خديعة «الأنموذج السنغافوري»... مجدداً
تقدم الخطة أيضاً مقارنة سطحية بين التحول الاقتصادي المفترض في فلسطين وبين دول ذات تجارب تحول ناجح، مستحضرة في هذا الإطار الأنموذج السنغافوري الذي ارتبط في الذهن الفلسطيني بـ«اتفاق أوسلو» السيّئ الذكر، وذلك عندما قُدّم الاتفاق إلى الفلسطينيين تحت عنوان: «سنحيل غزة إلى سنغافورة الشرق الأوسط»، وهو ما لم يحدث طبعاً، بل على العكس تماماً. كذلك، تذكر «رؤيا» مستشار وصهر دونالد ترامب بنداً يتضمن تقديم نحو 400 مليون دولار، «100 منها على شكل منح، و300 كقروض ميسرة»، في إطار تمويل المشاريع الصغيرة والمبادرات الفردية والشركات الناشئة، وهي تجربة سيئة طبّقها رئيس الوزراء الأسبق، سلام فياض، الذي يصفه الفلسطينيون بأنه «سليل صندوق النقد الدولي»، الذي رهن جميع الأنشطة الاقتصادية لجهات الإقراض والتمويل، وهو ما بدا جلياً في الأنشطة التجارية والأهلية في الضفة المحتلة بعد 2007، ولا يزال أهلها يعانون تبعاته إلى اليوم بصفتهم مدينين على المدى البعيد.
أكثر من ذلك، تَعد الخطة بمشروع لتدشين سكة حديد تربط «الأراضي الفلسطينية» بعضها ببعض، وفي ما بين الدول المجاورة أيضاً. لكن تفاصيل السكة لم تناقش إمكانية الإنشاء أصلاً في كل من سوريا ولبنان وحتى الأردن، وهل يمكن أن توافق هذه الدول بالفعل عليها، خاصة في ظلّ انعدام العلاقات بين كلّ من سوريا ولبنان والعدو، وقبل هذا آلية ربط الضفة بغزة. ومن جهة أخرى، ترصد الخطة نحو 900 مليون دولار ـــ على مدى عشر سنوات ـــ لتطوير البنى التحتية في مناطق الوجود الفلسطيني، بينما تتناسى أن خسائر غزة جراء الحرب الإسرائيلية الأخيرة فقط، في تموز/ يوليو 2014، فاقت خمسة مليارات دولار، طبقاً للتقرير الذي أعدّه كل من «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة» (أوتشا)، ومؤسسة «شيلتر كلستر» التي تراقب إعادة الإعمار، و«البنك الدولي»، وكان قد صدر في أيار/ مايو 2016.
بعد كل هذا، يتجاهل كوشنر في خطته العشرية ربط تنمية السياحة الفلسطينية وترويجها بالتاريخ الفلسطيني الممتد وارتباطه بأديان عديدة، من خلال المسجد الأقصى وقبة الصخرة والمسجد الإبراهيمي وكنيستَي المهد والقيامة، وحتى قصر هشام بن عبد الملك وخان العمدان وضريح الباب وحدائق البهائيين، ليذهب إلى ربطها بمحال «الآيس كريم» والكنافة النابلسية، إضافة إلى بعض الأطباق الشرقية التي يقدمها المطبخ الفلسطيني، ما يعدّ تسويقاً فاشلاً للسياحة في زمن طغت فيه العولمة وعبور الحدود. أياً يكن، وحتى من دون الخوض في مفاهيم التمسك بالمبادئ والتشبث بالأرض، هل يمكن أن تُسيل مثل هذه الخطة الهزلية لعاب الفلسطينيين، وتدفعهم إلى قبولها، و«أوسلو» سبق أن وعدهم بما هو أفضل منها؟ بل هل يعقل أن تقدَّم «رؤية» مثلها في ظلّ معايشة معظم الأجيال الفلسطينية الحية لوعود «أوسلو»، ومشاهدتها نتائجه بالعيان؟