الدراما الشامية... أنا الوالي

لن ينسى السوريون رمضان 2025 طوال حياتهم تماماً مثلما رسخ في ذاكرتهم تاريخ الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 2024 ليلة انزياح الحكم الذي جثم على صدورهم 54 عاماً. رمضان هذا العام سيكون ذا ميزة مختلفة لأنه أول موسم درامي من دون آل الأسد منذ انطلاق الدراما السورية وانتشارها.
اللافت بأنّنا أمام موسم قد يعتقده بعضهم «هجيناً» لأنّ مسلسلاته خضعت لرقابة أجهزة أمن النظام السابق، بينما يتاح لها العرض اليوم في زمن الحرية. لكنّ الحقيقة بأن غالبيتها لن تتأثر بذلك كونها لا تعارض النظام بجوهر قصصها ولا تؤيد الإدارة الجديدة ولا تتطرق إلى مواضيع تخصّ هذا التغيير التاريخي.
-
يحاكي «العهد» مرحلة ما قبل تحرر دمشق من الاحتلال العثماني
حالما انقشع غبار الليلة الطويلة التي رسخت في ذاكرة السوريين وهدأ صوت رصاص الاحتفال الذي عمّ أرجاء دمشق، قصد وفد من العاملين في الدراما السورية على رأسهم المخرجة رشا شربتجي مبنى «الإذاعة والتلفزيون» للقاء مستشاري وزارة الإعلام في الإدارة الجديدة. قال لها هؤلاء كلاماً واضحاً مفاده أنّ «ليس لديهم أدنى مشكلة مع الدراما السورية أو أحد نجومها، ويمكن للجميع استئناف التصوير».
وبالفعل، عادت غالبية المسلسلات إلى التصوير تحت حماية الأمن العام، فيما أُجِّل عمل واحد تقريباً هو «مطبخ المدينة» (كتابة علي وجيه وسيف حامد ـ إخراج رشا شربتجي إنتاج «بينتاليس»/ «سوريا الدولية» سابقاً). وانتهزت شركة «كلاكيت» (إياد نجار) الفرصة وعادت بمسلسلها «تحت الأرض ـــ موسم حار» (كتابة شادي دويعر وسلطان العودة ـ إخراج مضر إبراهيم) لتلقّف اللحظة وتسجيل موقف، كونها كانت محرومة من التصوير في الشام بسبب معارضة صاحبها للنظام السابق. واختار مسلسل «السبع» (ورشة كتابة ــ إخراج فادي سليم) لبنان كأرض بديلة كي يتمكن باسم ياخور من استكمال تصويره.
الغلّة... عشرة أعمال فقط
إذاً الموسم جاهز بحوالى عشرة أعمال غالبيتها من نوع الدراما الشامية التي صار وجوباً عليها عدم التعرّض للسلطنة العثمانية، فيما يحمل في جعبته مسلسلين كوميديين، وعملين بوليسيين مشوقين يلعب بطولة أحدهما تيم حسن. وكما هي الحال في كلّ عام، يحاول معظم المنتجين السوريين حجز مكان لأعمالهم على هواء الفضائيات العربية، فيخوضون نقاشات ويأخذون توصيات من أولياء الأمر في القنوات والمنصّات العربية، ثم يقررون شكل خريطتهم الرمضانية التي لا بد من أن تكون حصّة الأسد فيها لمصلحة الدراما الشامية! المادة المتّهمة بجرّ المجتمعات العربية إلى مستنقعات الذكورية والتخّلف والعادات البالية، صار لزوماً عليها أن تنتبه لفكرة الإساءة للسلطنة العثمانية التي احتلت البلاد أربعة قرون!
على أيّ حال، سيكون متابع الدراما السورية هذا الموسم على موعد مع خمسة أعمال شامية أولها «تحت الأرض» (كتابة شادي دويعر وسلطان العودة ـ إخراج مضر إبراهيم في أولى تجاربه الإخراجية ـ إنتاج «كلاكيت» ـ بطولة: مكسيم خليل، وسامر المصري، وروزينا لاذقاني، وكرم الشعراني، وأيمن عبد السلام، لين غرّة ــ يعرض على «أبوظبي» و«لنا»).
حوالى عشرة أعمال من بينها مسلسلان كوميديان وعملان بوليسيان مشوقان
ميزة العمل أنه يقدم بلبوس شامي صراع تجار الدخان في القرن الماضي، ويفرد المساحة للبطولة الذكورية في غالبية أحداثه، ويعتني بحياة البطل (مكسيم خليل) العاطفية أيضاً، من دون أن ينسى صوغ علاقته بحبيبته (لين غرّة) وشقيقته (روزينا لاذقاني).
ورغم محاولة فريق العمل تسييج الحكاية بهالة من السرية بقصد التشويق، إلا أن النتيجة الأولية تجلّت في برومو ترويجي بدا مفككاً وخالياً من كل عناصر التشويق، ويُفترض أن ينتج من المسلسل جزء ثان لرمضان المقبل.
في سياق مشابه، سنتابع تجربة ماثلة في مسلسل «بنات الباشا» (كتابة ماهر بشار ـ إخراج عمار تميم ـ إنتاج عاطف حوشان ـ يعرض على «لنا»، و«الشارقة» ـ بطولة: سوزان سكاف، وسعد مينه، وحسام عيد، وأمانة والي، وائل زيدان ربا السعدي). يتكئ العمل على مكائد المرأة وهي بطلة الحكاية التي سيرصد المشاهد خطورة أفعالها عندما تقرر الانتقام، لكنها ستصل إلى مآلات خطيرة، قد تفقدها حياتها. اللافت أنّه مهما تواضعت ميزانية المسلسل أو المساحة التي يحظى بها جماهيرياً، إلا أنه يعيد ممثلة من العيار الثقيل هي سوزان سكاف لتلعب دور البطولة المطلقة بعد سنوات من التغييب عن الشاشة.
-
«ليالي روكسي» عن قصة أقدم صالة سينمائية في دمشق
وفقاً للمنطق ذاته، أنجزت شركة «قبنض» مسلسل «العهد» (كتابة عدنان ديوب ـ إخراج محمد زهير رجب ـ بطولة: صفاء سلطان، فراس إبراهيم، رنا شميس، رنا أبيض، رامز اسود، سعد مينه ـ. يعرض على «lbc»، و«زي ألوان»، و«رؤيا»، و«الظفرة»،و«لنا») الذي تدور أحداثه بين عامَي 1910 و1925، ويحاكي مرحلة ما قبل تحرر دمشق من الاحتلال العثماني. تجري الحكاية في إحدى حارات دمشق، حيث يسيطر النزاع بين وجهاء الحارة والاحتلال ليرأس هذه المقاومة الشعبية غزوان كبير عائلته وزعيم الحارة وأبو خطار كبير عائلة الهادي...
وتحاول شركة «غولدن لاين» إعادة تجربة الفانتازيا ذات الملامح الشامية التي قدّمتها سابقاً في «العربجي» ونالت قبولاً جماهيرياً واسعاً. لذا، تعيد تركيب الوصفة ذاتها في «السبع» (مجموعة كتاب ـ إخراج فادي سليم ـ بطولة: باسم ياخور، وعبد المنعم عمايري، وأمل عرفة، ويزن خليل، وحلا رجب... «روتانا درما»، و«روتانا خليجية»، و«رؤيا»، و«لنا»، و«الجزائرية»، وlbc). يقدم المسلسل قصة خيالية بأجواء شامية عن صراع السلطة وتناحر التجار وملامح من حياة الغجر عبر بعض الشخصيات الأساسية الفاعلة في الجوهر الحكائي فيما يسرد قصّة ثأر طويلة الأمد تلخّص مقولة العمل التي تفيد بأن الانتقام طبق لا يؤكل إلا بارداً. وقد اضطر فريق العمل للانتقال في التصوير إلى لبنان بعد سقوط النظام في سوريا ليتمكن بطل العمل باسم ياخور من استكمال التصوير.
ويبدو أنّ أبرز المسلسلات الشامية لهذا الموسم هو «ليالي روكسي» (ورشة كتابة ــ إخراج محمد عبد العزيز ـ إنتاج «أفاميا» ـ بطولة: أيمن زيدان، سلاف فواخرجي، منى واصف، دريد لحّام ـ «لنا»، و«الظفرة»، و«دبي»، منصة viu، و«شاهد»، و«زي ألوان»). يعوّل صنّاعه على المزج الذكي بين الأجواء الشامية التقليدية الجذابة، والتعريج على قصة أقدم صالة سينما في دمشق وحكاية صناعة أوّل فيلم سوري، تُضاف إليها منكّهات تعدّ بمنزلة قيمة فنية على رأسها الشارة التي كتب كلماتها ولحّنها غالب زيدان وغنّتها لينا شماميان، وهي محاكاة للأغنية التراثية الخالدة «يا طيرة طيري يا حمامة».
علماً أنّ الأخيرة كتبها ولحّنها الشيخ أبو خليل القباني عام 1893 أثناء رحلته البحرية العائدة من أميركا إلى سوريا بعدما شارك مع فرقته في احتفال أقيم في شيكاغو في مناسبة مرور 400 عام على اكتشاف كريستوف كولومبوس العالم الجديد. وقد كانت فرقته تضم الفنانة أستيرا الحكيم الملقبة بـ «طيرة»، وقيل إنّه كان يحاكيها في كلمات هذه الأغنية. وقد لعبت دورها في «ليالي روكسي» النجمة المخضرمة منى واصف.