إسرائيل تفرح... ولا تعقد الرهان: إشغال آني لإيران

إسرائيل معنيّة بتحريك الجنوب، في حال وجدت أن المتغيّرات  في الشمال تستدعي الإقدام على خطوة كهذه (أ ف ب)
إسرائيل معنيّة بتحريك الجنوب، في حال وجدت أن المتغيّرات في الشمال تستدعي الإقدام على خطوة كهذه (أ ف ب)


تترقّب إسرائيل، بحذر شديد، خروقات التنظيمات المسلحة في الشمال السوري، وسيطرتها الآنيّة على مدينة حلب، وإنْ كانت رهاناتها في مكان آخر. فإذا كان الميدان السوري، في نظرة ابتدائية، يبشّر بالكثير بالنسبة إلى تل أبيب، فإن عدم تمكُّن المسلحين من تحقيق انتصار مطلق، يهدّد فعليّاً بإسقاط النظام في سوريا، قد يحوّل الفرصة إلى تهديد، كونه سيدفع دمشق أكثر إلى «أحضان طهران»، فيما سيكون من الصعب الرهان على إمكان تغيير تموضعها ضمن محور المقاومة عبر إغراءات يُحكى عنها في إسرائيل من مثل: قطع شريان إمداد «حزب الله»، في مقابل رفع العقوبات عن الدولة السورية.
في المدى المنظور، ترى إسرائيل أن الخروقات الآنيّة في الشمال السوري، من شأنها أن تشغل إيران عن الكيان، في وقت يَظهر فيه أن هناك حسابات لم تُقفل مع طهران، وهي محلّ تهديد دائم لتل أبيب، تعتقد الأخيرة بضرورة درئه، ربطاً بالظروف والمتغيّرات التي تتسارع وتيرتها في الإقليم، على وقع تبدّل الإدارة في واشنطن. وبحسب المقاربة العبرية، فإن السيطرة على حلب وتهديد مدينة حماه، هما «خبر جيّد»، كونه يجذب اهتمام إيران وجهودها إلى ساحة بعيدة نسبياً عن المواجهة مع إسرائيل. لكن ما بعد «الاستبشار الآني»، لا يغادر الحذر التقديرات الإسرائيلية، وخصوصاً أن «اعتماد الرئيس السوري (بشار الأسد) على الإيرانيين والروس، يتزايد أكثر ممّا كان عليه».
ويبقى أن السيناريو الأمثل بالنسبة إلى إسرائيل، هو خريطة سيطرة جديدة ترجّح كفّة المسلحين على النظام السوري، وصولاً إلى دمشق. لكن الشكوك في إمكانية تحقّق هذا السيناريو كثيرة جداً: فهل ستكتفي تركيا بمساعدة المسلحين من دون أن تتدخّل مباشرةً، علماً أن الدعم الحالي لا يكفي للرهان على تدخّل تركي يغيّر الموازين استراتيجياً؟ وهل ستشجّع الهجمات الناجحة نسبياً في الغرب، الأكراد في الشرق، على التحرّك لحصد مزيد من المكاسب التي من شأنها أن تضغط أكثر على دمشق وتستهلك مواردها العسكرية في صدّ الهجمات؟ أيضاً، ثمّة أسئلة تثار حول الجنوب السوري، حيث لا يحتاج التمرّد إلى كثير من المحفّزات، وإنْ كانت إسرائيل نفسها هي المعنيّة بتحريك الجنوب، في حال وجدت أن المتغيّرات في الشمال تستدعي الإقدام على خطوة كهذه.

التفاؤل الإسرائيلي الحذر يواجه تشاؤماً أقلّ حذراً


وقد جرى الحديث في تل أبيب، قبل التوصّل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان بين جيش الاحتلال الإسرائيلي و«حزب الله»، عن ضغوط يجب أن تفعّل ضدّ الأسد، استكمالاً للضربات التي تلقّتها المقاومة في الساحة اللبنانية، حتى وإنْ بشكل غير مباشر - وهو ما كُتب عنه الكثير -. كما جرى إطلاق تهديدات على لسان رأس الهرم السياسي الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وعدد آخر من وزرائه والمقرّبين منه، الذين هدَّد بعضهم، الأسد بالاغتيال «ما لم يغيّر سلوكه».
وعلى خلفيّة هذه التهديدات، ومصلحة إسرائيل الأمنية، جرى الربط بين خروقات المسلحين في الشمال السوري وتل أبيب، ليس بوصف الأخيرة جهة تبارك تلك الخروقات، بل وتحرّكها وتدعمها أيضاً، وإنْ بالمشاركة والاتفاق مع أطراف ثالثة: تركيا والولايات المتحدة. لكن كثرة المتدخّلين في سوريا، والمختلفين في ما بينهم، تدفع إلى الحذر في تبنّي ذلك الربط، وإنْ كانت مصالح هؤلاء تتقاطع آنيّاً ضدّ النظام في سوريا. وفي واقع الأمر، ما لم تكن إنجازات المسلحين جزءاً من سلسلة طويلة من «الإنجازات»، فإنه سيصعب ربطها بإسرائيل.
والواقع أن التفاؤل الإسرائيلي الحذر، يمكن أن يواجه بتشاؤم أقلّ حذراً. صحيح أن الإشغال الآني للنظام السوري وإيران، هو مصلحة إسرائيلية قد تكون محقَّقة، لكن على المدى القريب، فيما على المدى البعيد قد يكون متعذّراً. إذ كما يرد في التعليقات، «يبدو أن المعركة محدودة، ولن تؤدي إلى نتائج مأمولة كما كانت عليه الحال قبل سنوات مع بدء التمرد والإضرابات». أما الولايات المتحدة وأوروبا، وعلى رغم الدعم غير المباشر التركي للمسلحين وخروقاتهم في حلب، «فتفضّلان التحرّك على هامش المشهد، بينما تساعد إيران وروسيا النظام لتخطّي الحدث واحتوائه».

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي