محمود محمد طه: سيرة مفكر مستنير

محمود محمد طه: سيرة مفكر مستنير


كتاب جديد صدر في تونس يرصد سيرة المفكر السوداني محمد محمود طه (1985ــــ 1909) الذي نُفِّذ حكم الإعدام فيه بعد اتهامه بالردّة. مثّل إعدام المفكر المستنير في عهد حكم جعفر النميري في السودان، جريمةً واستهدافاً للفكر الحرّ، ولمفكّر دعا إلى «إصلاح الإسلام» وفقاً لعبارة المفكّر التونسي العفيف الأخضر.
صدر كتاب «محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام» بالتزامن بين تونس (دار محمد علي الحامي العربية) وبيروت (دار الانتشار العربي) بقلم الباحث السوداني عبدالله الفكي البشير المتخصّص في دراسات المفكّر الراحل. يتوقف المؤلّف في هذا العمل، عند أبرز الأفكار والمحطات الفكرية والسياسية لمحمود طه بدءاً من تأسيسه لـ «الحزب الجمهوري» ولجريدة «الجمهورية» التي رفعت شعار «الحرية لنا ولسوانا». شعار أعلنه طه في دستور «الحزب الجمهوري» في تشرين الثاني (نوفمبر) 1951. وقد أَسّس جريدة «الجمهورية» لتكون لسان الحزب التي تحمل رسالته في الدفاع عن الحرية.

يقول الفكي عن دوافع تأليف هذا الكتاب: «يسلّط الكتاب الضوء على السيرة الفكرية لمحمود محمد طه، الذي طرح فهماً جديداً للإسلام عام 1951 وأخذ يفصّل فيه ويدعو إليه بالأدوات العلمية. قدّم فكراً ناقداً للفهم السائد والمألوف للإسلام، وطرح فهماً إنسانياً بديلاً، قوامه الارتفاع من العقيدة إلى الفكر، إلى الفهم، الذي يخاطب العقول ويلبّي حاجة العصر، ومطالب الإنسان المعاصر، وتحدّيات البيئة الإنسانية الجديدة للدين، فواجه سجناء الماضي والقديم الذين شكّلوا ضدّه تحالفاً دينياً عريضاً».
انتهى هذا التحالف بتوجيه تهمة الردّة لطه وتنفيذ حكم الإعدام فيه في 18 كانون الثاني (يناير) عام 1985. وقد صدر هذا الكتاب في الذكرى الأربعين لإعدام هذا المفكّر المستنير الذي دفع ثمن أفكاره ودعوته إلى تحرير الإسلام من قراءات الفقهاء وجعله ديناً متناسقاً مع العقلانية.

ويغوص الكتاب في المناخ العام الفكري والسياسي الذي نشأ فيه طه منذ ولادته في عام 1909 في مدينة رفاعة على الشاطئ الشرقي للنيل الأزرق، وكان السودان وقتها خاضعاً للسلطة المزدوجة بين بريطانيا ومصر. ويرى الفكي أنّ إلغاء الخلافة العثمانية في عام 1924 فتح المجال لموجة من الأسئلة حول علاقة الدين بالدولة رفعها عدد من المفكرين المصلحين أمثال علي عبدالرزاق في كتابه «الإسلام وأصول الحكم: بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام» الذي أثار الكثير من الجدل بين النخب العربية آنذاك. جدل أسهم في بلورة وعي طه في ضرورة الفصل بين الدين والدولة، وهي الأرضية التي انطلق منها «الحزب الجمهوري» في 26 تشرين الأول (أكتوبر) 1925.

ورغم توجيه هذه التهمة الخطيرة، لم يتراجع طه عن نشر أفكاره في كتب ومحاضرات ومقالات، مؤمناً بمشروعه الفكري. كانت حصيلة منجزه 34 كتاباً و 225 مقالاً، فضلاً عن البيانات في «الحزب الجمهوري» وحوارات إذاعية وصحافية ورسائل توجه بها إلى حكّام مصر وقادة الطرق الصوفية والمهتمين بالشأن الديني وقادة منظمات وأشرف على 280 كتاباً صدرت باسم «الإخوان الجمهوريين».
لقد كان محمود محمد طه مؤمناً بمشروعه الفكري بتجديد الإسلام أو تقديم «فهم جديد» له كما سمّاه، فعاش محنة التكفير عقاباً له على التفكير. إنّها المحنة نفسها التي عاشها ابن رشد وطه حسين وعلي عبدالرزاق وأبوزيد وفرج فودة ونجيب محفوظ في مصر والطاهر الحداد في تونس وغيرهم من دعاة التنوير.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي