سيظلّ عام 2018 مفصليّاً على مستوى حرية التعبير في لبنان، حيث شهد هذا العام ارتفاعاً ملحوظاً في نسبة التوقيفات على خلفية منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. بدا مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية (تأسس عام 2006) متفرّغاً لما يُكتب على الصفحات الشخصية على «فايسبوك» و«تويتر» أو حتى في بعض الحالات للصور الشخصيّة على «واتسآب»، حتى وصلت نسبة القضايا المرفوعة، على خلفية النشر على السوشل ميديا، إلى 41 قضية، مقابل تسع قضايا عام 2017 (بحسب إحصاء منظمة SMEX). هذا العام، بدا «مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية»، أكثر من أي وقتٍ مضى، ذراعاً أمنية للسلطات السياسية في حين، والدينية في حين آخر. وكان لـ«العهد»، أي فريق رئيس الجمهورية ووزير الخارجية جبران باسيل على وجه الخصوص، الحصة الأكبر من الشكاوى المقدَّمة ضدّ منشورات تتضمّن انتقادات أو سخرية.
وصل نشاط المكتب المؤسَّس خلافاً للقانون والذي لا يزال يتعافى من فضيحة رئيسته السابقة سوزان الحاج، إلى ذروته خلال أشهر الصيف، ولا سيما في قضية «المسّ بالأديان» التي جرى على أثرها استدعاء شربل خوري والزميلة جوي سليم إلى التحقيق بعد شكوى تقدَّم بها «المركز الكاثوليكي للإعلام». لكن يبدو أن القضايا المُماثلة خفتت في الأشهر الماضية، أو لعلّ باسيل انشغل بضغط تأليف الحكومة، فانصرف عن «تأديب» ناقديه!
الأدهى، بحسب منظمة SMEX، أنه يصعب حتى الآن الوصول إلى حصيلة نهائيّة للتوقيفات والأحكام التي جرت على خلفية النشر الإلكتروني، بعدما اتّضح أنّ عمل «مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية» محصور بشكل أساسي ببيروت وضواحيها فقط. فعلى سبيل المثال، حين يُستدعى أحدهم في قرية نائية للتحقيق على خلفية منشور ما، يتمّ اقتياده إلى أقرب مخفر أو مؤسسة أمنية في القضاء الذي يقطن فيه، ما يعني أن قضايا عدة من هذا النوع لم تُسجّل رسمياً من الأساس.
أغلب الاستدعاءات التي قام بها «مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية» انتهت بتوقيع المُستدعى على تعهّد غير قانوني بحذف المنشور وعدم «تكرار فعلته» مجدداً. وفي قضية شربل خوري، طُلب منه، في إجراء غير مسبوق، إقفال حسابه على «فايسبوك» مدة شهر، ما بدا أشبه بعقاب مدرسي وليس تدبيراً قانونياً. أما من رفض التوقيع على هذا التعهّد، لكونه غير قانوني، فلا يزال يُنتظر بتّ أمره قضائياً.
في المحصلة، مثّل عام 2018 سابقة في التعامل الأمني مع كل من يعبّر عن رأي لا يعجب السلطات في مجالات شتى، وفيه بدت الأجهزة الأمنية كأنها تكتشف عالم السوشل ميديا للمرة الأولى، وتُذهلها فوضى الآراء، ولا سيما غير الملتزمة بـ«آداب» السلطات والأحزاب والطوائف الحاكمة.
في ما يلي أبرز الاستدعاءات على خلفية منشورات إلكترونية، وفي حالتين بسبب مقالتين في مواقع صحافية (وهو ما لا يقع ضمن اختصاص «المكتب»)، منها ما تم من قبل «مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية»، وأخرى من قبل أجهزة أمنية أخرى: