في بقعة جغرافية صغيرة في ريف اللاذقية الشمالي، تهيّئ جماعة «جهادية» أوروبية نفسها لـ«حرب طويلة الأمد». وعلى رغم أن عديد أفراد هذه المجموعة لا يتجاوز حاجز المئتين، تُظهر مصادر «جهادية» ثقة كبيرة بأن «الجماعة ستؤدي دوراً محورياً في رصّ البنيان»، تمهيداً لمواصلة «ملحمة الجهاد التي لم تنطفئ في الشام». اتخذت الجماعة لنفسها اسم «جماعة الألبان»، وتعدّها بعض المصادر «الجماعة الجهادية الأصفى عرقياً»، بمعنى أنها أكثر الجماعات حرصاً على حصر الانتساب إليها بحَمَلة جنسية بعينها. على أرض الواقع، تؤكد معلومات «الأخبار» أن مسألة «الصفاء العرقي» ليست ركيزة أساسية من ركائز الخطط المستقبلية لـ«جماعة الألبان»، بل هي حالة تمييزية تمنح أفضلية قيادية لنحو 30 «جهادياً» يشكلون «نخبة الجماعة»، والحلقة الأضيق حول مؤسسها، في إطار هيكلية معقّدة بعض الشيء.
التأسيس والمؤسِّس
لم تُؤسَّس «جماعة الألبان» لتكون وحدة «جهادية» منعزلة، بل جاء الأمر أشبه بإطار لإعادة التجميع، تمهيداً لتوسيع المجموعة. لا معلومات دقيقة متوافرة عن نقطة البداية التي اتّخذ فيها «الجهادي» المؤسِّس قرار تجميع أبناء جلدته في هذا الإطار التنظيمي. لكنها على الأرجح كانت في النصف الثاني من عام 2017، قبل أن يبدأ النشاط التجميعي في الازدهار في عام 2018، ثم يتكثّف عمل الماكينة الإعلامية للجماعة في النصف الثاني من العام الحالي. أما المؤسِّس، فواحدٌ من أخطر الشخصيات «الجهادية» النشطة في سوريا، وأشدّها غموضاً، وهو أبو قتادة الألباني. قبل قدومه إلى سوريا، كان أبو قتادة من سكان شمال مقدونيا، وهو في منتصف العقد الرابع من عمره. وبحسب وزارة الخزانة الأميركية، فأبو قتادة هو نفسه المدعو عبدول جشاري، الذي أدرجته على لوائحها السوداء أواخر عام 2016، إلى جوار كلّ من السعودي عبد الله المحيسني، والسوري أبو مالك التلي (جمال حسن زينية)، والأردني أشرف أحمد العلاق. يرتبط أبو قتادة بعلاقات وطيدة مع أبو محمد الجولاني، وقد أدى غير مرة أدواراً محورية في تثبيت نفوذ الأخير على رأس «جبهة النصرة». تقول معلومات متداولة على نطاق ضيّق إن الألباني «كان واحداً من ستة أسّسوا الجبهة». في أعقاب الشقاق بين «النصرة» و«داعش»، أسهم الألباني في إعادة بناء القدرات العسكرية لـ«النصرة». وفي ظهور علني نادر، حضر إلى جانب الجولاني في تموز 2014، حين بشّر الأخير حشداً من «جهادييه» بـ«قرب إنشاء إمارة الشام الإسلامية»، وبأن الألباني سيتولّى «قيادة جيش الإمارة». (راجع «الأخبار» 12 تموز 2014 و29 أيلول 2018.
تنشط النواة الصلبة لـ«جماعة الألبان» أساساً في مرتفعات كباني


يحرص أبو قتادة على إحاطة نفسه بالغموض، ولا يحتكّ إلا بالمقاتلين التابعين له، وعُرف عنه في الأعوام الأخيرة أنه يرفض المشاركة في اجتماعات تضمّ أكثر من خمسة أشخاص. كان الألباني مشرفاً عسكرياً عاماً لـ«النصرة» في قطاعَي حلب وإدلب، ومسؤولاً مباشراً عن معسكرات تدريبها في خانطومان. ورد اسم أبو قتادة الألباني في اعترافات «الجهادي» بلال ميقاتي (أبو عمر اللبناني)، الذي أكد أنه خضع لدورتين عسكريتين بإدارة الألباني.

جسر «الألبان»؟
من المزايا اللافتة التي يحظى بها أبو قتادة، احتفاظه حتى اليوم بقبول لدى معظم القيادات «الجهادية» من مختلف انتماءاتها. كان الرجل واحداً من أعضاء لجنة تولّت حلّ الخلاف بين «النصرة» و«القاعدة» في كانون الأول 2017، وأفلحت في الوصول إلى اتفاق قضى بإطلاق سراح معتقلي «القاعدة» لدى «النصرة» (وهم الذين شكلوا لاحقاً تنظيم «حرّاس الدين»). في الوقت نفسه، لا تزال الأواصر بين الألباني وأبو محمد الجولاني وطيدة للغاية. وتؤكد مصادر «جهادية» لـ«الأخبار» أن «الشيخ الجولاني ما زال حتى اليوم يحرص على عقد لقاءات دورية مع الشيخ الألباني». يأتي ذلك بعدما باتت مهمة الألباني داخل «هيئة تحرير الشام» مهمة استشارية، في ما يخص النواحي العسكرية في الدرجة الأولى. يؤكد مصدر إعلامي مرتبط بـ«هيئة تحرير الشام»، لـ«الأخبار»، أن «الدور المنتظر من الإخوة في جماعة الألبان كبير وهام، وشديد الأثر في حفظ بيضة الجهاد بإذن الله». ولا يبدو مستبعَداً أن تكون إحدى المهمات المتفق عليها بين الجولاني والألباني قيام الأخير بأداء دور استقطابي، يجتذب عبره «المهاجرين» (وهم «الجهاديون» الأجانب) مِمَّن يقرر مغادرة «الهيئة» أو سواها من التنظيمات، ويجنّده في إطار «جهادي» جديد. ويبدو لافتاً ما تؤكده مصادر عدة عن التحاق عدد من «الجهاديين» الألبان الذين كانوا يقاتلون في تنظيم «داعش» بـ«جماعة الألبان» في خلال الشهور الأخيرة. ومن دون المغامرة في توقع حصول نوع من المصالحة بين الجولاني وزعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، ترجّح معطيات كثيرة حدوث ما تمكن تسميته «هدنة غير معلنة» بين الطرفين. ومن المسلّم به أن المئات من عناصر «داعش» كانوا قد وصلوا إلى إدلب عبر مسارات مختلفة، ليلتحق بعضهم بتنظيمات متنوعة، ويتحول آخرون إلى «خلايا نائمة». وشكّل استقطاب الصنف الأخير هدفاً أساسياً لبعض المجموعات، مثل تنظيم «حرّاس الدين» و«كتيبة الإمام البخاري»، الأمر الذي لم يكن متاحاً لـ«هيئة تحرير الشام» القيام به في صورة علنية. ويبدو لافتاً أن بعض مراكز الأبحاث الغربية تصنّف «جماعة الألبان» بوصفها «جزءاً من داعش»، وتُسمّيها «مجموعة الاختراق». ويكتسب التفصيل الأخير أهمية خاصة، في ظلّ وجود معطيات عدة تشير إلى «دور توفيقي» تؤديه الجماعة، بغية إعادة تقويم العلاقات بين مختلف التنظيمات «الجهادية»، ولا سيما بين «النصرة» و«داعش». وتبدو «جماعة الألبان» مؤهّلة بالفعل للقيام بدور «الجسر»، غير أن مصدراً «جهادياً» منشقاً عن «النصرة» يضع الأمر في إطار مختلف. يقول المصدر، لـ«الأخبار»، إن «المسألة لا تعدو كونها واحدة من ألاعيب الجولاني، الذي دأب على استغلال الجميع لخدمة مصالحه». ويرى المصدر أيضاً أن «الجولاني يستغلّ الشيخ الألباني لتبييض صفحته، لكنه لن يلبث طويلاً قبل أن ينقلب عليه».

المسرح والقدرات
تنشط النواة الصلبة لـ«جماعة الألبان» أساساً في مرتفعات كباني في ريف اللاذقية الشمالي. ويتمحور النشاط الأساسي لهذه النواة حول عمليات القنص والرصد. وتوضح مقاطع دعائية عدّة نشرتها الجماعة امتلاك أفرادها قدرات هامة على هذا الصعيد. ويرجح خبراء اطلعوا على تلك المقاطع، أن يكون عدد من أفراد الجماعة قد وفدوا إلى عوالم «الجهاد» من خلفيات عسكرية. علاوة على النواة الصلبة، تؤكد معلومات «الأخبار» وجود عدد من «جهاديّي البلقان» على بعض «نقاط الرباط» التابعة لـ«هيئة تحرير الشام» في محافظة إدلب، مع الإشارة إلى أن هؤلاء يأتمرون مباشرة بـ«أميرهم» أبو قتادة. إلى ذلك، يعكس النشاط الإعلامي للجماعة تنامي قدراتها «الفنية»، عبر أشرطة مصوّرة عالية الجودة، وخاضعة لعمليات مونتاج وتأثيرات احترافية.