقف الدولية المعارضة للخطوة الأميركية، بدت لافتةً مطالبة وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، دول العالم بـ»تحمّل الضربة»، وتوجّهه إليها بالقول: «استرخوا، وانتظروا لمشاهدة كيف سيتطوّر الوضع، لأنه إذا رددتم سيكون هناك تصعيد».
تداعيات محلية ودولية
وبالحديث عن الانعكاسات المحتملة للرسوم الجمركية الجديدة المعلنة من جانب ترامب، حذّرت أوساط اقتصادية من إمكانية دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود، والإضرار بتحالفات تجارية واقتصادية قائمة منذ عقود، في إشارة إلى اتفاقيات التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وعدد من شركائها التجاريين. ورأت «غرفة التجارة الأميركية» أن هذه الخطوة تمثّل «ضريبة واسعة على المستهلكين»، منبّهةً إلى أن تدابير ترامب تُهدد بحدوث ارتفاع حادّ في الأسعار وتباطؤ اقتصادي داخل الولايات المتحدة. وفي الإطار نفسه، تحدّث محلّلون في «غولدمان ساكس» عن مجموعة من المخاطر الاقتصادية المرتبطة بتلك الرسوم، معتبرين أنه ستكون لسياسة ترامب التجارية آثار سلبية على أكثر من صعيد، وتحديداً لناحية ارتفاع مستويات التضخم، ومعدل الضرائب على الاستهلاك، فضلاً عن تضاؤل القدرة الشرائية.
وعكس هبوط قيمة الدولار بنسبة 1% أمام اليورو، في موازاة تراجع العقود الآجلة لمؤشر «ستاندرد آند بورز» بنسبة 5%، إضافة إلى هبوط مؤشر «ناسداك» بنسبة 5% في سوق الأوراق المالية، إشارات تشاؤمية ليس على مستوى مستقبل اقتصاد الولايات المتحدة فحسب، بل على مستوى الاقتصاد العالمي ككل، في ضوء ارتفاع قيمة الواردات الأميركية المقدّرة بنحو 3.3 تريليون دولار، وفق أرقام عام 2024. وإزاء ذلك، يلفت متابعون للشأن الأميركي، إلى أن خطوة ترامب قد تُحفّز سلسلة من الحروب التجارية، بعدما توعّدت الدول المتضرّرة بفرض تعرفات مضادّة على الصادرات الأميركية، الأمر الذي قد يؤثّر على سلاسل الإمداد العالمية وأسعار المواد الأساسية، ويفضي إلى اتّساع فجوة الثقة بين واشنطن وشركائها الاستراتيجيين.