ترامب ماضٍ في هدْم «الوضع القائم»: ديكتاتورية مقنّعة في الأفق

بدا ترامب متمسكاً باستكمال سياسة الرسوم الجمركية التي تستهدف خصومه وحلفاءه على حدّ سواء (أ ف ب)
بدا ترامب متمسكاً باستكمال سياسة الرسوم الجمركية التي تستهدف خصومه وحلفاءه على حدّ سواء (أ ف ب)


في خطابه أمام الكونغرس الثلاثاء، والذي تزامن مع «تسونامي» عمليات الطرد التي تقوم بها إدارته في مختلف مفاصل الدولة، تباهى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بـ«عودة حرية الخطاب»، وبـ«الإنجازات» التي تمهد لدخول الولايات المتحدة «في أعظم وأنجح حقبة في تاريخها» على حدّ تعبيره، مشيراً إلى أنّ «إدارته أنجزت في 43 يوماً أكثر مما أنجزته معظم الإدارات في أربع أو ثماني سنوات». وتأتي تصريحات ترامب في وقت يحذر فيه مراقبون من أنّ سياساته تستوفي كل الشروط لإرساء «حكم ديكتاتوري» في البلاد، لا سيما بعدما تلقى عشرات الآلاف من الموظفين الحكوميين رسائل عبر البريد الإلكتروني أو اتصالات هاتفية، تبلغهم بإنهاء خدماتهم «بشكل فوري»، فيما تعرضت الجهات المعنية باستقبال «شكاواهم»، لهجمة شرسة في الوقت نفسه.

وبالعودة إلى تصريحات ترامب، فقد أكد الأخير أنّه وقّع، على مدى الأسابيع الستة الماضية، «ما يقرب من 100 أمر تنفيذي واتخذت أكثر من 400 إجراء تنفيذي»، في رقم قياسي يهدف إلى استعادة «الأمان والتفاؤل والثروة في جميع أنحاء أرضنا الرائعة». وفي إشارة إلى القرارات التي اتخذها حول الهجرة غير الشرعية، لفت الرئيس الأميركي إلى أنّ معدلات تلك الهجرة أصبحت «في أدنى مستوياتها على الإطلاق»، بعدما كانت قد وصلت في عهد جو بايدن، الذي وصفه بـ«أسوأ رئيس في تاريخ أميركا»، إلى مئات الآلاف من حالات العبور «شهرياً»، والتي قام بها «القتلة وتجار المخدرات والأعضاء والعصابات والخارجين من المصحات العقلية».

كما اتهم الرئيس الجمهوري أعضاء الكونغرس الديموقراطيين بأنهم «لن يهتفوا للإنجازات مهما كانت مهمة»، مذكراً بأنّه أنهى «عملية الاحتيال الخضراء الجديدة السخيفة»، عبر الانسحاب «من اتفاقية باريس للمناخ غير العادلة»، جنباً إلى جنب الانسحاب من «منظمة الصحة العالمية الفاسدة»، «ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة». وذكّر ترامب بهجومه الأخير على ملف «المثلية الجنسية»، مشيراً إلى أنّه قضى على «سموم النظرية العرقية في المدارس العامة»، ووقع على أمر يجعل الاعتراف الرسمي للحكومة محصوراً بجنسين فقط، وآخر يمنع الرجال من ممارسة الرياضة النسائية.

إلى ذلك، استعرض ترامب عدداً من مشاريعه «المستقبلية»، مشيراً إلى أنّ إدارته تعمل على خط أنابيب عملاق للغاز الطبيعي في ألاسكا، سيكون «من بين الأكبر في العالم»، فيما تريد اليابان وكوريا الجنوبية ودول أخرى «أن تكون شريكنا باستثمارات تبلغ تريليونات الدولارات لكل منها»، لافتاً إلى أنّه سيتخذ، كذلك، على مدار الأسبوع الجاري، «إجراءات تاريخية لتوسيع إنتاج المعادن الحيوية والأتربة النادرة بشكل كبير في الولايات المتحدة».

واتهم ترامب «وزارة الصحة والخدمات الإنسانية» الأميركية بإنفاق 22 مليار دولار لتوفير المساكن والسيارات المجانية لـ«الأجانب غير الشرعيين»، و45 مليون دولار لدعم «التنوع والعدالة والشمول» في بورما، و40 مليون دولار لتعزيز «الدمج الاجتماعي والاقتصادي للمهاجرين المستقرين»، جنباً إلى جنب 8 ملايين دولار لـ«الترويج للمثليين» في دولة ليسوتو الأفريقية «والتي لم يسمع بها أحد من قبل».

ومتطرقاً إلى قضايا الشرق الأوسط، تعهد ساكن البيت الأبيض بإعادة جميع «الرهائن» من غزة، مجدداً نيته البناء على «اتفاقيات أبراهام»، والتي بدأها في ولايته الأولى، لخلق مستقبل «أكثر سلاماً وازدهاراً للمنطقة بأكملها»، وواصفاً الشرق الأوسط بـ«الحي الصعب جداً»، بسبب «الأشياء الكثيرة التي تحدث هناك». وحول الملف الروسي – الأوكراني، جدد الرئيس الأميركي تمسكه بإنهاء «الصراع الوحشي» والذي «لا أفق له»، ويقتل فيه «الملايين من الأوكرانيين والروس بلا داعٍ».

التعريفات الجمركية

من جهة أخرى، بدا ترامب متمسكاً باستكمال سياسة الرسوم الجمركية التي تستهدف خصومه وحلفاءه على حدّ سواء، مؤكداً أنّ «دولاً أخرى استخدمت التعريفات الجمركية ضدنا لعقود، والآن حان دورنا لبدء استخدامها ضد تلك البلدان الأخرى»، بما فيها الاتحاد الأوروبي والصين والبرازيل والهند والمكسيك وكندا، وعدد لا يحصى من الدول الأخرى، التي «تفرض علينا رسوماً جمركية أعلى بكثير مما نفرضه عليها».

وصف ترامب في خطابه الشرق الأوسط بـ«الحي الصعب جداً»

وأردف ترامب: «الهند تفرض علينا تعريفات على السيارات أعلى من 100 في المئة»، فيما متوسط التعرفة الجمركية الصينية على منتجاتنا هو ضعف ما نفرضه على بكين، ومتوسط التعرفة الجمركية في كوريا الجنوبية أعلى بأربع مرات». وأعرب ترامب، كذلك، عن نيته استقطاب المصانع من الصين إلى الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنّه "«بالأمس فقط، أعلنت شركة تايوان لأشباه الموصلات، وهي الأكبر والأقوى في العالم، وتستحوذ على ما نسبته 97% من السوق، عن استثمار 165 مليار دولار لبناء أقوى الرقائق على وجه الأرض، هنا في الولايات المتحدة».

الديكتاتورية

وإذ زعم ترامب، في حديثه أمام الكونغرس، أنّه «أوقف الرقابة الحكومية بشكل كامل، وأعاد حرية التعبير في البلاد»، فقد اعتبرت وسائل إعلام محلية أنّ الرئيس الأميركي يحاول بناء نموذج حكم ديكتاتوري، لا سيما عبر عملية الإقالات غير المسبوقة التي بدأها منذ الأيام الأولى في ولايته، ويصر على استكمالها. وفي هذا السياق، يرد في تقرير نشرته صحيفة «ذا هِل» الأميركية أنّه بعدما طاولت عمليات الإقالة للموظفين الفيدراليين، في عهد ترامب، كل مستويات الحكومة، فإنّ النقاد يجادلون بأنّ اختياره للأفراد الذين تُفسخ عقودهم ليس «اعتباطياً»، بل إن ترامب استهدف سلسلة من المسؤولين الذين كانوا من المفترض أن «يشرفوا على تصرفاته».

ووصف أصحاب الرأي المتقدم الإجراءات الأخيرة بأنّها «انتقام من الوكالات والمؤسسات التي كان الرئيس على خلاف معها»، بما في ذلك القادة الديموقراطيون في مجالس الإدارة المصممة للتعامل مع شكاوى الموظفين أو حماية مصالح المستهلك، بينما تكفل إيلون ماسك، عبر «وزارة الكفاءة الحكومية»(DOGE)، بتقليص الحكومة بأكملها عبر تخفيضات واسعة في القوى العاملة. وبصورة أعم، يحاول ترامب «خنق خصومه وملاحقة البيروقراطيين الذين دائماً ما هاجمهم باعتبارهم يشكلون (الدولة العميقة)».

وتنقل الصحيفة الأميركية عن نورم آيزن، الذي تقدمت مجموعته المعروفة باسم «المدافعون عن الديموقراطية»، بمجموعة من الشكوات نيابة عن الموظفين المفصولين، قوله إنّ «ما نراه هو جهد من قبل دونالد ترامب وإيلون ماسك ووزارة (الكفاءة الحكومية) ورفاقهم لتطهير من يعتبرونهم، من وجهة نظر خطأ، خصومهم من الموظفين الفيدراليين، من الجذور وحتى قمة الهرم»، واصفاً التطورات الأخيرة بأنّها أكثر المراحل تقدماً في عملية «الاستيلاء الاستبدادي».

واللافت أنه في الشهر الماضي، انتقل ماسك من مرحلة «إثارة الجدل» إلى «إثارة السخط الشعبي»؛ إذ جهّز مدعون عامون من 14 ولاية أميركية دعوى قضائية تشكك في «السلطة القانونية التي من دون حدود»، والتي منحها ترامب لماسك من دون تفويض الكونغرس، ما يخلق احتمالية أن ينتهك الأخير قوانين حماية الخدمة المدنية، وفقاً لما أفادت به، آنذاك، صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.

ومن جهتها، لفتت صحيفة «يو إس إيه توداي» إلى أنّه رغم أنّ الأسابيع الأولى لحملة ترامب ركزت على إعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية، إلا أنّه بالكاد جاء على ذكرها في خطابه أمام الكونغرس، مكتفياً بالقول إنّه «أمر جميع العمال الفيدراليين بالعودة إلى المكتب»، مهدداً بأنه إما سيظهرون للعمل «حضورياً، أو سيتم عزلهم من وظيفتهم».

والجدير ذكره، أنّه فيما لم يقدم البيت الأبيض تفاصيل حول عدد الموظفين الفيدراليين الذين تم تسريحهم، إلا أنّ العدد المشار إليه يقدر بعشرات الآلاف في جميع أنحاء البلاد، ويشمل الوكالات الفيديرالية التي «تحظى باحترام على نطاق واسع»، طبقاً لوسائل إعلام محلية، بما في ذلك «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» والأمن الداخلي، بالإضافة إلى تلك الأقل شهرة، والتي تؤدي «أدواراً حاسمة» في أمن البلاد، من مثل «الإدارة الوطنية للأمن النووي»(NNSA).

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي