السقف بين المقاومة وإسرائيل صار أكثر ارتفاعاً من ذي قبل. لم يعد الحديث عن تدمير مبانٍ مقابل مبنى، أو مطار مقابل مطار، بل انتقل إلى العيار الأثقل في العقل الإسرائيلي: «تحرير الجليل». تحدٍّ جديد وضعه الأمين العام لحزب الله أمسيوم 16 شباط 2010، وضع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله معادلة «مطار بن غوريون مقابل مطار رفيق الحريري. وكل مبنى تدمره إسرائيل في الضاحية الجنوبية لبيروت، سيقابله تدمير مبانٍ في تل أبيب». أما في 16 شباط 2011، فرفع نصر الله سقف التحدي في وجه إسرائيل، مؤكداً جهوزية المقاومة لتحرير الجليل فيما لو شنت الدولة العبرية حرباً على لبنان.
كلام نصر الله في مهرجان ذكرى «القادة الشهداء، الشيخ راغب حرب والسيد عباس الموسوي والحاج عماد مغنية» في الضاحية الجنوبية كان رداً على قول وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، قبل يومين، لجنوده أن يستعدوا لأن حكومتهم قد تطلب منهم دخول الأراضي اللبنانية مجدداً فيما لو اندلعت حرب جديدة. وقال نصر الله: «سأستعمل أدبيات باراك نفسها. إنني في ذكرى السيد عباس والشيخ راغب والحاج عماد أقول لمجاهدي المقاومة الإسلامية: كونوا مستعدين ليومٍ إذا فُرضت فيه الحرب على لبنان قد تطلب منكم قيادة المقاومة السيطرة على الجليل، يعني بتعبير آخر، تحرير الجليل».
وأكد نصر الله أن قرار الرد على عملية اغتيال القائد الجهادي في المقاومة، عماد مغنية، «لا يزال هو هو، وهذا قرار سينفذ إن شاء الله وفي الوقت المناسب وضمن الهدف المناسب. وأقول للقادة والجنرالات الصهاينة: حيثما ذهبتم في العالم وإلى أي مكان في العالم وفي أي زمان يجب دائماً أن تتحسسوا رؤوسكم؛ لأن دم عماد مغنية لن يذهب هدراً».
وخصص الأمين العام لحزب الله جزءاً من خطابه أمس للتطورات في المنطقة، وبالتحديد لسقوط نظام حسني مبارك في مصر، وهو ما رأى فيه تداعياً «للمنظومة الأميركية. هذه المنظومة التي أقيمت من خلال مجموعة من الأنظمة الديكتاتورية التي تحكم شعوبها بالحديد والنار (...) بهدف حماية المصالح الحيوية لأميركا (...) وفي قلبها إسرائيل».
ورأى نصر الله أن «الضربة الأقوى لمشروع الممانعة والمقاومة كانت دخول النظام المصري في اتفاقية كامب ديفيد (...) والحدث الأضخم والأهم في هذه الأشهر القليلة هو ما حصل في 11 شباط الجاري، إذ إن نظاماً آخر من المنظومة الأميركية سقط وهوى بإرادة الشعب».
والانعكاس الأهم لما جرى في مصر، بحسب نصر الله، هو على إسرائيل، التي تحدث رئيس وزرائها بنيامين «نتنياهو عن زلزال لا يعرف نتائجه، ومعه حق، لأنّ كل أجهزة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية والعالمية تفاجأت بما جرى في تونس وما جرى في مصر وبما يجري في المنطقة. الخاسر الأكبر من التطورات والتحولات في المنطقة، بلا شك، هو أميركا وإسرائيل والمنظومة الأميركية».
وتحدّث نصر الله عن «حالة الهلع» في إسرائيل التي بدأت «إعادة النظر بالاستراتيجيات التي بنتها خلال السنوات الثلاثين الماضية على قاعدة أنّ الجبهة الجنوبية (لفلسطين) هي جبهة آمنة وهادئة، وأن ّعلى الجانب الآخر من الحدود هناك حليف استراتيجي قوي وراسخ (...ولهذا السبب)، نُقل الكثير من المطارات والقواعد العسكرية من الشمال والوسط إلى جنوب فلسطين المحتلة».
ورأى نصر الله أن ما جرى في مصر هو «بالنسبة إلى الإسرائيلي تحول كبير جداً. وحتى لو لم تحارب مصر، الأوضاع المستجدة ستكون دائماً مدعاة قلق للعدو الإسرائيلي، وسيكون خائفاً من تحولات مفاجئة وبعيدة عن الحسابات في مصر كما حصل في موضوع إسقاط النظام».
ثم انتقل نصر الله إلى الأوضاع اللبنانية الداخلية، واضعاً للمرحلة المقبلة عنواناً هو «الغزو السياسي الأميركي». وأشار إلى أن الخلاف الوطني ليس على سلاح المقاومة، بل على خيار المقاومة، لافتاً إلى أن حزب الله «قدم تنازلاً كبيراً لمصلحة لمّ البلد عندما قبِل بالذهاب إلى طاولة الحوار»، مؤكداً الاستعداد للاستمرار فيه. وتوجه إلى قوى 14 آذار بالقول إن «الإصرار على خوض معركة (سلاح المقاومة) أو تحويلها إلى واحد من عنوانين أو ثلاثة عناوين للمعارضة الجديدة هو إصرار على خوض معركة خاسرة».
وعن المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، طرح نصر الله جملة من الأسئلة المتصلة بمسار عمل هذه المحكمة، لناحية «ابتلائها» بالشهود الزور والفساد وأخذها التحقيق في مسار واحد وإهمالها الاحتمالات الأخرى، فضلاً عن «كيفية تهريب» إقرار نظامها الأساسي. وخاطب قوى 14 آذار بالقول: «تريدون أن تكملوا بهذه المحكمة الدولية؟ أنتم أحرار. إذا كان في رأيكم هذا الأمر يوصل إلى الحقيقة، إذا كان ما سيعلنه القرار الاتهامي أو المحاكمات الغيابية هو الحقيقة، فتصرفوا على ضوء هذه الحقيقة، ونحن في المقابل سنتصرف على ضوء ما نعرف حكماً أنه تزوير وأنه ظلم، لكن بكل صدق ليس هذا هو المسار الموصل إلى الحقيقة والمحقق للعدالة».
وتطرق نصر الله إلى «اعتراف» قوى 14 آذار باقتراف أخطاء في المرحلة الماضية، مبدياً أسفه لأن «الأخطاء التي يتحدثون عنها ليست هي الأخطاء التي ارتكبوها». ومتهكماً على قول الرئيس سعد الحريري إنه لن يتخلى عن جذوره، قال نصر الله إنه «يجب أن نعود إلى الجذور لنكتشف الأخطاء الحقيقية، وأول هذه الأخطاء وأكبرها هو أن نرهن مصير لبنان بمصير السياسات الأميركية في المنطقة». فما جرى في لبنان هو «نتيجة لما تعرض له المشروع الكبير في المنطقة، هذا الفريق (14 آذار) كان جزءاً من المشروع الأميركي» الذي «كان هاجماً في أفغانستان وفي العراق وعلى سوريا وإيران ولبنان وعلى الفلسطينيين في غزة».
واتهم نصر الله فريق 14 آذار بالكذب «على نفسه وعلى العالم وعلى جمهوره»، وبأنه يستهدف مقام رئاسة الحكومة من خلال اتهام الرئيس نجيب ميقاتي بأنه تابع لحزب الله، وبأن حزب الله يؤلف الحكومة، بينما «الرئيس ميقاتي يتحدث مع حزب الله كما يتحدث مع رؤساء الكتل النيابية الأخرى والقوى السياسية الأخرى وأن الرجل يملك قراره، ويقول نعم وكلا، وهذه أقبل بها وهذه لا أقبل بها». ووجه نصر الله انتقاداً لاذعاً إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، من دون أن يسميه، متهماً إياه بمحاولة إدارة البلد على «طريقة الأمراء»، وبتمضية وقته مسافراً من بلد إلى آخر.
وتشكك الأمين العام لحزب الله في معظم ما يُقال بشأن العقد التي تحول دون تأليف الرئيس نجيب ميقاتي لحكومته، رابطاً بين التأخير في تأليف الحكومة وكون «الفريق الآخر لم يحسم خياره بعد»، وإذا حُسمت هذه النقطة «فعلى الكتل النيابية والقوى السياسية التي أيدت تكليف دولة الرئيس نجيب ميقاتي أن تشد همتها خلال الفترة القليلة المقبلة»، مؤكداً الحرص على«حكومة وحدة وطنية».

إسرائيل ترد على نصر الله

في خطوة لافتة، قررت إسرائيل أمس الخروج عن سياسة عدم التعليق التي تعتمدها منذ فترة حيال تهديدات الأمين العام لحزب الله الموجهة إليها. وفي ما يمكن عدّه إشارة إلى حجم الوقع الذي أحدثه خطاب نصر الله، جاء الرد الإسرائيلي على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو نفسه، الذي كان يتحدث أمام مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية في أميركا الشمالية المنعقد في القدس. وخلال كلمته التي كان يلقيها باللغة الإنكليزية، انتقل نتنياهو بنحو مفاجئ إلى اللغة العبرية وقال: «لقد أعلن نصر الله اليوم أنه سيحتل الجليل، وأنا لدي أخبار له: لن يقدر (على ذلك)». ووسط تصفيق الحضور تابع نتنياهو: «على كل من يختبئ في الحصن تحت الأرض أن يبقى هناك»، مضيفاً: «لا ينبغي لأحد أن يشك بقوة إسرائيل أو بقدرتنا على الدفاع عن أنفسنا. لدينا جيش قوي. وجهتنا السلام مع كل جيراننا».
وأولت وسائل الإعلام الإسرائيلية خطاب نصر الله أهمية كبيرة وبادرت محطات التلفزة إلى نقل الأجزاء التي تضمنت التهديدات بعد دقائق من إطلاقها. وتناوب المعلقون الإسرائيليون على تحليل مضامين الخطاب، فرأى معلق الشؤون العربية في القناة الثانية، إيهود يعاري، أن السؤال الآن ليس «أي جزء من أي دولة عربية ستحتل إسرائيل في الحرب المقبلة؟ بل أي جزء من إسرائيل يمكن أن يُحتل من قوة عربية ـــــ حماس في النقب، حزب الله في الجليل ـــــ في الحرب المقبلة». ولفت يعاري إلى أن نصر الله «استخدم كلمة سيطرة، لا احتلال الجليل الذي يتطلب قوات برية، أي إنه يهدد بالسيطرة على الجليل بواسطة القوة الصاروخية التي سيستخدمها ضد مراكز القيادة والسيطرة وقواعد سلاح الجو». من جهته، رأى معلق الشؤون العسكرية في القناة العاشرة، ألون بن دافيد، أن ما يمكن أن يحصل هو «أن هناك وحدات خاصة أقامها حزب الله، هدفها أن تنفذ اختراقات في وقت الحرب إلى العمق الإسرائيلي».