فاجأ رئيس حزب «حصانة لإسرائيل»، رئيس هيئة الأركان السابق، بني غانتس، الساحة الداخلية، بخطاب استحوذ على صدارة الاهتمام الإعلامي والسياسي الإسرائيلي، وترك أصداءً واسعة لدى القوى السياسية المنافسة من المعسكرات كافة. بعد مرحلة من الصمت خضعت للعديد من التفسيرات، نجح غانتس في فرض نفسه قوةً سياسية لها امتداد جماهيري، بما يجعله في صدارة القوى الحزبية بعد حزب «الليكود»، وفق ما أظهرت استطلاعات الرأي. لكنه لم ينجح ـــ حتى الآن ـــ في أن يشكل تهديداً لسيطرة اليمين، ولحزب «الليكود»، ولشخص رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.حرص غانتس، في أول خطاب سياسي له بعد إعلانه دخول التنافس الانتخابي، على أن يقدّم نتنياهو على أنه متغطرس وفاسد، يمزِّق المجتمع الإسرائيلي، فيما هو (غانتس) منقذ الإسرائيليين من الآفات التي يعانون منها، والقائد القادر على مواجهة التهديدات الخارجية المحدقة بأمن إسرائيل. وفي هذا الإطار، خصّص الجزء الأكبر من خطابه لإغداق الوعود بمعالجة عدم المساواة، واهتزاز الصورة الديمقراطية، والانقسامات التي تتعمق في المجتمع، بين اليمين واليسار، وبين المتدينين والعلمانيين، وبين اليهود وغير اليهود، مُحمّلاً الحكومة ورئيسها مسؤولية الإسهام في مفاقمة هذه الانقسامات.
وفي القضايا الأمنية، حرص غانتس على تظهير مواقف صقورية، تعبّر عن حقيقة توجهاته، وتخدمه في الوقت نفسه في مواجهة اتهامات اليمين و«الليكود»، اللذين يحاولان تقديمه على أنه شخص ضعيف، ولا يمكن الركون إليه في ما يتعلق بأمن إسرائيل، وأنه قد يكون ضعيفاً ومساوماً في المفاوضات مع الأعداء. وفي هذا المجال، ردّد غانتس الشعار نفسه الذي يردّده نتنياهو وغيره: «في الشرق الأوسط القاسي والعنيف المحيط بنا، لا توجد رحمة للضعفاء»، مهدّداً إيران وقائد «قوة القدس» الجنرال قاسم سليماني، والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وقائد «حماس» في غزة يحيى السنوار.
حرص غانتس على أن يقدّم نتنياهو على أنه متغطرس وفاسد


نجح غانتس في تقديم خطاب غازل من خلاله جمهور «اليمين»، وهو ما برز في تعهّده بـ «تعزيز الكتل الاستيطانية»، وعدم التنازل عن هضبة الجولان أبداً، والاحتفاظ بغور الأردن باعتباره الحدود الأمنية الشرقية لإسرائيل، و«الحفاظ على الأمن في كامل أرض إسرائيل»، وهي مواقف معسكر «اليمين» بذاتها. وتعهّد في السياق نفسه بأن تبقى القدس الموحدة «إلى الأبد عاصمة للشعب اليهودي، وعاصمة لدولة إسرائيل».
في المقابل، حرص قادة اليمين على محاولة تطويق تأثيره الجماهيري، بهدف حصر نفوذه ضمن معسكرَي الوسط واليسار، عبر إسباغ صفة اليسار عليه، وهو ما فعله نتنياهو عندما اعتبر أن «كل من يقول إنه ليس يمينياً أو يسارياً هو يساري»، فيما اعتبرت وزيرة الثقافة والرياضة، ميري ريغيف، أن خطابه كان «مليئاً بالشعارات الفارغة».
في كل الأحوال، مع أن الاستطلاعات تعبّر عن المزاج العام في لحظة إجرائها، إلا أنها تقدم صورة عامة أيضاً عن طبيعة القوى السياسية وحجمها. وفي هذا الإطار، أظهر استطلاع رأي نشره موقع «واللا» الإسرائيلي ارتفاعاً ملحوظاً في قوة حزب «حصانة لإسرائيل» برئاسة غانتس، الذي اتفق مع وزير الأمن السابق موشيه يعلون، على التنافس في قائمة واحدة، ونال ثاني أكبر تمثيل برلماني بعد حزب «الليكود»، متقدّماً بذلك على «يش عتيد» برئاسة يائير لبيد. ووفقاً للاستطلاع، حصل «الليكود» على 29 مقعداً، متراجعاً بذلك 4 مقاعد عن آخر استطلاع، فيما حصدت قائمة «حصانة لإسرائيل» و«تيلم» برئاسة غانتس 19 مقعداً، متفوقة على «يش عتيد» التي لا يتعدى تمثيلها الـ12 مقعداً. مع ذلك، ما زال غانتس بعيداً عن المكانة التي تسمح له بتهديد مستقبل نتنياهو كرئيس للحكومة.