استرضاء «ترامبي» متواصل لبوتين: الموقف الأوروبي يزداد حراجة

تكشف التحليلات وعناوين الصحف الروسية، خلال الأيام الماضية، أنّ «الانفراجات» الأخيرة في العلاقات الأميركية - الروسية، تقترن بتوترات متزايدة بين موسكو والعواصم الأوروبية، والتي أصبحت تصفها الأولى بأنّها «العقبة الأساسية أمام أي حل في أوكرانيا»، ولا سيما وسط

ريم هاني
ريم هاني
الثلاثاء 18 آذار 2025
أكّد الكرملين، أمس، أنّ مكالمة هاتفية من المتوقّع أن تجري، اليوم، بين ترامب وبوتين (أ ف ب)
أكّد الكرملين، أمس، أنّ مكالمة هاتفية من المتوقّع أن تجري، اليوم، بين ترامب وبوتين (أ ف ب)
الخط

تكشف التحليلات وعناوين الصحف الروسية، خلال الأيام الماضية، أنّ «الانفراجات» الأخيرة في العلاقات الأميركية - الروسية، تقترن بتوترات متزايدة بين موسكو والعواصم الأوروبية، والتي أصبحت تصفها الأولى بأنّها «العقبة الأساسية أمام أي حل في أوكرانيا»، ولا سيما وسط استمرار المساعي لـ«حشد» قوة عسكرية أوروبية، بهدف نشرها في أوكرانيا، وهو ما تعارضه روسيا جملة وتفصيلاً. ويأتي ذلك في وقت تزداد فيه الدعوات الموجّهة إلى «القارة العجوز» لإيجاد آليات لـ«انتزاع» تنازلات من موسكو في أي صفقة مستقبلية، من المرجّح، إلى حدّ كبير، أن تكون في مصلحة الأخيرة.

وينسحب موقف روسيا، على ما يبدو، على بعض الدول الأوروبية أيضاً، وعلى رأسها المجر، التي أعلن وزير خارجيتها، بيتر زيجارتو، أثناء توجهه إلى العاصمة البلجيكية بروكسل، لحضور اجتماع لرؤساء وزراء خارجية «الاتحاد الأوروبي»، أن بلاده ستعارض تمديد الدعم العسكري لأوكرانيا على حساب دافعي الضرائب الأوروبيين، مشيراً إلى أنّه «ستكون هناك عدة مقترحات على جدول أعمال الاجتماع لتزويد أوكرانيا بمليارات اليوروهات أو الإمدادات العسكرية من أموال دافعي الضرائب، ونحن ذاهبون إلى بروكسل لرفض تلك الطروحات التي تهدف إلى دعم استمرار العمل العسكري وتساهم في فشل محادثات السلام». وأردف الوزير أنّ «بروكسل أصبحت، الآن، في عزلة دولية، لأن السياسيين الأوروبيين الليبراليين الذين يدعون إلى القتال، يحاولون باستمرار منع نجاح محادثات السلام».

وعلى وقع استمرار تبادل الهجمات بين كييف وموسكو، أكّد الكرملين، أمس، أنّ مكالمة هاتفية من المتوقّع أن تجري بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، اليوم، بعدما كان ترامب أول من تحدّث عن الاتصال، من على متن طائرته الرئاسية الإثنين، علماً أنّ آخر اتصال بين الرئيسين كان في الـ12 من شباط الماضي. وفي مؤشر إضافي إلى تمسك واشنطن بتجنيب تحميل موسكو أي مسؤولية حول الحرب الأوكرانية، أفادت صحيفة «نيويورك تايمز» بأنّ وزارة العدل الأميركية أبلغت مسؤولين أوروبيين، في رسالة، بانسحاب الولايات المتحدة من مجموعة متعددة الجنسيات، أُنشئت بهدف التحقيق مع «القادة المسؤولين عن غزو أوكرانيا»، بمن فيهم بوتين.

انسحبت واشنطن من مجموعة تهدف إلى التحقيق مع «المسؤولين عن غزو أوكرانيا»

وكان الرئيس السابق، جو بايدن، قد انضم إلى المجموعة المعروفة باسم «المركز الدولي لمقاضاة جرائم العدوان ضد أوكرانيا»، عام 2024، فيما أصبح من المتوقّع، حالياً، أن تنتهي عضوية واشنطن فيها بحلول شهر آذار كحدّ أقصى. وطبقاً للصحيفة الأميركية، فإنّ المسعى الأميركي المشار إليه لـ«تحصين» بوتين ليس الأول من نوعه، إذ تعمل إدارة ترامب، كذلك، على الحد من عمل «فريق المساءلة حول جرائم الحرب»، التابع للخارجية الأميركية، والذي أنشأه، عام 2022، المدّعي العام ميريك غارلاند.

وفي خضمّ ذلك، بدأت الدول الأوروبية «تسخير» مواردها لملء الفراغ الذي يحدثه انكفاء واشنطن ورفضها تقديم أي التزامات أمنية لكييف، وشركائها الأوروبيين بشكل عام، فيما «يحرّض» العديد من المحللين القارة الأوروبية على ضرورة تعويض النقص الأميركي، في حال أرادت أن «تنجو بنفسها»، وألّا ترضخ لشروط موسكو «الصارمة». وفي هذا السياق، يرد في تقرير نشرته «فورين بوليسي» أنّه «فيما يعدّ الدعم الأميركي أساسياً لصمود أوكرانيا على المدى الطويل، إلا أنّه لا يجب أن يقلّل كييف وشركاؤها الأوروبيون من قدراتهم المستقلة، ويرضخوا (بسرعة كبيرة) للمطالب الروسية خلال المفاوضات».

ويرى أصحاب الرأي المتقدم، أنّ «كل المؤشرات تؤكد أنّ أوروبا تعتزم تلبية متطلبات الدفاع الخاصة بها، وأنها قادرة على ذلك»، على الرغم من أنّ قيمة المساعدات المالية القياسية التي أرسلتها واشنطن لإبقاء أوكرانيا مزوّدة بالذخيرة والصواريخ والطائرات المُسيّرة، بلغت ما بين 300 مليون دولار و400 مليون دولار كل أسبوعين. وطبقاً للتقرير، فإنّ القارة «لا تزال تمتلك وسائل مالية ومشتريات ومنتجات صناعية إضافية، يمكن أن تسدّ الفجوات المستقبلية المحتملة في دفاعات كييف»، فضلاً عن أنّها تمتلك القدرة على «شراء ذخائر ومكوّنات لأوكرانيا في أسواق الأسلحة الدولية، على غرار ما فعلت الولايات المتحدة على مدى السنوات الثلاث الماضية».

«التنازلات»

على أنّ ما تقدّم لا يثني العديد من المحللين الغربيين عن تبني نظرة «تشاؤمية» إزاء نهاية الحرب المحتملة، تكون كييف، بموجبها، مضطرة إلى تقديم تنازلات ترضي موسكو. ويشير موقع «ذا كونفرسيشن» الأسترالي، في تقرير أخيراً، إلى أنّه فيما يؤكد مسؤولون روس أنّهم ينتظرون المزيد من التفاصيل لإعلان موقفهم النهائي من مقترح وقف إطلاق النار الأميركي، فمن «غير المرجّح أن توافق روسيا على أي وقف لإطلاق النار من دون وجود شروط ملموسة على الطاولة تصبّ في صالحها».

أمّا السبب الرئيسي لذلك، فهو أنّ «قلة من المحللين يجادلون اليوم بأن أوكرانيا تكسب الحرب»، نظراً إلى أنّ روسيا تمتلك اليد العليا عسكرياً، بغضّ النظر عن غياب أي «تحولات دراماتيكية» في ساحة المعركة، إلا في ما يتعلق بمنطقة كورسك، حيث أصبح الانهيار الأوكراني وشيكاً.

ويضاف إلى ما تقدّم، أنّ إرادة مواصلة الحرب، في أوساط داعمي أوكرانيا الغربيين، تتراجع باستمرار، وسط انشغال المحللين الغربيين بالحديث عن «المرونة الأوكرانية في الحرب»، فيما لم يُكتب، في المقابل، «سوى القليل عن المرونة الروسية، سواء في ساحة المعركة، أو في المجتمع الروسي بصورة أعم»، طبقاً للتقرير، الذي يتابع أنّه «منذ وقت مبكر نسبياً من الحرب، أشارت بيانات استطلاعات الرأي الروسية إلى أن الرئيس فلاديمير بوتين يحصل على دعم من غالبية واضحة من السكان الروس»، وهو ما يرجع، حتماً، إلى أنّه «تمّ تجنيب الكثيرين منهم مشقة تحمّل التكاليف الاقتصادية والبشرية الكاملة للحرب».

وعلى ضوء ما تقدّم، يرى أصحاب هذا الرأي أنّ الصفقة النهائية التي قد يتبناها الطرفان، في نهاية المطاف، ستشمل، على الأرجح، الاعتراف بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا، بالإضافة إلى القبول بـ«مستوى معين من السيطرة الروسية على جزء كبير من دونباس»، وغير ذلك من التنازلات الأوكرانية.