The Observer لم ترَ محرقة أطفال فلسطين


في الذكرى السنوية الأولى لعملية «طوفان الأقصى» وما تبعها من إبادة ممنهجة للفلسطينيين وتدمير شامل لقطاع غزة، اختارت صحيفة The Observer البريطانية المملوكة من مجموعة «الغارديان» تلميع صورة اسرائيل وجرائمها ضد الإنسانية ولو على حساب الطفولة، عبر التشكيك بالقتل الجماعي للأطفال الفلسطينيين.
في مقال بعنوان «لقد أثارت حكايات قتل الأطفال كراهيةً اليهود لقرون من الزمان. ولا تزال تتردد أصداؤها حتى يومنا هذا»، شبّه الروائي البريطاني هوارد جاكوبسون- الفائز بجائزة «بوكر» عن روايته The Finkler Question- قتل الأطفال الفلسطينيين بالحكايات والخرافات. تفوّق جاكوبسون على كلّ مروّجي السردية الصهيونية في الإنحطاط وتكذيب الحقائق، التي لا تحتاج إلى إثباتات ولا إلى لجان تقصّي حقائق طالما أن الإبادة متاحة للمشاهدة بشكل مباشر وعبر البث الحي. كل ما شاهده العالم بالعين المجرّدة، مجرد خرافات وأوهام. حتى أرقام الأمم المتحدة التي تتحدث عن مقتل أكثر من ١٧ ألف طفل فلسطيني منذ السابع من تشرين الأول المنصرم، لا قيمة لها ولا يعتد بها.
يحاول جاكوبسون تسخير التاريخ لتبرير الجريمة، واضفاء طابع علمي ومنطقي على مقاله الذي يشرعن تصفية الأطفال. يبدأ الكاتب مقاله بالتذكير بوضع كنيسة انكلترا لوحة في «كاتدرائية لينكولن » عام ١٩٥٥ تعتذر فيها عن الأذى الذي تسبّبت فيه لليهود من خلال اتهامهم بقتل طفل عام ١٢٥٥ في إطار ممارستهم لطقوس دينية. ويستطرد بالقول «إن قيام اليهود عادةً بقتل الأطفال غير اليهود من أجل الحصول على الدم الذي يصنعون به عيد الفصح، كان خرافة شائعة في جميع أنحاء بريطانيا وأوروبا في العصور الوسطى. هذه الخيالات كلفت العديد من اليهود الأبرياء حياتهم ».


منطق جاكوبسون واضح. اتُّهم اليهود ظلماً في السابق بقتل الأطفال. إذا، فإنّ اتهامهم بقتل الأطفال الفلسطينيين اتهام ظالم أيضاً، لا بل تشجيع على «قتل اليهود ». لم يكتف بتبرير الجريمة بل عكس المنطق وحوّل القاتل الى ضحية مهددة بالقتل بسبب هذه «الخيالات ».
يتأسّى الكاتب على مظلومية «اليهود» الذين لا يمكن أن يحلموا حتى بارتكاب أفعال مماثلة. ووفقاً له، «من البغيض أن تُتّهم بما لم تفعله، ولكن الأسوأ من ذلك أن تُتهم بما لم تحلم أبداً بفعله وما لا يمكنك تحمل رؤيته يحدث». ويستنكر «نقل تلفزيوناتنا ليلةً بعد ليلة قصة الحرب في غزة من خلال موت الأطفال الفلسطينيين. ليلة بعد ليلة، سرد لأعداد القتلى. ليلة بعد ليلة، لقطات لا تُطاق من عذاب آبائهم ». فهذه التغطية برأيه تعيد إلى الأذهان «نفس جرائم قتل الأطفال التي كانت محفورة في خيال المسيحيين في العصور الوسطى».
لا يشبع جاكوبسون. لا بل يسعى لوضع كل طاقاته الفكرية لنكران محرقة الأطفال في غزة. ويسأل بخبث، محاولاً استجلاب المنطق: «كيف تتمكن إسرائيل من استهداف الأطفال الأبرياء بهذه الدقة القاتلة، ولن يستطيع أحد أن يخبرك بذلك. واسأل لماذا يريدون استهداف الأطفال الأبرياء وجعل أنفسهم محتقرين بين أمم الأرض، ولن يستطيع أحد أن يخبرك بذلك أيضاً. إنّ الكراهية على هذا النطاق لا تبحث عن تفسير عقلاني. إنها تتغذى على الخرافات التي غذتها في المرة الماضية».
قتل الأطفال الفلسطينيين ليس فقط خيالات بحسب جاكوبسون، بل أيضاً دعاية وبروباغندا. «أنا لا أقلل من شأن المأساة التي حلّت بالأطفال الفلسطينيين. ولكن عندما يصبح التلفزيون نادباً آخر عند قبورهم، فقد يبدو الأمر أشبه بالدعاية وليس بالأخبار. فقط قارن بين التقارير الواردة من غزة والتقارير الواردة من أوكرانيا. لقد سقطت القنابل هناك أيضاً، ولكن كم مرة كان دفن الأطفال الأوكرانيين هو الخبر الرئيسي؟».
ولأنّ مقالاً مماثلاً يحتاج إلى مؤثرات اضافية تعزز من شكوك القارئ بأن قتل الأطفال الفلسطينيين خرافة وخيالات، اختارت الصحيفة صورةً للمقال (الصورة) عبارة عن دمية ملطّخة بالدماء. نحن مجرد خرافات ودمى!


الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي