دم السوريين على يدك يا فيصل القاسم

(نهاد علم الدين)
(نهاد علم الدين)


بعدما أضحت الإبادة مُتلفَزة تُنقل مباشرةً على الهواء بالصوت والصورة، وبحضور محلل جيوسياسي من شأنه الإسهاب في التعليق والتعقيب، استعاد الناشطون على السوشال ميديا أخيراً، حلقات من «الاتجاه المعاكس»، البرنامج الحواريّ التي تعرضه قناة «الجزيرة» من إعداد وتقديم المُجرم فيصل القاسم.

مع الأخير، باتت، أي الإبادة، برنامجاً يُعرض على التلفزيون، ويستقبل آراء الجمهور حول شكل الإبادة الذي يفضّله: الذبح مثلاً أو الخازوق؟ فـ«الاتجاه المعاكس» ذو تاريخ حافل بهدر (تحليل) الدماء العربية والانتشاء على مشاهد الجثث. صار التفريق بين الإسرائيلي وبين فيصل القاسم (ومن يمثل) فذلكة، أو براءة ساذجة يرفض صاحبها أن يماهي بين الاثنين لاعتبارات ربما تخصّ اللغة والأصل.

هكذا، استعاد الناشطون مقدمة إحدى حلقات برنامجه الإباديّ «الاتجاه المعاكس» التي عرضت في عام 2015. جاءت الحلقة كتعريب لبلاغة بنيامين نتنياهو العبرية، بل سبقتها! إذ تباهى القاسم قائلاً: «يجب محو الطائفة العلوية عن بكرة أبيها، هؤلاء الفاشيون الحاقدون القتلة». هكذا بات لمقولة «الفلسطينيون حيوانات بشرية؛ وسنقتلهم جميعهم» نسخة عربيةً أصليةً غير منقّحة.

الخازوق الذي اقترح الاستعانة به اعتاد العثمانيون استعماله في تعذيب السكان وقتلهم

هناك في السجون مَن هو مختص في تعذيب المساجين، يشغل هذه المهمة عادةً أطباء، لكن بالنسبةِ إلى الجولاني و«الهيئة»، يشغل فيصل القاسم «الإعلامي» منصب المجرم الذي يدعو إلى ارتكاب إبادة بحق العلويين مستعيناً بأكثر الأساليب توحشاً: «الخوزقة».

مع فيصل القاسم، لسنا إزاء مجرم يحثّ على ارتكاب الإبادة فقط، إنما أمام مجرم من الطراز الرفيع، أشبه بهاملر المشرف على سجون أوشفيتز، ففي الحلقة إياها، استدرج القاسم جمهوره لاقتراح أساليب إبادية قد تكون غائبة عن بال الجزارين. لقد انطلقت حلقته من «تصويتٍ» يزعم أنه أجراه وارتكز على السؤال الآتي: «هل تعتقد أن العلويين في سوريا جنوا على أنفسهم؟».

ولأن غالبية المصوّتين أجابوا بالإيجاب ما عدا ثلاثة في المئة من مجموع المصوتين، ما كان من القاسم إلا التصعيد، مدّعياً أنّ ما أراده «الجمهور» لهو أسئلة من قبيل: «هل يجب محو الطائفة العلوية عن بكرة أبيها، هؤلاء الفاشيون الحاقدون القتلة؟» أو «هل يجب تعريضهم للخوزقة؟». على هذا النحو، تغدو الإبادة ممارسةً ديموقراطيةً من جهةٍ، بخضوعها لتصويت الجمهور/ المشاهدين، وتصير ممأسسة من جهةٍ أخرى. ذاك أنّ المجرم، فيصل القاسم، يستخدم «الجمهور» كعبارة هلامية، فهو لا يقصد بها كتلةً شعبيةً أكثر مما هي خدعة يتلطى وراءها ليقول على لسان «جمهوره» ما يبتغي قوله بنفسه.

هناك فاجعة حصلت في الساحل السوري في الأيام الأخيرة وفيصل القاسم دأب على التمهيد لها على مدى أكثر من عقد عبر حلقاته التحريضية والفتنوية. مجازر بحقّ سوريين كان عدد منهم معارضاً لنظام «البعث»، وقد قتلوا جميعاً فقط لأنهم ينتمون إلى المذهب العلوي، لكن هذا بحدّ ذاته، يعد انتصاراً ثورياً عند القاسم وعند القناة «الثورية» التي يعمل فيها.

على أنّ الخازوق الذي اقترح فيصل القاسم الاستعانة به ليكون أشبه بالآلة الإبادية لعلويّي سوريا، ذو رمزية تاريخية، إذ اعتاد العثمانيون استعماله، في تعذيب السكان وقتلهم، خصوصاً أبناء الأقليات. الظاهر أنّ فيصل القاسم «الإعلامي» يعرف كيف يشكّل الخازوق وظيفةً سياسيةً في سياق «حكم» الأمير و...«الهيئة».

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي