حماية «الأمن القومي» ذريعةً للحروب الأبدية | نتنياهو للإسرائيليين: أنا منقذكم

إسرائيليون يرفعون لافتات تطالب نتنياهو باستكمال صفقة التبادل خلال تظاهرة أمام مقر حزب «الليكود» في تل أبيب (أ ف ب)
إسرائيليون يرفعون لافتات تطالب نتنياهو باستكمال صفقة التبادل خلال تظاهرة أمام مقر حزب «الليكود» في تل أبيب (أ ف ب)


تتزايد الضغوط السياسية والقانونية على رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مستثيرة تساؤلات حول قدرتها على إضعافه أو تهديد مستقبله السياسي، علماً أنها تمتدّ لتشمل مسارات الحروب التي تخوضها إسرائيل على أكثر من جبهة. والواقع أن محاولات نتنياهو الفاشلة تعيينَ قائد جديد لجهاز «الشاباك»، وتصاعُد التحقيقات في قضيّة «قطر غايت»، والتي طاولت تداعياتها مقرّبين من رئيس الحكومة، بما في ذلك اعتقال مستشارَيه الرئيسيَّين: إيلي فلدشطاين ويونتان أوريخ، إلى جانب توسّع الاحتجاجات العامة المطالبة بصفقة تبادل أسرى مع حركة «حماس» حتى لو كان الثمن إنهاء الحرب على غزة... كلها عوامل تضع زعيم «الليكود» أمام سؤال ملحّ: هل يمكن الضغوط المتعدّدة أن تنال منه؟ بحسب التجارب السابقة، ربما يكون نتنياهو قادراً على المناورة والخروج مِن مِثل هكذا مواقف صعبة، كما فعل في أكثر من مناسبة؛ لكن، هل سينجح هذه المرّة؟

إلى الآن، تستمرّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في لعب دور محوري في استراتيجية نتنياهو السياسية والأمنية، وأيضاً في مواجهته الضغوط الداخلية المتزايدة. فبينما يخضع لتحقيقات قضائية وانتقادات شعبية واسعة على خلفية قضايا مثل «قطر غايت»، يعتمد الرجل على استمرار العمليات العسكرية كوسيلة لتعزيز موقفه السياسي والتخفيف من حدّة الانتقادات الموجّهة إليه. وإذا كان الجيش الإسرائيلي يستعدّ حالياً لعملية برّية واسعة النطاق في القطاع، بالإضافة إلى التحضير لسيناريوات محتملة تتعلّق بإيران، فإن الإعلان عن تلك الاستعدادات بالشكل المفرط الذي يجري به، يخدم محاولة نتنياهو إظهار قوّة الحكومة والجيش وقيادته لهما، في ظلّ تركيزه على الأمن القومي باعتباره أولوية قصوى تتقدّم على ما سواها من قضايا.

أمّا قضيّة قطر المالية (المعروفة إعلامياً بـ«قطر غايت»)، فقد أماطت اللثام عن فوضى في صنع القرار، وعكست حجم الضغوط التي يواجهها نتنياهو، إذ كشفت التحقيقات مع مستشارَيه عن شبهات خطيرة حول تلقّي أموال من الدوحة بشكل غير قانوني، فيما يجري البحث في مدى استغلال هذه الأموال لخدمة مصالح الرجل الشخصية؛ لكنّ هذه القضيّة ليست مجرّد أزمة قانونية، ولا سيما أنها تسلّط ضغطاً متزايداً على رئيس الحكومة، الذي يواجه اتهامات بالتستّر أو التواطؤ.

وفي المقابل، جاء ردّ نتنياهو على ذلك متسرّعاً وغير مدروس، عبر محاولته تعيين القائد السابق للبحرية الإسرائيلية، إيلي شربيت، رئيساً جديداً لـ«الشاباك»، في خطوة رأى البعض أنها جاءت لتقوّض تحقيقات رئيس «الشاباك» الحالي، رونين بار، ضدّ دائرة نتنياهو المقرّبة في القضيّة المالية القطرية. إلا أن محاولة التعيين انهارت خلال ساعات قليلة فقط - نتيجة الأخطاء السياسية وعدم دراسة الخلفيات القانونية والسياسية للمرشح بشكل كافٍ -، بعدما ظهرت معلومات محرجة عن شربيت، من مثل مشاركته سابقاً في تظاهرات ضدّ الحكومة، ما أثار استياء دوائر «الليكود» وبقية مركبات الائتلاف. أمّا مبرّرات إلغاء تعيين شربيت، كالادّعاء بأن الأخير غير مقبول لدى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بسبب مقال كتبه ضدّه عن المناخ، فعُدّت ضعيفة وغير مقنعة.

وبالنسبة إلى الاحتجاجات الشعبية، والتي يرى البعض أنها مرشّحة للتعاظم، تثار تساؤلات حول جدواها وتأثيرها الفعلي على قرارات نتنياهو وسياساته، علماً أنها تمثّل عاملاً حيوياً لجهة تصعيد الضغوط الداخلية على الائتلاف الحاكم، خاصة في ما يتّصل بالمطلبَين المعلنَين من الشارع: إنهاء الحرب على غزة؛ وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى «حماس» عبر صفقة تبادل. لكن، هل يمكن هذه الاحتجاجات أن تثني نتنياهو عن المضيّ قدماً في سياسة استغلال الحرب واستخدامها كجزء من استراتيجيته السياسية والأمنية لتعزيز موقفه؟

يبدو أن ذلك التأثير لا يزال إلى الآن محدود النتائج؛ فمن جهة، تراجعت قضيّة الأسرى ودرجة انعكاسها على قرارات تل أبيب مقارنة بما مضى، على رغم أن وقعها لا يزال قائماً وفعالاً إلى حدّ ما. ومن جهة ثانية، يتمتّع نتنياهو بقاعدة جماهيرية صلبة وائتلاف حكومي متماسك، يمكّنانه من تجاهل الضغوط الشعبية إذا ما قرّر الاستمرار في حربه على غزة، حتى مع تصاعد الاحتجاجات وخطورة الموقف. أمّا المعارضة، من جهة ثالثة، فلا تبدو قادرة على تقديم بديل مقنع أو حلول عملية، بسبب انقساماتها وتشرذم مواقفها.

مع ذلك، فإن الضغوط الشعبية التي تُضاف إلى تلك القانونية والسياسية، تضع نتنياهو أمام تحدّيات متعدّدة قد لا يجد حلاً لها سوى الهروب إلى الأمام، عبر المزيد من المواجهات والتركيز على قضايا الأمن القومي والحروب، وهو نهج يتجلّى خصوصاً في استمرار الحرب على غزة، وأيضاً في التصعيد النسبي على الجبهة اللبنانية، واستمرار الضربات والتوغلات في الساحة السورية، فيما يظلّ الملفّ الإيراني على رأس أولويات نتنياهو، سواء في ما يرتبط بتعزيز التعاون مع واشنطن لمواجهة طهران عسكرياً، أو عبر استخدام هذا الملف كأداة للتعامل مع التحدّيات الداخلية الراهنة، إذ، وعلى رغم أن المسألة الإيرانية تحتوي على أبعاد موضوعية قد تدفع بذاتها نحو التصعيد، إلا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية قد يستغلّها أيضاً لتخفيف الضغوط الداخلية عليه، وتحديداً في هذه المرحلة، عبر اتّباع سياسة كشف الاستعدادات العسكرية والأمنية الإسرائيلية بشكل مفرط، وتكثيف التهديدات الإعلامية لتعزيز صورته كقائد قويّ في مواجهة التحديات الإستراتيجية والوجودية.

هكذا، يبدو واضحاً أن المشكلات الداخلية التي تواجه نتنياهو مرتبطة بشكل وثيق بسياساته الخارجية وجدول أعماله الأمني، إذ إن تلك المشكلات تدفعه إلى التمسّك بالخيارات العسكرية والتصعيد الإقليمي، بوصفهما وسيلة للتغلب على الأزمات. لكنّ السؤال الأبرز يبقى: هل يستطيع نتنياهو الاستمرار في هذا النهج، أم أن الضغوط المتزايدة عليه ستؤدّي في النهاية إلى تحوّلات ما؟

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي