قراءات تركية في إعلان دمشق: واشنطن تدفع نحو «كردستان سوريا»

لعلّ مما يعزّز القلق التركي، أن «الاتفاق سيعزّز قوة ثورة روجافا (شمال شرق سوريا)» (أ ف ب)
لعلّ مما يعزّز القلق التركي، أن «الاتفاق سيعزّز قوة ثورة روجافا (شمال شرق سوريا)» (أ ف ب)


في أول تعليق له على اتفاق النظام الجديد في سوريا، مع «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، كان للرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، موقف داعم وحذِر في الوقت نفسه؛ إذ قال إن بلاده «تُولي أهميّة كبيرة لوحدة الأراضي السورية وبنيتها الموحّدة»، وإن «الرابح من الاتفاق هو سوريا، ولكن يجب متابعة تنفيذه من دون أيّ نقصان، وبما يخدم الأمن والرفاه في سوريا». وحذّر إردوغان، «حزب الشعب الجمهوري»، من «اللعب بنار الفتنة المذهبية»، بالقول إن الأخير «يسعى إلى استجلاب الفتنة المذهبية في سوريا إلى تركيا»، واصفاً من جديد ما حصل في الساحل السوري بأنه من عمل «فلول النظام السابق الإرهابية».

ومن جهتها، أبدت وزارة الدفاع التركية حذراً في مقاربة الاتفاق، ببيان جاء فيه أنها «ستنظر إلى طريقة تنفيذه وانعكاساته على الساحة، وستتابع عن كثب النتائج الإيجابية أو السلبية التي قد تسفر عنه». وأضاف البيان أن الملحق العسكري التركي في دمشق، سيلتقي وزير الدفاع السوري، فيما سترسل تركيا وفداً عسكريًّا إلى دمشق خلال الأيام القليلة المقبلة. أمّا في وسائل الإعلام التركية، فقد اعتُبر الاتفاق مجرّد عناوين وإطارٍ يختزن التفاصيل التي يكمن فيها الشيطان، مع التنبيه إلى مخاطره على تركيا، تبعاً لطبيعة تفسيره من كل طرف.

ولعلّ مما يعزّز ذلك القلق التركي، موقف في غاية الوضوح، عبّر عنه صالح مسلم، رئيس «الاتحاد الديموقراطي السوري» الكردي، الممثّل الأبرز لأكراد سوريا، والذي قال لصحيفة «يني أوزغور بوليتيكا»، الكردية التي تصدر باللغة التركية، إن «الاتفاق سيعزّز قوة ثورة روجافا (شمال شرق سوريا)، وسندير بصورة مشتركة الدولة، من الاقتصاد والدستور إلى مناحي الحياة الأخرى. سندير المعابر معاً ونقتسم المداخيل، وستكون حرّية كاملة في نمط الحياة للجميع. سنكون جزءاً من الدولة، شرط أن نحافظ على حقوقنا وخصوصياتنا، وقلنا ذلك من البداية». وتابع: «الإعلام التركي يتحدّث عن استسلام قوات قسد، وهذا منافٍ للحقيقة، ولا نزع للسلاح».

في حين يتحدّث إردوغان عن «الدولة الموحّدة»، يتحدّث مظلوم عبدي عن الحكم الذاتي


مع ذلك، يرى عبد القادر سيلفي، في صحيفة «حرييات» الموالية، أنه «بعدما كان يُنظر إلى قوات قسد على أنها العقدة الأكبر في نداء أوجالان لحلّ حزب العمال الكردستاني، وإلقاء سلاحه، فإذ بمشكلة قسد تجد حلّاً لها، بعد توقيع مظلوم عبدي على اتفاق إلقاء السلاح وتصفية وحدات حماية الشعب الكردية التابعة للكردستاني»، مشيراً إلى أن تركيا تنظر إلى التطوّرات في سوريا بعد اتفاق «قسد» - دمشق، على الشكل الآتي:
1- الاتفاق خطوة مهمّة جدّاً للوصول إلى تركيا خالية من الإرهاب.
2- الاتفاق إيجابي، لكن نريد تطبيقاً كاملاً له.
3- كان مظلوم عبدي يقول إن نداء أوجالان لا يشمل «قسد»، ولكن حصلت المفاجأة بتوقيع اتفاق العاشر من آذار.
4- ترى أنقرة أن مساهمة الولايات المتحدة في الاتفاق أمر إيجابي.
5- كان عبدي ينتقد ما يجري مع فلول النظام في منطقتَي اللاذقية وطرطوس، ولكن «سحق الدولة للتمرُّد»، اضطره إلى القبول بالاتفاق.
6- يرى البعض أن الاتفاق ينظر إلى «قسد» باعتبارها قوّة مستقلة ضمن الجيش السوري، من دون أن ينزع سلاحها. لكن أنقرة، بحسب الكاتب، لا تقرأه على هذا النحو، بل على العكس تماماً؛ ذلك أن أيّ محاولة لإبقاء السلاح تعدّ «تهديداً للسلم الاجتماعي»، كما ورد في المادة السابعة.
7- لا يمكن القبول ببقاء «قسد» كجيش داخل الجيش السوري، لأن ذلك يسلم خيط التمرّد لقوى غير دولتية.
8- إن تسليم المعابر لقوات الدولة، سيضمن أمن الحدود مع تركيا.
9- الجيش التركي سيبقى في سوريا، وسيتابع ما يجري هناك، وسيتدخّل في حال نشوء أيّ نشاط إرهابي.
10- سيتم حلّ القوات العسكرية لـ«قسد» وامتدادات «الكردستاني»، على أن تتحوّل إلى أحزاب سياسية ضمن نظام مركزي رئاسي يضمن المساواة لكلّ السوريين.

وفي الصحيفة نفسها، اعتبر سادات إرغين أنه «سيكون من الصائب أن ننظر إلى اتفاق قسد - الشرع على أنه أوّلي، ويقدّم مجرد إشارات إلى ما ستكون عليه التفاصيل لاحقاً». ومع ذلك، «انتزع الأكراد في هذا الاتفاق، الاعتراف بهم كمكوّن أصيل في الدولة، وهو ما لم يكن سابقاً. أمّا كيف سينعكس ذلك في الدستور، فهذا ما سنعرفه لاحقاً». ويرى طه آقيول، في صحيفة «قرار»، من جهته، أن الاتفاق «لا يحلّ المشكلة»، على اعتبار أن كل طرف له تفسيره الخاص لكلّ مادة فيه؛ ففي حين يتحدّث إردوغان عن «الدولة الموحّدة»، يتحدّث مظلوم عبدي عن الحكم الذاتي، وعن أن العلم السوري سيرفع بشكل رمزي على المعابر ومصادر الطاقة، علماً أن الإعلان «لا يتضمّن عبارة الحكم الذاتي ويشير إلى الدمج». ويضيف الكاتب أنه على تركيا «ألّا تفرح، وألّا تكون معرقِلة، بل أن تتابع التطوّرات بدقّة وبهدوء».

ويلفت مسؤول ملف الشرق الأوسط في مركز «أورسام» للأبحاث، أويتون أورخان، بدوره، إلى أن الاتفاق هو عبارة عن «مبادئ أساسية، والأهم طبيعة الدمج التي تحدّث عنها، والتي ستكون مدار بحث اللجان التي ستتشكّل». وأعرب عن عدم اعتقاده بأن تسليم المعابر سيكون الخطوة الوحيدة للاندماج في الدولة، وأنه «إذا كان الأمر كذلك، وإذا حافظت الوحدات الكردية على بنيتها، فسيكون هذا خطراً وخطاً أحمر بالنسبة إلى تركيا»، التي قال إنها تنظر بإيجابية إلى الاتفاق، ولكنها متوجّسة من مسار الأمور خلال التطبيق.

وفي الاتجاه نفسه، يشير مسؤول السياسة الخارجية في «حزب الشعب الجمهوري»، إيلهان أوزغيل، إلى أن الاتفاق «غير واضح، ويتيح حرّية الحركة والتفسير لكلّ طرف»، مذكّراً بأن «الشرع لا يمتلك القوّة الكافية لمحاربة قوات سوريا الديموقراطية. وفي المقابل، تدعم أميركا وفرنسا وإسرائيل القوات الكردية. الاتفاق يقلّل من احتمالات التصادم. وهذا تفسيره واحد: قوات قسد باقية».

أمّا محمد علي غولر، في «جمهورييات»، فيعتبر أن «اتفاق قسد - الشرع هو بداية لسوريا فدرالية، حيث سيكون الأكراد شركاء في إدارة الدولة، وبرعاية الولايات المتحدة». ووفقاً للكاتب، فإن «ما سيسري على الأكراد، سيسري على كل المكونات الإتنية من عرب وأرمن وشركس وتركمان. سوريا ستحمي وحدة أراضيها، ولكنها لن تكون موحّدة سياسيّاً، بل فدرالية. ولن يكون هناك جيش موحّد، إذ إن عبدي لم يتحدّث عن جيش واحد، بل فقط عن عاصمة واحدة وعلم واحد. سيكون الأكراد جيشاً مستقلّاً ضمن الجيش السوري». وينتهي غولر إلى القول إنه «كما حصل في العراق، فإن سوريا ستكون، وفقاً للمخطّط الأميركي - الإسرائيلي، دولة فدرالية. وكما أصبحت تركيا جارةً لمسعود بارزاني، ستكون جارة مظلوم عبدي».

ويكتب آخر سفير تركي في دمشق عام 2011، وهو عمر أونهون، من جانبه، أن «الاتفاق يعطي الأكراد ما يريدونه، ويعترف بالوحدات الكردية، ويحفط لها القوة العسكرية والإدارة الذاتية والاعتراف بالدستور والشراكة في الموارد الطبيعية، ويواصل وضعها تحت الحماية الأميركية التي لم تؤسّس قسد لمحاربة داعش فقط، بل لمحاربة إيران أيضاً». ويرى أونهون أن «التطوّرات في تركيا وسوريا تسير بصورة متوازية؛ إذ في كلا البلدين، ثمة تحضيرات لدستور جديد، عنصره الجديد الأهم مرتبط بالمسألة الكردية»؛ وعليه، «عندما نقيّم ما تشهده سوريا، يجب بالتأكيد أن ننتبه إلى تقييماتنا لِما تشهده وستشهده تركيا. أليس كذلك؟».

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي