ترامب أيضاً مشغول بالشراكة الصينية - الروسية: فلْنغادر حقبة «المغامرات الفاشلة»

يجادل البعض بأنّ ممارسات ترامب هي مجرد «استفاقة» متأخرة إلى «الأخطاء» التي ارتكبتها واشنطن على الساحة العالمية (أ ف ب)
يجادل البعض بأنّ ممارسات ترامب هي مجرد «استفاقة» متأخرة إلى «الأخطاء» التي ارتكبتها واشنطن على الساحة العالمية (أ ف ب)

لم يعد الحديث عن وجود «نوايا» أميركية لإحداث شرخ في العلاقات الروسية - الصينية يقتصر على بعض التكهنات التي كانت قد بدأت بالظهور إلى العلن، في أعقاب الحراك الدبلوماسي الذي قادته الولايات المتحدة تجاه روسيا في الأسابيع الماضية؛ إذ أفادت وكالة «بلومبرغ»، أخيراً، بأنّ وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، كشف، نهاية الشهر الماضي، عن ملامح استراتيجية أميركية لـ«إدارة العلاقة الوثيقة بين روسيا والصين»، مشيراً إلى أنّ «واشنطن تريد إضعاف تلك العلاقة، إنما من دون زرع الانقسام بين الجارتين المسلحتين نووياً».

وتستند الوكالة إلى تصريحات كان قد أدلى بها روبيو إلى وسائل إعلام محلية، قال فيها إنّه «لا يعلم ما إذا كنا سننجح تماماً في إبعادهم عن العلاقة مع الصينيين»، في إشارة إلى روسيا، متابعاً: «لا أعتقد أيضاً بأن وجود الصين وروسيا في حالة مواجهة مفيد للاستقرار العالمي، لأنهما قوتان نوويتان». ولم يخفِ روبيو التخوف الأميركي من اعتماد كل من الصين وروسيا، إحداهما على الأخرى بشكل متزايد، محذّراً من أنّ «توثيق العلاقات بينهما سيمثّل مشكلة للولايات المتحدة»، ولا سيما في حال أصبحت موسكو «الشريك الأصغر الدائم» لبكين، ما سيجمع قوتين نوويتين ضد واشنطن.

وسرعان ما جاء الرد الصيني على تصريحات روبيو، على لسان المتحدث باسم الخارجية الصينية، لين جيان، الذي أكّد، الأسبوع الماضي، أنّ العلاقة بين بكين وموسكو «لن تتأثر بأي طرف ثالث»، معتبراً، خلال مؤتمر صحافي في بكين، أنّ «محاولة الولايات المتحدة بث الفتنة بين الصين وروسيا محكوم عليها بالفشل». وأشار المسؤول الصيني إلى أنّ لدى كل من الصين وروسيا استراتيجيات إنمائية طويلة الأجل وسياسات خارجية مشتركة، «وبغضّ النظر عن كيفية تغير المشهد الدولي، يجب أن تمضي علاقتنا قدماً بوتيرتها الحالية».

بين الطموح والواقع

على أنّه بغضّ النظر عن النوايا الخفية والمعلنة للإدارة الأميركية الحالية، فإنّ العديد من المراقبين يجادلون بأنّ الهدف المتمثل بإبعاد بكين عن موسكو أصبح بعيد المنال، فيما يذهب البعض الآخر إلى الاعتقاد بأنّ الفريق الذي يقود الولايات المتحدة حالياً قد سئم، فعلياً، من الانغماس في «مغامرات» خارجية تضر بالبلاد، ما جعله «يسلّم جدلاً» بوجود عالم متعدد الأقطاب، سيكون من الأفضل فيه لواشنطن الانكفاء إلى الداخل.

وفي هذا السياق، يرد في تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي»، أنّ «تقويض» الصين شكّل أحد الموضوعات الثابتة في سياسة جعل «أميركا عظيمة مرة أخرى»، منذ أن أطلق ترامب تلك السياسة عام 2015، ما جعل البعض يعتقد بأنّ تخفيف التوترات مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يهدف إلى «تقييد» الصين. بيد أنّه طبقاً للمصدر نفسه، فإنّ المنطق المشار إليه تشوبه «الكثير من العيوب»، نظراً إلى أنّ «استراتيجية نيكسون» جاءت في وقت كانت فيه بكين وموسكو بمثابة «أعداء بالفعل»، وتتقاتلان على جزيرة متنازع عليها على «نهر أوسوري»، ما وضعهما على «شفا حرب شاملة». أمّا اليوم، وعلى النقيض من ذلك، فأصبحت روسيا والصين حليفتين أكثر من أي وقت مضى.

يرى البعض أنّ حرب أوكرانيا هي رمز «فشل النظام الدولي الليبرالي»

وفي الواقع، تعتمد روسيا، بشكل كبير، على الصين في كل المجالات المهمة تقريباً؛ إذ إن الأخيرة تُعدّ أكبر زبون للفحم والنفط الخام الروسييْن، فيما يشترك البلدان في حدود تمّ التوصل إلى تفاهمات حولها من خلال سلسلة معقّدة من المفاوضات في الثمانينيات والتسعينيات، ولن ترغب، بالتالي، أيّ منهما في تغيير الوضع الراهن. وبحسب المجلة الأميركية، تقدّم بكين للروس أيضاً دعماً عسكرياً وتكنولوجياً حيوياً؛ إذ يشير أحد التقديرات إلى أنّ الصين هي مصدر ما يقرب من 90% من رقائق الكمبيوتر المستخدمة حالياً في الصناعة الروسية.

كذلك، طوّرت موسكو وبكين مصالح متداخلة في مجموعة متنوعة من المجالات الدبلوماسية والسياسية، مدفوعتين بـ«رغبتهما الراسخة» في معارضة واشنطن حيثما أمكنهما. كما يتبنى الطرفان «السردية نفسها» تقريباً حول قضايا عدة في جميع أنحاء العالم. وفي هذا الإطار، يُسجل أن بكين وموسكو «لا تزالان تحرّضان على الغرب باستخدام منتديات مشتركة مثل (بريكس) و(منظمة شنغهاي للتعاون)»، جنباً إلى جنب إجراء مناورات عسكرية مشتركة، تركّز، بشكل لافت، على منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ناهيك عن تبادل «التكنولوجيات العسكرية»، في إطار ما وصفه الرئيس الصيني، عام 2022، بـ«العلاقة بلا حدود».

وفي المقابل، يجادل البعض بأنّ ممارسات ترامب هي مجرد «استفاقة» متأخرة إلى «الأخطاء» التي ارتكبتها واشنطن على الساحة العالمية. ويشير تقرير نشرته مجلة «ذا كونفرسيشن» الأسترالية، إلى أنّه بالنسبة إلى ترامب، لا تبدو المسألة مرتبطة بأوكرانيا أو أوروبا، بل بإعادة «ترتيب النظام الدولي» بطريقة تناسب وجهة نظره حول «عالم القرن التاسع عشر»، والذي تعيش فيه الولايات المتحدة «في عزلة ممتازة»، ومن دون أي منافس فعلي تقريباً في النصف الغربي من الكرة الأرضية. وطبقاً للرؤية المشار إليها، فإنّ أوكرانيا «تجسّد أخطاء النظام القديم»؛ إذ يرى ترامب أن الولايات المتحدة قد أشركت نفسها في العديد من «المغامرات الخارجية المختلفة»، حتى عندما لم تكن مصالحها الحيوية «على المحك»، معيداً إلى الأذهان استراتيجية السياسي الأميركي، هنري كابوت، الشهيرة، بعد الحرب العالمية الأولى.

وتردف المجلة أنّه من الواضح أنّ حرب أوكرانيا هي رمز «فشل النظام الدولي الليبرالي»، إلا أنّها «ليست السبب الوحيد خلفه». ومع ذلك، فقد أصبحت بمثابة «أداة في يد ترامب وبوتين لتوجيه ضربة قاضية له»، فيما تبقى المهمة الأصعب، طبقاً للرأي المتقدّم، هي «إنشاء نظام جديد بديل». ولا يستبعد معدّو التقرير إمكانية أن يمضي ترامب قدماً في عقد صفقة مع الرئيس الصيني أيضاً، حول قضايا من مثل المطالبات الإقليمية الصينية في بحر الصين الجنوبي، لافتين إلى أنّ مثل تلك الخطوات لن تضر بالعلاقات الصينية - الروسية، بل قد تتيح، في المقابل، لكل من بكين وموسكو تعزيز اتفاقيتهما المتمثّلة في «شراكة من دون حدود»، في خضمّ غياب «أي ثقل مواز تقوده واشنطن» على الساحة العالمية.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي