«تعبنا، لكنّنا نرفض الاستسلام»، يقول رئيس فوج إطفاء الضاحية الجنوبية حسين كريّم. أسبوعان مرّا على بدء عملية إخماد النيران في مستودع الأقمشة والبرادي الخارجية في طريق المطار، ولا تزال النار «تعسّ» في البضائع المكدّسة، فيما يواصل عناصر الإطفاء محاولات إخمادها بخطوات محفوفة بالمخاطر، كما يُجمع المهندسون الذين كشفوا على البناء، ولا سيّما بعد إحداث فتحة كبيرة في السقف بعيدة تسعة أمتار عن الطابق السفلي الثالث للتخفيف من الاحتقان الحراري. المفاجأة كانت أن كمية كبيرة من البضائع المكدّسة في الطابق السفلي الثالث لم تشتعل بعد ويصعب سحبها، لذلك، «قرّرنا تطويقها باستخدام سائل رغوي يمنع وصول الأوكسيجين إليها ورشّ طبقة من الإسمنت فوقها»، بحسب كريّم. وبعدما كانت فرق الإطفاء تراهن على الوقت لانتهاء عملية اشتعال المواد، صارت تسابق الوقت باعتبار أنّ كلّ يوم إضافي يضاعف الخطورة على أكثر من صعيد. أولاً، الأثر البيئي لانبعاثات المشتقّات البترولية. فغالبية الأبنية المجاورة تلطّخت بمادة زيتية لزجة بدأت تظهر على الأسقف والأطراف والحروف، و«هي نتاج ما يصدر عن اشتعال مواد تتكوّن من مشتقّات بترولية». ثانياً، ترجيح فرضية انهيار المبنى كلّما استعرت النيران في الأساسات، وما يتبع ذلك من خطورة ضغط الانهيار على المستودعات في الأبنية المجاورة المتاخمة للبناء حيث الحريق. كما يؤثّر استمرار الحِمل الحراري في البناء على سلامة المستودعات المتلاصقة. وقد صدرت إشارة قضائية بضرورة إخلائها تحت طائلة المسؤولية، تحسّباً لأيّ خطر شبيه لما حصل في تعاونية العاملية من انشقاق الحائط ودخول النيران إليها.
لا يشبه حجم الحريق وطول فترته وخطورته حجم الاستجابة لمكافحته. يرفض كريّم الحديث عن تقصير الدفاع المدني في مدّ يد العون. لكنّه يشكو عدم تواجد فرق الإطفاء بشكل دائم، «وهذا طبيعي لكون معظم العناصر في الدفاع المدني متطوّعين أي لديهم أعمال ومصالح، ويتوجّهون إلى أماكن الحريق في أوقات فراغهم. علماً أننا بحاجة إلى دخول الأفراد بشكل متواصل وانتظار الفرق دورها في الخارج ريثما تنتهي مهمّة الإطفاء». وإلى ذلك، تواجه الفوج تحديات في التجهيزات، من تلف خراطيم المياه بسبب الحريق، وتعطُّل مولّد تعبئة قناني الهواء التي تُستعمل في أجهزة التنفّس «بعدما أنهكتنا تعبئة نحو 600 قنينة هواء».
كمية كبيرة من البضائع المكدّسة لم تشتعل فيها النيران بعد!


وبعد مرور أسبوع على «جلسة النقاش» التي دعت إليها الهيئة العليا للإغاثة، وإجماع المهندسين المشاركين على أنّ «البناء في حالة خطر، ما يستدعي العناية الفائقة في التعاطي مع المكان لجهة حماية الفرق التي تعمل في الإطفاء والإنقاذ»، كيف يقيّم المهندسون حال البناء اليوم؟ يجيب المهندس راشد سركيس المكلّف من قبل نقابة المهندسين في بيروت بالمشاركة في الكشف على المبنى: « لم نتمكّن من الحصول على معلومات دقيقة بشأن درجات الحرارة التي تنتجها التفاعلات بين المواد المخزّنة، وهو أمر يؤثّر على تقييمنا لوضع البناء، إلا أنّ ظهور نيران ملتهبة مرة واحدة فقط عند فتح الثغرات في سقف الطابق السفلي قبل السيطرة عليها وإخمادها قد يخدم القضية لجهة عدم تأجيج المخاطر الناتجة عن الحريق». ويختم مؤكداً أنّ «الخطر من سقوط المبنى لا يزال قائماً، ويُبنى على التدابير الفنية والهندسية لدى تقرير مصير المبنى بين إمكانية الترميم أو ضرورة الهدم الجزئي أو الكلي».
من جهته، يشير المهندس الاستشاري جهاد حيدر أحمد إلى «كلفة الترميم المرتفعة والتي تفوق أحياناً كلفة الهدم، وما يرافق الترميم من خلافات قد تقع بين سكان المبنى باعتباره مساحة مشتركة يجب موافقة جميع المالكين فيه على أيّ خطوة قبل المضي فيها». ويوصي أحمد بـ«تخفيف الأحمال من المبنى، وإخلاء السكان، وتفريغ المياه من السطوح ريثما تُخمد النار بشكل كامل، على أن يجري المعنيون الاختبارات على الباطون لمعرفة صلاحيته وعندها يمكننا الجزم بوضع البناء وتوقّع مصيره».