مراجعة «مناهج الأونروا» تحت تهديد التمويل
تحت ذريعة «الحياد»، ترضخ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لإملاءات المموّلين والجهات الدولية المانحة، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، لإجراء مراجعة كاملة للكتب المدرسية المعتمدة من الوكالة في جميع المراحل التعليمية


تحت ذريعة «الحياد»، ترضخ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لإملاءات المموّلين والجهات الدولية المانحة، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، لإجراء مراجعة كاملة للكتب المدرسية المعتمدة من الوكالة في جميع المراحل التعليمية، وفي كل أقاليم عملياتها، بما في ذلك لبنان، بهدف التأكد من خلو المناهج من «خطاب الكراهية» و«التحريض على العنف» و«معاداة السامية»، تحت طائلة وقف الدعم والتمويل، وعدم طباعة الكتب، وفصل من لا يلتزم بالتوجيهات.
واستضافت بيروت أخيراً، على مدى أسبوع، ورشاً تدريبية لخبراء في مركز التطوير التربوي - وحدة المناهج، في إطار مشروع سُمِّي «تحليل المناهج». وطلب وفد الرئاسة العامة للوكالة في عمّان من المشاركين التزام التكتم وعدم إطلاع أحد، بمن في ذلك المعلمون، على ما يجري.
وأوضح المدربون أن المانحين يفرضون على إدارة الوكالة الالتزام بمعايير الأمم المتحدة من وجهة نظر الكيان الإسرائيلي، وقد طلبوا مراجعة الكتب وتقديم تقرير بشأن «المعايير المنافية» في المناهج التعليمية، ليُصار إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة. ومن هذه المعايير: جدار الفصل العنصري، وحدود لبنان الجنوبية مع فلسطين، وكون القدس مدينة عربية أو عاصمة فلسطين، فضلاً عن الإشارة إلى مجزرتي قانا ودير ياسين.
وكان مكتب الوكالة في الأردن باشر إنجاز ما هو مطلوب منه، بينما ينتظر أن ينجز مكتب لبنان تقريره خلال شهرين من بدء الورشة التدريبية.
وأكّدت الوكالة في بيروت لـ«الأخبار» أنها تجري هذه المراجعة بالفعل، وأن المانحين قد يربطون قرارات تمويلها بالتقدم الذي تحرزه في تنفيذ التوصيات الواردة في تقرير لـ«مراجعة إطار حياد الأونروا» أجرته لجنة بتكليف من الأمين العام للأمم المتحدة، في 5 شباط 2024.
وبحسب الوكالة، تقترح إحدى التوصيات إجراء مراجعة كاملة لجميع الكتب المدرسية للأونروا في جميع المراحل التعليمية وفي كل أقاليم عملياتها، بما في ذلك لبنان. وتتضمن توصية أخرى، بشكل محدد، «حظر أي خطاب كراهية أو تحريض على العنف و/أو إشارات معادية للسامية من الكتب المدرسية في البلد المضيف والملاحق المُنتجة محلياً في مدارس الأونروا». وأشارت الوكالة إلى أن هذه المراجعة تُجرى حالياً في لبنان، تحت إشراف وتوجيه إدارة التعليم في رئاسة «الأونروا»، مع إطلاع جميع الجهات المانحة للوكالة بانتظام على التقدم المحرز في تنفيذ الإجراءات الموصى بها لتعزيز «إطار حياد الأونروا».
وأوضحت الوكالة أنها تستخدم الكتب المدرسية «بما يتماشى مع مناهج ومعايير الكتب المدرسية في الدولة المضيفة. ففي لبنان، تعتمد الأونروا الكتب المدرسية اللبنانية والكتب المصمّمة لضمان استيفاء اللاجئين الفلسطينيين الذين يدرسون في مدارس الوكالة للمتطلبات اللازمة للنجاح في الامتحانات الرسمية. وتخضع الكتب المدرسية باستمرار للمراجعة لضمان الجودة والملاءمة والكفاية والحياد».
وفي الواقع، جاءت أجوبة الوكالة مقتضبة على الأسئلة الكثيرة التي طرحتها «الأخبار»، ولا سيما حول دقة المعلومات المتداولة عن اشتراط الاتحاد الأوروبي تحليل المناهج كشرط لتمويل طباعة الكتب المدرسية، لكون هذا الشرط يثير تساؤلات بشأن وجود اتفاق مكتوب بينه وبين الأونروا، وما إذا كان هذا الشرط جديداً أم طُرح في عمليات تمويل سابقة.
وتناولت الأسئلة أيضاً الجهة المسؤولة عن تحليل المناهج، ومدى تدخل أطراف خارجية في هذه العملية، والمعايير التي سيتم اعتمادها، وما إذا كانت الأونروا قد وضعتها أم أنها مفروضة من الجهات المانحة، وهل ستشمل المراجعة جميع المناهج أم ستقتصر على موضوعات محددة، وخصوصاً تلك المرتبطة بالقضية الفلسطينية، وعن نية الأونروا الالتزام بهذه التعديلات أو الدفاع عن استقلالية مناهجها، وهل تلقّت الوكالة سابقاً طلبات لتغيير أو حذف مضامين تتعلق بفلسطين، وكيف يمكنها ضمان عدم فرض أجندات سياسية على المناهج التعليمية من خلال التمويل؟
وإذا كان التمويل مشروطاً بتعديلات تتعارض مع الهوية الوطنية الفلسطينية، فما البدائل المتاحة للأونروا؟ وهل ستتشاور مع وزارة التربية اللبنانية أو جهات فلسطينية أخرى؟ وكيف ستضمن الوكالة الشفافية في هذه العملية، وطمأنة الطلاب والأهالي، وإبلاغهم بأي تغييرات قد تطرأ على المناهج؟
ويبقى السؤال الكبير إلى أي مدى يمكن اعتبار مراجعة مناهج الأونروا خطوة نحو الحياد التعليمي، أم أنها في الواقع وسيلة لإعادة صياغة الوعي الفلسطيني بما يخدم أجندات المموّلين التي تخدم بالمباشر الكيان الإسرائيلي؟