يا سيد الغُرُفاتِ لولا أن أتيت

زمنًا تُرِكنَا في ظِلال السيفِ
نحتسي دمنَا ونخطبُ ودَّ ساقينا
ونشربُ نخبَ من قَتَلوا ومن قُتِلوا
نحدّقُ في السراب
لا نصرَ آتٍ من بعيد، كلّا ولا فتح قريب
زمنًا تُرِكنَا في عراءِ اليُتمِ، نجلسُ فوقَ أرصفة الزمنْ
نستنشق التاريخَ نقعاً من غبار الفاتحين
والدفءَ نطلبُهُ بنيران الملاحم والفتن
ونراودُ السلطانَ من جيلٍ لجيل
من بين قضبان السجون
زمنًا تُرِكنا وحدَنَا
نمشي على طرقٍ غريبة ما لها حيٌّ وجارْ
غير الدمِ المسفوكِ في وضح النهارْ
غير الفتى المنذور للخطب الجليلْ
أينامُ فوق فراش مَنْ في الغارِ
أو يأوي إلى جبلٍ يقيهِ الماءْ
أم يتركُ الطوفان يبتلع المدينة
زمنًا تُرِكنا في ظِلال الخوف، نفترش العهودْ
نقتفي أثر القيودْ، ونجمع الحزنَ المعلّقَ في أسارير الضحايا
والقهرُ نجعلُه شراعًا للرحيلْ
الليلُ جفن الراحلينْ والصقيعُ دثارنا المنسوجُ من بَردٍ وصمتْ
والنفسُ بيداءٌ مديدة
واحاتُها زَرعٌ بلا ظلٍّ خريرٌ دون ماءْ
وقعُ الحوافرِ لا صهيلَ ولا حداءْ
خفقُ الجناحِ ولا فضاءْ
نصبو إلى صوتِ الهطولْ
نتسقّط الأنباء عن خَصبٍ عظيم
فنهيم بين الهائمين، نذوبُ في جوفِ الصدى
ونقيمُ بين الغافلين على بطاحٍ قاحلة
زمناً تُرِكنا في مهبِّ الشكِّ
لا من يقين غير هذا الشكِّ لولا أن أتيتَ...
يا سيدّ الغُرُفَاتِ يا إرث النبوة
يا قمّة التاريخِ يا ثأر الضحايا
يا عِمّةً نسجتْ خيوط َالصبح من شمس الولاية
يا أيها الغارُ المكلّلْ، ومرجل الغضبِ القديمْ
يا نبضةً عبرتْ قرونَ الناكثين وطوتْ عهود المارقين ياصرخةً شقّت عبابَ الصمتِ تؤتي أُكلها في كلّ حينْ
يا بسمةً جذلى تضيءُ الليل.. تخفق فوق أفئدة الأيامى
ملأتْ قلوبَ الجَمعِ حتى لم يعدْ للخوفِ آية
يا همسةَ المشتاقِ والقلبَ المولَّه والسكينة، وأنبلَ الرايات في زمن الضغينة
يا أيها المولودُ في عزمٍ وطيد
يا أيها السيف المدمّى يا أيها الطود العظيم ومنبت الروح الجديدة
يا أمّة رَحَلتْ لتبقى أمّةٌ
يا ليتنا كنّا معك
طوبى لجرحك إذْ يفيض نداوةً ويفيضُ نصرا
ولقلبكَ العلويّ يغتال الردى عزمًا وصَبرا
قد كنتَ أنتَ كما أردتَ وقد أردتَ الموتَ سِفْرا
للعابرين إلى النجاةِ ولم يَرَوا إلّاكَ جسرا
بل إنّنا كنّا معك
بل إنّهم كانوا معك
زالتْ جبالُ ولم تزلْ عنها الرجالْ
عضّوا النواجذ وارتدوا ثوب النزالْ
طَرَقوا دوربَ القتلِ والموتِ الزُّلالْ
واستأذنوا للفتحِ لمّا أُخرجوا واستعاروا الشمس من عينيك
لم يعرفوا العشق إلّا أنت أوله وأنت مقصده في سورة البأسِ
وما مضوا نحو مجدٍ كنتَ تُترِعُهُ «إلّا ولاح خيالٌ منكَ في الكاس»