أوضح سعد الحريري، من خلف شاشته الإلكترونية، ما سبق أن أعلنه عبر خطابه المتلفز في الاحتفال الذي أشكلت مناسبته على الجميع، حين قال إنه يريد إسقاط النظام. انطلاقاً من لحظتها، حتى يوم الانتخابات، وكل يوم، يجب العمل على إسقاط النظام. ثم عاد بالأمس ليوضح أيّ نظام يريد إسقاطه.
الحريري، بالأمس، تحدث باقتضاب عبر تويتر عن أربع نقاط: «نتحلى بالإيمان»، «سننتصر لأننا على حق»، «حياة المواطنين لا ينبغي أن تكون جزءاً من صفقات المسؤولين الشخصية، كما هي الحال مع هذه الحكومة»، «الدعوة هي الى إسقاط نظام سلاح الوصاية والفساد والاغتيال والتسلط». ومع هذه النقاط الأربع، المكثفة، بات ينبغي مناقشة مفهوم الحريري الشاب للسياسة في لبنان وممارسته وممارسة تياره، من النقطة الصفر.
«التحلي بالإيمان» و«الانتصار لأننا على حق» ربما لا ينبغي الخوض فيهما طويلاً، إذ لم يبدُ الإيمان عليه يوماً بما يقوم به من فعل سياسي، فهو من حشد آلاف المقاتلين من شمال لبنان عامي 2007 و2008، وحين وقعت الواقعة لم يظهر أي تمسك بإيمانه، ولا بأحقية قضيته، وكذلك الأمر حين خسر رئاسة حكومته، إذ بدا حجم الإحباط على وجهه وهو يلتقي رئيس الحكومة المكلف حينها نجيب ميقاتي.
ولا داعي إلى استذكار مدى الإيمان الذي يتحلى به، وهو من غادر لبنان منذ أكثر من عام من دون أن يعود، متذرعاً حيناً بأسباب أمنية، وحيناً بأسباب سياسية، وفي كل الأحوال فهو ترك طائفته وعشيرته وتابعيه وحدهم ليواجهوا مصيرهم في إحباطاتهم اليومية مقابل من يحسبون أنهم حققوا انتصارات عليهم.
أما حياة المواطنين والتعامل الحكومي معها، فتمسك الشاب بمشروع والده هو بالضبط عكس ما عبّر عنه، فهو يعلم أن ما قام به والده هو تطبيق وصفات غربية أدت اليوم الى وقوع الغرب نفسه في الإفلاس، وأدت الى تغير المزاج الانتخابي في فرنسا واليونان، وليس من دون اضطرابات في الشارع وخراب في الاقتصاد، وما أضافه مؤسس المشروع على الوصفات الجاهزة التي فرض على البلاد تناولها هو بالضبط أن حياة المواطنين هي جزء من صفقات المسؤولين ورجال الأعمال الكبار. أما إذا لم يكن يعلم، فتلك مصيبة أخرى.
أما الدعوة الى إسقاط نظام «سلاح الوصاية والفساد والاغتيال والتسلط»، فلا جديد فيها، إذ إنها بحسب منطقه تشير الى حزب الله، وهو يدعو على نحو غير مباشر الى إسقاطه، وحين يشير الحريري الى حزب الله، فإنه يضع نفسه في مواجهة الطائفة الشيعية، ويحاول إسقاط مكاسب هذه الطائفة في السلطة، ليحصل هو على المزيد من المكاسب باسم طائفته.
استخدام الحريري تعبير إسقاط النظام ينمّ عن جهل، فهو شخصياً، بما ورثه، وهو بصفته التي تمكنه من الخروج على الناس، وهو بصفته التي تسمح له حتى بالاستمرار في الاسترزاق، ليس أكثر من مستفيد من النظام القائم في لبنان حالياً، وكما هو، بتقسيماته، وبموقع الآخر الذي يعترض عليه، أي موقع الطائفة الشيعية في هذا النظام هو ما يسمح له بالاستمرار في الوجود سياسياً.
محاولة إسقاط النظام الحالي تعني تلقائياً إلغاء خريطة التمثيل السياسي القائمة حالياً، وبالتالي ليس من الضرورة أن يجد لنفسه ولمصالحه، ولمصالح عشيرته السياسية وموظفيه أي موطئ قدم في النظام الجديد، هذا إذا لم تنتج دعوات مشابهة صراعات دموية كالتي جرت في العراق أو التي تجري حالياً في ليبيا وسوريا.
لا شك في أن الحريري وطاقمه السياسي يرغبان في إظهار صورة المترفع عن المصالح المباشرة، وهما يتحدثان عن موقعها الوطني ويطرحان، كما سبق أن فعلا، شعارات يفترضان أنها إصلاحية، كنزع السلاح وتحييد الدولة، وإعطائها صلاحية مطلقة في إدارة شؤون البلاد، إلا أن ما يحكى في العلن لا يعكس ما يحصل في الواقع، ففي السر المشاع تمثّل هذه المجموعة الطائفية، تماماً كما غيرها، جزءاً كبيراً من السنّة، وتعمل على احتكار مقدرات البلاد، وتفكيك الدولة لمصلحة مجموعة من الشركات. وبالتالي فإن سعد الحريري يأكل في السر، لكنه يسمن في العلن (بحسب تعبير زياد الرحباني).
الشاب الذي يتنقل في طائرات خاصة منذ نعومة أظفاره اكتشف الثورة، وإن كان قد تأخر في إعلان تأييده للثورة السورية فليس مرد ذلك بطئاً في الفهم، كما يقول البعض، بل انتظاراً لتلمس إمكان استثمارها في مصالحه المباشرة، وهو مع إيجابيته في مد يده الى الآخرين، كحزب الله وغيره من أطراف قوى الثامن من آذار، إلا أنه، كـ «ثوري محدث»، يرفض مد اليد من دون أن يؤكد أنه يريد إلغاء الآخرين.
الحريري الثوري يريد الثورة، لكنه لا يعلم كم تكلّف من الدماء.
لو أراد سعد إسقاط النظام، فعليه بالقفز ورفاقه من طائراتهم الخاصة فوق جبال الألب، لا الضرب على الصدر وإعلان تحمل مسؤولية عما لا ناقة له فيه ولا جمل.