مبادرة إيرانية لِلَمّ الشمل: سوريا ـــ تركيا على طريق المصالحة؟
من هنا، حرص عبد اللهيان على تظهير هذا الجهد إلى العلن، من خلال التصريحات التي أدلى بها حتى قبل مغادرة طائرته العاصمة طهران، إذ أكد أن «جزءاً من زيارته إلى دمشق يهدف إلى إحلال السلام والأمن في المنطقة بين سوريا وتركيا»، ليعطي مؤشراً إلى دور إيراني يُلعب بالفعل، للوساطة بين دمشق وأنقرة على أكثر من اتجاه، مع سعي إيراني إلى معرفة هواجس كل طرف، وتقريب وجهات النظر بينهما. وربّما حرص الديبلوماسي الإيراني على استخدام عبارة «الأمن والسلام» بين البلدين، في إشارة إلى ضرورة تحريك المياه الراكدة بين الجارتَين، ومعرفة مدى إمكانية تحقيق المصالحة بينهما، وذلك عبر اختبار جدّية الطرفين في خوض حوار لبدء ردم هوة الخلافات الكبيرة بينهما تدريجاً، وإنهاء الجفاء المستمر منذ أكثر من عقد. كما أنه تعمّد، في تصريحاته الإعلامية، إلى إبراز «رفض إيران أيّ إجراء عسكري تركي في الشمال السوري، لكونه يزعزع استقرار المنطقة»، مؤكداً بذْل كل جهد ممكن لمنع وقوع نزاع عسكري جديد في سوريا، في رد غير مباشر على كل القراءات التي فسّرت تصريحاته السابقة حول «تفهُّم إيران لهواجس تركيا الأمنية في سوريا»، بأنها كانت بمثابة ضوء إيراني أخضر لتركيا لإطلاق عمليتها العسكرية الجديدة.
هذه التصريحات التمهيدية، هدفت إلى معرفة وجهة نظر القيادة السورية بالنسبة إلى الوساطة الإيرانية، ومدى استعداد دمشق للانخراط بأيّ جهد ديبلوماسي بين البلدين، وهو ما يمكن استخلاصه من الردّ الحكومي «المرحّب» بالمبادرة، والمتمسّك توازياً بالتأكيد أن تركيا دولة محتلّة لأجزاء من الأراضي السورية، وأن لها أطماعاً عسكرية في هذا البلد. وظهر هذا الموقف بشكل واضح من خلال اعتبار الرئيس السوري، بشار الأسد، «الادعاءات التركية باطلة ومضلّلة ولا علاقة لها بالواقع، وتنتهك ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وروابط حسن الجوار التي يفترض أنها تجمع بين البلدين الجارين». ومع حرص الأسد على تظهير وجهة النظر الرسمية السورية، جاء تصريح وزير الخارجية، فيصل المقداد، عن أنه «جرى بحث معمّق في العلاقات الثنائية وتحسين العلاقات بين دول الجوار»، ليشير بوضوح إلى دعم دمشق للمبادرة الإيرانية. والظاهر أن السوريين يريدون انتزاع تعهّدات من تركيا بالاستعداد للخروج من كل الأراضي التي يحتلّونها، في مقابل الخوض في مسار المصالحة والتسوية بين البلدين، واعتبار ذلك من الثوابت الوطنية التي لا يمكن التنازل عنها مطلقاً. وعليه، فإن الحديث عن مبادرة إيرانية شاملة لحلّ الخلافات المتراكمة بين البلدين، على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية وحتى الشخصية، غير واقعي، ومبالغ فيه.
بالتالي، فإن طهران، في الغالب، تريد استغلال التطورات الحالية في الشمال السوري، للحصول على إجراءات من كلا البلدين، يمكن التأسيس عليها لاحقاً، من خلال طرحها لتطبيق «اتفاقية آضنة» بين البلدين، والتي ستؤدي إلى نشْر الجيش السوري في المناطق المهدَّدة بالهجوم، وهو ما سيبدّد، في حال حصوله، كل المخاوف الأمنية التركية، ويكون الأساس الذي يمكن البناء عليه لاتخاذ خطوات لاحقة. ومع ذلك، لا يمكن إغفال أن المبادرة الإيرانية قابلة للعرقلة الأميركية في أيّ لحظة، وذلك من خلال حثّ واشنطن لـ«قسد» على التمسّك بخيار عدم الانسحاب العسكري من منبج وتل رفعت، أو تسليم المنطقتَين إدارياً وعسكرياً إلى الدولة السورية، وهو ما من شأنه أن يعقّد المهمّة الإيرانية، ويجعل من تطبيقها أمراً صعباً.