«نسمات أيلول»... هذا المسلسل فأين الكوميديا؟

في عام 2022، أثار مسلسل «كسر عضم» (كتابة علي صالح، وإخراج رشا شربتجي) جدلاً واسعاً بسبب اتهامات السيناريست الراحل فؤاد حميرة بسرقة فكرته من مسلسله «حياة مالحة» الذي اشترته شركة «كلاكيت» من شركة «بانة» بقصد إنتاجه تحت إدارة شربتجي. لكن العمل لم يبصر النور رغم البدء في تصويره مراراً من دون أن يتاح له الاستمرار، قبل أن ينام في أدراج الشركة السورية خلال العقد الماضي. حينها، حظي الكاتب الشاب بدعم نقدي في تجربته التلفزيونية الأولى. وبالفعل حقق المسلسل نجاحاً جماهيرياً واضحاً، ليفصح المنتج السوري إياد نجار بعدها أنّ شركته استفادت فعلاً من نص حميرة، بذريعة أنها تملك حقوق العمل ودفعت ثمنه!
لاحقاً، عاد الكاتب بالتعاون مع المخرجة نفسها ليقدّم «مربى العز» الذي لم يحقق نجاحاً يُذكر رغم عرضه على قناة MBC. واليوم، ها هو الثنائي يخوض السباق الرمضاني بـ «نسمات أيلول» (بطولة: صباح الجزائري، محمد حداقي، ندين تحسين بيك، روا عليو، مصطفى المصطفى، غزوان الصفدي، ومجموعة من الممثلين الشباب) الذي رُوّج له على أنّه مسلسل كوميدي يعكس بساطة الحياة في الريف السوري، ويبني عليها مادته الدرامية. لكن الحلقات الست الأولى، جاءت مخيبة، بعدما تبيّن أنّ العمل يفتقر إلى أي بنية حكائية متماسكة، بالإضافة إلى وقوعه في فخ غريب يتعلّق بمحاولة نقل الضحك بالعدوى من أبطال العمل إلى المشاهد!
هكذا، يجد المتابع نفسه أمام مجموعة من الشخصيات الهائمة على وجهها من دون أي فعل تراكمي، أو بناء منطقي للحدث، أو تعاقب مفيد. فكلّ ما تفعله هذه الشخصيات هو الثرثرة المجانية في ما بينها والضحك المتواصل بطريقة مستفزة جداً، لتنحدر في منطق الطرفة مع محاولة إعادة تدوير إيفيهات مواقع التواصل الاجتماعي. فإذا بتلك النكات تتحول إلى سماجة بذكورية مفرطة. هذا ما يحدث مثلاً، عندما تطلق ندين تحسين بيك العائدة من أستراليا بحثاً عن الميراث دعابة حول أنّ حيوانات الكنغر في أستراليا تستقدم نساء إلى الغابة! فيضحك جميع ركّاب الـ «ميكرو» (الباص الصغير) على سخافة النكتة الممجوجة التي ترد على لسان ممثلة سورية مكرّسة سبق أن برعت في محطّات مهنية كثيرة. لكن تحسين بك في هذا الدور تبدو في غاية الاستسهال، إذ لجأت إلى الحلول الجاهزة والمتداولة بطريقة نطق الإنكليزية باللهجة الأسترالية وإضافة بعض الكلمات الأجنبية على حواراتها.
الأمر نفسه ينسحب على الكوميديان محمد حداقي الذي يعيد تدوير فرضيات أدائية سبق أن قدّمها مراراً في مشواره، ولكنّها تأتي باهتة هذه المرّة لأنّه يتكئ على حوارات جوفاء لا تمت للكوميديا بصلة، وسط هرج درامي عبثي وعشوائي.
الغريب أنّ صنّاع العمل حاولوا تقديم صورة عن الريف السوري، ولكنّهم وقعوا في فخ التجميل غير الواقعي. فبدلاً من عكس معاناة القرى السورية من النسيان الخدمي والإهمال الحكومي والجوع والفقر والبطالة التي فاقمتها الحرب وتشكّل مواد دسمة يمكن البناء عليها لقطف كوميديا ذات دلالة، يغصّ «نسمات أيلول» بشخصيات تلبس الماركات، وترسم وشوماً وتبدو مسترخية للحد الأقصى لا تحمل أي عمق أو هم. أما كل ما تفعله، فهو الضحك! على عكس أعمال أمثال «ضيعة ضايعة» (تأليف ممدوح مادة، إخراج الليث حجو) التي استطاعت توظيف بساطة الريف بطريقة ذكية ومؤثرة.
حتى الآن يبدو «نسمات أيلول» مسلسل همه تمرير الوقت، من دون أن يحمل أي عمق وأن يشبه الكوميديا بشيء!