تونس | احتشد آلاف التونسيين، أمس، في شارع الحبيب بورقيبة، أبرز شوارع العاصمة تونس، في تظاهرات حاشدة عُدّت الأكبر من نوعها منذ تظاهرات 14 كانون الثاني 2011، التي أدت إلى فرار الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وحملت التظاهرات الحاشدة، التي أقيمت في مناسبة الذكرى الـ56 لاستقلال البلاد، شعارات تنادي بالدفاع عن الدولة المدنية والوفاء لقيم الثورة التونسية التي قامت من أجل الكرامة والحرية والمساواة.
وكانت منظمات وأحزاب وجمعيات متعدّدة، غلب عليها التوجه اليساري والعلماني، قد وجّهت، عبر الشبكة الاجتماعية ووسائل الإعلام، نداءات إلى التونسيين من أجل «الخروج إلى الشارع في ذكرى الاستقلال حاملين أعلام تونس واللافتات المنادية بالدولة المدنية». وقد تحوّلت التظاهرات الضخمة أمس إلى استعراض قوى بين التيارات السياسية، وبالأخص منها «جبهة 14 جانفي» اليسارية، والائتلاف الحاكم بزعامة حركة «النهضة».
وحمل المتظاهرون شعارات تطالب بـ«الحفاظ على إرث دولة الاستقلال» المتثمل في «الحداثة والطابع المدني للدولة وضمان حقوق المرأة والانفتاح على العالم». ولوحظ أيضاً حضور قوي للافتات المنادية بالدفاع عن «خيارات العصرنة» الموروثة عن «الزعيم الحبيب بورقيبة». وجاء ذلك في ردّ فعل من قبل القوى العلمانية على التظاهرة الأصولية التي نظمتها 30 جمعية إسلامية في 16 آذار الماضي أمام المجلس التأسيسي (الذي يعد المرجعية العليا للبلاد في الوضع الانتقالي الحالي) والتي طالبت باعتماد الشريعة الإسلامية مصدراً تشريعياً وحيداً في كتابة الدستور التونسي الجديد. وهو ما تعدّه التيارات التقدمية «انقلاباً على الطابع المدني للدولة من شأنه أن يثير الفتنة والاقتتال بين التونسيين الذين تربوا على قيم الوسطية والحداثة».
ويتوقع المراقبون أن يتصاعد هذا الجدل، الذي يشق الشارع التونسي، بخصوص المرجعيات الدستورية، خصوصاً أن شريكي «النهضة» في الائتلاف الحاكم الجديد، «التكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات»، بزعامة رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر، و«المؤتمر من أجل الجمهورية»، بزعامة رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي، يعارضان بدورهما اعتماد الشريعة مصدراً وحيداً لكتابة الدستور. وهو ما يهدّد بانفراط عقد الائتلاف الحاكم الحالي، إذا أصرت «النهضة» على مسايرة قواعدها الشعبية، التي بدأت تنادي علناً بفرض الشريعة الإسلامية مرجعية دستورية للبلاد.
ويُرتقب أن تكون التظاهرات منطلقاً لميلاد حراك سياسي وشعبي جديد مضاد للإسلاميين. وسيُترجم ذلك عملياً من خلال «ندوة وطنية» دعت إليها «الجمعية الوطنية للفكر البورقيبي»، وستنظم في 24 آذار الجاري بمحافظة المنستير، مسقط رأس بورقيبة، بمشاركة 52 تنظيماً سياسياً من التيارات الوسطية واليسارية و525 جمعية ومنظمة غير حكومية، وعدد بارز من الشخصيات الوطنية ورجال الأعمال.
ويأمل المنظمون لهذه الندوة أن تكون محطة مفصلية تمهّد لإنشاء «جبهة سياسية ومدنية وسطية»، من أجل وضع «حدّ لحالة التشتت والفرقة بين مكونات المجتمع التونسي ذات المرجعية المدنية والحداثية»، وتنسيق جهود القوى المعارضة لحركة «النهضة» وحلفائها، وللتيار السلفي الذي صعّد أخيراً اعتداءاته واستفزازاته، وآخرها حادثة انزال العلم التونسي في جامعة منوبة، لاستبداله بـ«علم الخلافة»، وهو ما أسهم إلى حد كبير في مضاعفة أعداد المشاركين في تظاهرات أمس، دفاعاً عن مؤسسات الدولة ورموزها.
وتوجه الرئيس منصف المرزوقي بخطاب في هذه المناسبة، دعا خلاله التونسيين الى العيش معاً رغم اختلافاتهم. وقال إن «الوطن لا يبنى من لون واحد ومادة واحدة لأنه تعددي بطبعه وهو دليل على تراثه وعامل تكامل لا تفرقة»، محذراً من أن تونس «ستدفع الثمن باهظاً من الدم والدموع اذا اضطرت الى التصدي بالقوة للمتطرفين القادمين من كل حدب وصوب».
وأكد الرئيس التونسي أن الوحدة الوطنية لا يمكن أن تستمر اذا بنيت على الحقد والانقسام. ودعا التونسيين الى «ضرورة التحلي باليقظة في مواجهة التطرف أياً كان مصدره من اجل الحفاظ على دولة مدنية في كنف التعددية والاحترام المتبادل دولة ترنو الى التقدم خطوات اخرى على درب الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ومواصلة ملحمة الاستقلال والثورة».
وتطرق المرزوقي في خطابه الى حادثة منوبة، واعتبرها محاولة لضرب الوحدة تحمل «نية واضحة لبث الفتنة» والكراهية بين التونسيين، واصفاً العلم الذي رُفع بأنه «آخر غريب عنا»، كما هاجم حادثة ثانية مماثلة جرت وهي العثور على مصاحف ممزقة في مساجد في بنقردان الأسبوع الماضي، ووصف ذلك بأنه «جريمة فظيعة نكراء».