زيادة الـ TVA إلى 16% وخفض فاتورة أجور العسكريين

السطو على الأملاك العامة وإبراء ذمّة «المركزي»

في أيلول الماضي، أنجز الصهيوني كارلوس عبادي، المستشار المكلّف من جمعية المصارف، ما سمّاه «خطّة جمعية المصارف للتعافي الاقتصادي». الخطّة عبارة عن 86 صفحة تتضمن فصلين ممّا سمّاه «إصلاحات»: إصلاحات ذات أولوية يجب إطلاقها ضمن الـ 100 يوم الأولى من الحكومة الجديدة، وإصلاحات أخرى ضمن رؤية متوسطة ــــ طويلة المدى.
في الواقع، وردت في خطّة عبادي ــــ جمعية المصارف، كلمة «إصلاح» أكثر من 210 مرّات غالبيتها يتعلق بما لا يقع ضمن نطاق المصارف نهائياً. المقصود بهذه الكلمة، تمويه الأفعال الحقيقية التي قامت بها المصارف في إطار من الإنكار لدورها ومسؤولياتها عن الانهيار وتبديد الودائع، ثم الانخراط مع مصرف لبنان في تقييد السحوبات والتحويلات بشكل غير شرعي واستنسابي، والمشاركة في لعبة تعددية أسعار الصرف، وفي تضخيم الأسعار المتعمّد، والكثير من الألاعيب الأخرى لتحافظ على رساميلها من الذوبان والتهرّب من تغطية الخسائر المتحققة في ميزانياتها.

(مروان بو حيدر)

صمّم عبادي والمصارف خطّتهم لإلقاء اللوم على قرار حكومة حسان دياب بالتوقف عن سداد سندات اليوروبوندز في آذار 2020، ولترسم مسار عمل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في تحديد ما تعتبره «أولويات». والهدف وراء هذه الخطّة واضح للعيان؛ أن تتمكن المصارف من النهوض مجدداً من دون أن تدفع الفاتورة المستحقّة عليها. فكل ما ورد عن المصارف أتى في الجزء الثاني من فصل «الإصلاحات» بعد سلسلة طويلة من التنظير عن إصلاح: القطاع الزراعي، الصناعي، الاتصالات، البناء، الصحة، العمالة، القطاع غير النظامي، الأعمال، التعليم، المياه، السياحة والصرف الصحي... ثم المصارف. ما ورد عن إعادة هيكلة المصارف يحتمل التهديد إلى جانب استدرار الشفقة والتنصّل من المسؤولية، وإلقاءها على مصرف لبنان والدولة. فالمصارف «هي المقرض الأساسي للدولة، ويمكنها أن تتضرّر كثيراً إذا لم تُقَد عملية إعادة هيكلة الدين العام بطريقة تسمح لها بالحياة والانطلاق مجدداً». ثم تشير الخطّة إلى أنه يجب درس عملية إعادة رسملة المصارف «حالة بحالة»، وتستذكر أن المصارف كان لها يوماً ما دور كبير في «مكافحة تبييض الأموال والإرهاب» ويمكنها أن تمارس المزيد من «الشفافية». لوم الدولة هو على رأس لائحة توزيع الخسائر: «المصارف تلقت ضربة قاسية من التوقف عن الدفع، ومن عواقب أزمة السيولة في ودائعها مع مصرف لبنان»، لذا تقترح المصارف إعادة رسملة المصارف القابلة للحياة، أو دمج الأضعف، والانسجام أكثر مع النظام العالمي. ويتطلب الأمر عبارتين فقط: خطة عمل وخطّة رسملة.
رواية المصارف عن الأزمة تبدأ يوم إعلان حكومة حسان دياب التوقف عن سداد سندات اليوروبوندز في آذار 2020. في البدء، تقول المصارف «كان الاقتصاد اللبناني بالفعل في أزمة قبل التخلّف عن سداد الديون السيادية في آذار 2020»، لكن سرعان ما تحوّل هذا الإقرار إلى اتجاه سياسي لتحميل المسؤولية لحكومة دياب، إذ تشير إلى أن هذا التوقف عن الدفع «أدّى إلى تضخيم العواقب الاجتماعية والاقتصادية للاختلالات الكلية التي سبقت». وتحدّد المصارف شروط التعافي بجملة إجراءات تتعلق بإصلاحات يجب أن تقوم بها حكومة ميقاتي خلال الـ 100 يوم الأولى من عمرها تتضمن: التفاوض مع صندوق النقد الدولي، إطلاق إعادة إعمار مرفأ بيروت، تشريعات لمكافحة الفساد، إصلاح الجمارك، تجديد كهرباء لبنان، ردم فجوة البنية التحتية، شبكة أمان اجتماعي، إصلاح المالية العامة بشقَّي النفقات والإيرادات، التفاوض مع الدائنين وتكوين ملاءة مصرف لبنان.
ترفض المصارف توحيد أسعار الصرف بشكل فجائي ليتاح لها تهديد المودعين بما تبقى من أموالهم في حيازتها


هذه هي «الإصلاحات» التي يجب أن تتم قبل الانتخابات النيابية المقبلة، كما تقول المصارف. بعض البنود الواردة ضمن ما سمّته «إصلاحات» هو لزوم ما لا يلزم كونه مجرّد دروس نظرية لا قيمة علمية لها، مثل الكابيتال كونترول الذي يأتي بعد سنتين من الانهيار قامت خلاله المصارف بفرض قيود استنسابية ــــ فاسدة على الزبائن. لكنّ هناك بنوداً أكثر خطورة على المجتمع والاقتصاد طالما أنها تأتي من جهة لا تجد إحراجاً في القول إنها تعمل من أجل إحياء نفسها «والانطلاق مجدداً»، وإعادة إنتاج مؤسسات مصرفية ببنية ملكية معروفة ومحدّدة مسبقاً وبتطويع المجتمع في خدمتها مجدداً.
المصارف تريد إعادة هيكلة للدين العام لا تتضمن إعادة هيكلة الدين بالليرة اللبنانية كونها ما زالت تحقق منه أرباحاً لأن الدولة تدفع فوائد سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، ولا تريد توحيد أسعار الصرف بشكل فجائي، بل أن يكون على مدى 18 شهراً حتى يتاح لها تهديد المودعين بما تبقى من أموالهم في حيازتها، وأن تزيد احتمالات المضاربة على الليرة في هذه الفترة الطويلة. كذلك تقترح المصارف «إصلاح» إيرادات الدولة من خلال زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 11% حالياً إلى 16% وإلغاء بعض الإعفاءات، وفي المقابل تقترح زيادة الضريبة على الفوائد من 10% إلى 12% رغم أنه بعد إعادة هيكلة الدين العام ستكون هذه الفوائد عبارة عن قشور مقابل العمولات التي تحصّلها حالياً من حسابات الزبائن بالدولار الحقيقي. سرقة دولارات الزبائن متواصلة. حالياً كل عملية تحويل للدولارات الحقيقية إلى الخارج تكلّف 5 دولارات على الأقل، حتى لو كانت لتمويل اشتراك «نيتفليكس» بقيمة 11 دولاراً.
وفي مجال إعادة هيكلة الدين العام، أيضاً تقترح المصارف «تأسيس المؤسسة اللبنانية للاستثمار كشركة لبنانية ش.م.ل. (LIC) من شأنها أن تجمع أصول الدولة. ستبقى الدولة هي المالكة للأصول، لكن LIC ستكون مسؤولة عن إدارتها لتعظيم سيولتها لإبراء ذمّة مصرف لبنان من جميع مطالبات القانون اللبناني المرفوعة ضد الحكومة اللبنانية.
وستكون هذه العملية على النحو الآتي: إصدار 100% من الأسهم العادية لشركة LIC إلى الحكومة اللبنانية مقابل ملكيات لبنان من شركات وعقارات وأراض ساحلية... وإصدار 100% من الأسهم الممتازة التي لا تتضمّن حقّ التصويت من الشركة لمصرف لبنان مقابل إبراء الذمّة الكاملة والنهائية لجميع دعاوى القانون اللبناني ضدّ لبنان التي يحتفظ بها مصرف لبنان».
وفي باب «إصلاح» النفقات، تقترح خطّة عبادي ــــ المصارف: إلغاء كل أنواع الدعم، خفض فاتورة الأجور في القطاع العام، خفض عدد العاملين في المؤسسات العسكرية، مراجعة وخفض كلفة نظام التقاعد للعسكريين ومراجعة شاملة للإنفاق عبر الإدارات العامة وكل الشركات المملوكة من الدولة بنسبة لا تقلّ عن 0.55 من الناتج المحلي الإجمالي.
اقتراح المصارف واضح؛ أعطونا كل شيء وخذوا تضخّم الأسعار وتعددية أسعار الصرف والزيادات الضريبية. باختصار، المصارف لا تزال ترى نفسها جهة مؤهّلة لقيادة لبنان بالتحالف مع قوى السلطة، كما اعتادت منذ عقود. فالنظام المالي في لبنان كان عبارة عن «جمهورية التجّار» بحماية «النخب الحاكمة» التي يصفها الباحث هشام صفي الدين بأنها «دولة المصارف» التي كانت لها أداة أساسية: المصرف المركزي. وهذا المصرف كان دائماً في خدمة مصالح القلّة المالية الحاكمة. اليوم، تعيد جمعية المصارف التذكير بأن إعادة إنتاج النظام المالي بعد انهياره على يديها، يجب أن يكون على الصورة السابقة نفسها: المجتمع في خدمة مصالح القلّة الحاكمة.