حرب السودان على عتبة عامها الثالث قتال بلا قيود

الخرطوم | مع اقترابها من إكمال عامها الثاني، تشهد الحرب في السودان بين الجيش وقوات «الدعم السريع» تصعيداً غير مسبوق، ولا سيما من جانب الأول الذي كثّف هجماته على الثانية، في عدد من المحاور في ولايات الخرطوم والجزيرة ودارفور، فيما سجّلت «الدعم» انسحابات من معظم المناطق التي كانت تحت سيطرتها، مكتفية بالقصف المدفعي على المدن والقرى الواقعة بيد الجيش، والذي يخلّف ضحايا في صفوف المواطنين. ومن جهته، يواصل الجيش تقدّمه في محاور الجزيرة والخرطوم والخرطوم بحري، بعدما تمكن، أخيراً، من استعادة مدينة الجيلي التي تعُتبر البوابة الشمالية لولاية الخرطوم والمدخل الرئيسي لمصفاة البترول، محكِماً بذلك سيطرته على جميع المناطق الواقعة شمال المصفاة وجنوبها، وفارضاً حصاراً على قوة من «الدعم» متمترسة داخل مباني المنشأة ومباني التصنيع الحربي القائمة شرقها.
واستفاق سكان المناطق القريبة من المصفاة، فجر أول أمس، على سحابة ضخمة من الدخان الأسود الكثيف المبتعث منها، والذي وصل مداه إلى مدينة أم درمان غرباً، التي يفصلها نهر النيل عن المنشأة. وفيما رجّح خبراء أن يكون الدخان ناتجاً من حريق في مخازن الغاز الرئيسية، أصدر الجيش بياناً قال فيه إن «الدعم السريع» عمدت إلى «إحراق مصفاة الخرطوم في الجيلي، في محاولة يائسة لتدمير بنى هذا البلد، بعد أن يئست من تحقيق أوهامها بالاستيلاء على مقدّراته وأرضه». وفي تطور جديد في ميدان المعارك، شنّت «الدعم السريع» هجمات منتظمة بالعشرات من الطائرات المُسيّرة، على محطات الكهرباء الرئيسية في عدد من الولايات، ما تسبّب في إحداث تلف في «محطة مروي التحويلية» شمال السودان، وأدّى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن كل مدن الشمال. كما تسبب حريق نشب نتيجة استهداف محطتَي «دنقلا» شمال البلاد، و«الشواك» في الشرق، بحدوث أعطاب في المشغّلات، وأدّى أيضاً إلى انقطاع التيار الكهربائي. ووصف الناطق الرسمي باسم الحكومة ووزير الإعلام، خالد الأعيسر، استهداف «الدعم السريع» للمنشآت، بأنه «مسلك إجرامي يعرّض حياة المواطنين للخطر ويزيد من معاناتهم»، داعياً الدول والمنظمات الحقوقية إلى «اتخاذ الإجراءات العاجلة» لتصنيف «الدعم» كـ«جهة إرهابية تلاحق وتعاقب دولياً».
وفي غضون ذلك، بدا لافتاً استمرار «الدعم» في تفعيل نهج الدعاية العسكرية؛ إذ خرج مكتب الناطق باسم تلك القوات ببيان، أمهل من خلاله جميع المسلحين والمقاتلين داخل مدينة الفاشر شمال دارفور، 48 ساعة لتسليم المدينة ومغادرتها، محذّراً من مغبّة عدم القيام بذلك حتى لا يتمّ التعامل معهم بـ«قوة وحسم»، ومطمئناً إياهم، في الوقت نفسه، إلى «حسن المعاملة وإخلاء سبيلهم فوراً»، حسبما ورد في البيان. وعلى رغم انتهاء المهلة (حتى ظهر الأربعاء الماضي) من دون أن تنفذ «الدعم» تهديداتها، باستثناء قصف مدفعي على شمال المدينة وشرقها، تزامناً مع تصعيد إعلامي على المنصات التابعة لها، إلاّ أن البلاغ أثار نوعاً من الذعر، ولا سيما لدى سكان الفاشر المحاصرين لما يقارب العام. وأمس، هاجمت «الدعم السريع» مدينة الفاشر من خمسة محاور، لكنّ محاولتها استعادة المدينة باءت بالفشل، بعدما تصدّى الجيش وحلفاؤه لها.
ويعزو مراقبون استهداف «الدعم» البنى التحتية، إلى محاولتها تعويض خسارتها المناطق التي كانت تحت سيطرتها. كما لا يستبعدون أن يكون الهدف من التهديدات التي أطلقتها «الدعم»، «التغطية على خسارة عسكرية مُنيت بها»، مرجّحين أن «أثقل خسارة تكبّدتها تلك القوات، وقعت في محور الصحراء الغربي»، على الحدود مع ليبيا، حيث أفشل الجيش وقواته الرديفة، الأحد الماضي، تحركاً ضخماً بقيادة نائب قائد «الدعم السريع»، عبد الرحيم دقلو، - وهو أخو قائد «الدعم» محمد حمدان دقلو (حميدتي) - استهدف خوض المعركة الأهم، وهي السيطرة على مدينة الفاشر، بهدف إخضاع دارفور بأكملها. وعلى الرغم من أن التحرك المشار إليه تم الإعداد له منذ شهور، من خلال تدريب مقاتلي «الدعم» وتسليحهم، إلا أن سلاح الجو التابع للجيش تمكّن من تدمير عدد من العربات القتالية، وإيقاع قتلى وجرحى في صفوف القوة المهاجمة، بينهم نائب قائد «الدعم» نفسه، والذي لم يُعرف بعد مصيره، علماً أنه كان قد ظهر في مقاطع فيديو، في بداية المعركة، وسط قواته.
من جهته، يرى المحلل السياسي، عادل عبد الرحيم، أن العقوبات الأميركية التي فرضتها وزارة الخزانة، في السادس عشر من الجاري، على قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، على خلفية ما سمّته ارتكاب القوات المسلحة «فظائع» خلال الحرب تحت قيادة الأخير، «عبر استهداف مدنيين وبنية تحتية مدنية»، والتي جاءت بعد أيام على خطوة مماثلة استهدفت «حميدتي»، قد «أثّرت على سير المعارك وسرّعت من وتيرتها». ويضيف عبد الرحيم، في حديثه إلى «الأخبار»، أن العقوبات على طرفي القتال، جعلت قائديه «يتمسكان بالقتال بصورة أكبر؛ إذ يريد كل طرف كسرَ شوكة الآخر حتى ينفرد وحده بالسلطة»، لافتاً إلى أن «العقوبات التي من شأنها أن تبعِد الجنرالين عن أي احتمالية للتفاوض، قد تنجح في تقليل القدرات المالية والدعم الخارجي».