بغداد | العاشر من حزيران 2014 هو تاريخ انطلاقة جديدة لرجال كان لهم شرف أوّل رصاصة تصيب جنود الاحتلال الأميركي بعد غزو العراق نيسان 2003. أحد لم يكن ليصدق أن يجتاح مسلحو «داعش» الموصل، ثاني أكبر مدينة في العراق، لتندفع بعدها نحو صلاح الدين وكركوك والأنبار، مقتربةً من أسوار العاصمة بغداد، لتصطدم هناك بقوّة لم تعتدها من قبل.
رجال تمكّنوا من صدّ تلك الهجمة، ومنعوا سقوط العاصمة. إنّهم رجالات «كتائب حزب الله» في العراق، الذين كان لهم شرف إخراج المحتل الأميركي من العراق، والعائدون لقتال «داعش» الذي اعتبره عضو الهيئة السياسية للكتائب، جاسم الجزائري، صنيعة الإمبريالية الأميركية الإسرئيلية.

مقاومة الديكتاتورية وحقبة الاحتلال الأميركي

يقول الجزائري إنّ «كتائب حزب الله تشكيل ولائي» تأسّس ما قبل الاحتلال الأميركي للعراق، وهو من المقاومين لحقبة النظام البائد الاستبدادي، وقدم الكثير من الشهداء في معركته ضد الديكتاتورية والعشرات من المعتقلين والمهجرين، وبدأ منذ ذلك الوقت بممارسة دوره، حتى دخل الاحتلال الأميركي البلاد عام 2003.
آلت الكتائب على نفسها مقاومة الاحتلال الأميركي حتى إخراجه من العراق، وبدأت أولى الضربات العسكرية التي وجهتها للاحتلال في عام 2003 بشهره الرابع، وبدأت وتيرة العمليات العسكرية تتصاعد، وتوسعت لتمتدّ من بغداد حتى البصرة جنوباً، فضلاً عن المناطق الشرقية والغربية والشمالية من العاصمة».
«ضربات الكتائب كانت موجعة، واعترف الاحتلال بشدتها، ولعبت الكتائب مع فصائل «المقاومة الإسلامية» دوراً كبيراً بإخراج المحتل عام 2011 من العراق»، يضيف الجزائري.

توقعات حرب «داعش»

تميزت «كتائب حزب الله» في العراق عن غيرها من فصائل «المقاومة الإسلامية» بجهوزيتها العالية، وجهدها الاستخباري المتميز الذي كان يرفد حتى المؤسسات الحكومية بها.
يؤكد الجزائري أنّ «الكتائب معروفة بامتلاكها منظومة استخبارية عالية، وتعتمد على القرائن والمتابعة والتحليل السياسي، والاختراقات التي تنفذها في صفوف العدو. ومن خلال قراءة ما يحدث في سوريا، تبيّن وجود إشارات لامتداد الحرب من سوريا إلى العراق، وزودنا حكومة رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، بمعلومات حول خطورة الموقف، وعدم قدرة الجيش العراقي على مجابهة هذه الجماعات».
توقّعت الكتائب ما سيحدث في الموصل والأنبار، لهذا كانت موجودة بكثافة في العديد من مناطق التماس الساخنة، مثل: آمرلي وطوزخورماتو ومناطق غرب بغداد وتلعفر وغيرها.

«حزام بغداد» ... بداية الحكاية

كانت «كتائب حزب الله» المتمثلة بجناحها السياسي تدرك، كما يبين الجزائري، أنّ المحتل الأميركي لا يخرج من العراق إلا بتدبير مؤامرة تحاول، قدر الإمكان، إدخال البلاد في أتون حرب طائفية. ولهذا فإنّ جميع المؤشرات تؤكّد أنّ تنظيم «داعش» هو صنيعة أميركية إسرائيلية بامتياز، وأن باقي الجماعات المسلحة التي تعاونت معه، هي مدعومة بشكل مباشر من جهات ودول خارجية مثل السعودية وقطر والإمارات وتركيا. والتصريحات الأميركية أشارت إلى ذلك بكل وضوح.
ولهذا، فإن الكتائب لم تتقاعس عن الاستعدادات والجهوزية لهذه المرحلة، التي كانت واضحة عبر القراءات للواقع السياسي والأمني للداخل والخارج، ولذلك فإن «أبطال الكتائب كانوا موجودين في العديد من الجبهات، وانبروا للقتال، حتى قبل الفتوى المباركة لمقام المرجعية العليا، المتمثلة بسماحة السيد علي السيستاني، ولا سيما في محافظات ديالى وصلاح الدين وبابل»، كما يوضح الجزائري.
ويؤكد أنّ «أبناء الكتائب تمكنوا من صدّ الهجوم الإرهابي الذي أرادت أن تشنه عصابات «داعش» على العاصمة بغداد بعد العاشر من حزيران، على بعد كيلومترات قليلة من الجهة الجنوبية والغربية من العاصمة».

آمرلي ... بوادر النصر

آمرلي، تلك المدينة الصغيرة التابعة لمحافظة صلاح الدين، ذات الأغلبية التركمانية الشيعية، حاصرها «الدواعش» على مدى أكثر من 100 يوم، لكن فصائل «المقاومة الإسلامية» وعلى رأسها «كتائب حزب الله»، الفصيل الوحيد الذي كان موجوداً داخل المدينة تلك الأيام، تمكّنت من التصدّي لهم.

خريطة انتشار الكتائب

توجد «كتائب حزب الله» في العراق مع متطوعي «سرايا الدفاع الشعبي» في العديد من المناطق مثل (بلد وسامراء والدجيل) التابعة لصلاح الدين، وفي جرف الصخر شمالي بابل وحزام بغداد، ولها الكثير من العمليات العسكرية في العديد من المناطق كما في الضلوعية، ومناطق غربي العاصمة وغيرها.

الكتائب تغيّر الجرف من «صخر» إلى «نصر»

اخترق مقاتلو «كتائب حزب الله» أحراج جرف الصخر (60 كلم جنوبي غربي بغداد) متنقلين بين منزل وآخر، يرصد أبطالهم «الدواعش» من بين الأدغال ويقنصوهم، ويدفعون بهم نحو هاوية الجحيم، وصولاً إلى عامرية الفلوجة غربي العاصمة.
قتلى «داعش» على أيدي «كتائب حزب الله» في العراق فاقوا الآلاف، يقول المقاتل أبو سجاد، أحد قادة الكتائب في جرف الصخر، لـ«الأخبار».
قتلى «داعش» على أيدي «كتائب حزب الله» فاقوا الآلاف

«أبو سجاد» الذي تجاوز عقده الخامس، يقود مجموعة من كتائب «سرايا الدفاع» التي يشرف عليها «حزب الله» في العراق، يقف منتصباً في خط المواجهة الأمامية ممسكاً ببندقيته اللاهفة لاقتناص لحظة الحسم وهو يردد «هيهات منّا الذلة».
المعارك التي تدور رحاها في العديد من مدن العراق، ولا سيما في خط التماس مع العاصمة بغداد أو القريبة منها، «أثبتت فعالية فصائل «المقاومة الإسلامية» في ضرب تنظيم «داعش»، وتشير كل التقارير الى أنها تفوقت بقدرتها القتالية حتى على الجيوش النظامية»، يضيف أبو سجاد.
وكانت «كتائب حزب الله» مع فصائل «المقاومة الإسلامية» والجيش العراقي، قد طهرت مناطق جرف الصخر شمالي بابل وجنوبي غربي بغداد، والتي تشكل عمقاً استراتيجياً يمتد إلى كربلاء المقدسة.
وفي الوقت الذي يتباكى فيه عناصر «داعش»، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على فقدانهم لأهم معقل للتنظيم «جرف الصخر» ترتسم صورة النصر على شفاه المقاتل كاظم معلة، أحد مقاتلي «كتائب حزب الله».
يغطي التراب ملابس كاظم السوداء، بعدما أنهت الكتائب معركتها الحاسمة في الفاضلية، آخر معاقل «داعش» بجرف الصخر، لكن يبدو أن التعب لم يثنه عن «مواصلة القتال حتى تطهير آخر شبر من الأراضي العراقية»، يؤكّد كاظم.
يقول كاظم إنه «تطوع في «سرايا الدفاع الشعبي» بعد فتوى المرجعية العليا بوجوب الجهاد الكفائي، لدفع الضرر عن الأرض، وصيانة العرض، وحماية الأماكن المقدسة من خطر التنظيمات الإرهابية».
«سرايا الدفاع الشعبي» التي تعد جزءاً من «كتائب حزب الله» بدأت بالتنامي بشكل كبير بعد فتوى المرجعية المباركة، يتحدث الجزائري: «توجه آلاف الشباب من أبناء الحشد الشعبي نحو الكتائب المباركة للتطوع في صفوفها، باعتباره فصيلاً عرف بصدقه وشجاعته وانضباطه العالي في المجال الأخلاقي والديني والعقائدي، لذلك بدأت الأعداد تتصاعد حتى بلغت في مركز تطوعي واحد ما يقارب 15 ألف متطوع».

«التحالف الدولي»... صورة زائفة

تعرّض العديد من فصائل «المقاومة الإسلامية» والجيش العراقي لعدد من الضربات الجوية التي نفذها ما يسمى «التحالف الدولي»، وكان في كلّ مرّة العذر واحد (الخطأ).
يعتقد الجزائري أن «التحالف الدولي تدخل في لحظة شعر فيها بأن دعم فصائل المقاومة والحشد الشعبي للقوات الأمنية أحدث زخماً كبيراً في المعركة، وأن انتصارات أبناء المقاومة الإسلامية بدأت تتحقق، حيث استشعرت الإمبريالية العالمية أن «كتائب حزب الله» و«سرايا الدفاع الشعبي» والفصائل الأخرى باتت على مشارف الموصل. لذلك عمل «التحالف الدولي» على التدخل ومحاولة إبقاء الوضع على ما هو عليه، وعدم تغييره لصالح الدولة العراقية».
لم يحدث «التحالف» وضرباته الجوية أي تغيير يذكر لخريطة المعركة، «حتى بتنا لا نعرف أين توجه تلك الضربات، بل على العكس، فإنه بعد التدخل اندفع «داعش» ليسيطر على بعض المناطق الحيوية، ومنها هيت وغيرها من الأقضية، ونواحي الأنبار»، يزيد الجزائري، مؤكداً أن «طائرات الاستطلاع الأميركية التي أرسلت إلى الأجواء العراقية، بعد العاشر من حزيران، كانت أغلب طلعاتها الجوية لرصد تحركات الحشد الشعبي وفصائل المقاومة، أكثر من رصدها لعناصر «داعش».»
ويستطرد الجزائري «ما حدث في كوباني، من السماح لداعش بالسيطرة عليها، خير دليل على زيف المعسكر الأميركي، الذي أثبت عبر التاريخ، أنه معسكر لا يمكن الوثوق به والتحالف معه، ولا يمكن الاتكال عليه، فهو دائماً يخذل الآخرين، ويغدر بهم، ويتدخل حين يشعر بأن ما يحدث على الأرض مخالف لسياسته، القائمة على أساس تحويل الدول العربية إلى دويلات على أساس عرقي طائفي يقتل بعضها البعض».




أبو مهدي المهندس العقل المدبر لـ«حزب الله»

اشتهر قائد كتائب حزب الله بالاسم الحركي أبو مهدي المهندس، ويكتفي كثير من المسؤولين العراقيين بتسميته المهندس.
ويقول مسؤولون عراقيون كبار إن المهندس هو أكثر ممثلي إيران العسكريين نفوذاً في العراق.
ويبلغ المهندس من العمر 60 عاماً، ويتميز بشعره الأبيض ولحيته البيضاء. وتوضح صفحة على «فايسبوك» باسمه أنه درس الهندسة في البصرة وانضم إلى حزب الدعوة السياسي الذي كان محظوراً في عهد صدام حسين.
وقد بدأ العمل مع الحرس الثوري الإيراني في الكويت عام 1983، واتهم بتنظيم هجمات على سفارات الدول التي أيدت صدام في الحرب مع إيران وهو ما نفاه المهندس مراراً.
وفي أعقاب حرب الخليج الأولى، عاش المهندس منفياً في إيران. وبعد الاجتياح الأميركي للعراق، عاد إلى وطنه وانتخب عضواً في البرلمان.
يروي سامي العسكري، مستشار رئيس الحكومة السابق، نوري المالكي أن المهندس جلس خلال زيارة لطهران عام 2006 مع الجانب الإيراني حتى عندما كان البروتوكول يتطلب أن يجلس كل من الإيرانيين والعراقيين في جانب منفصل.
وأضاف العسكري «لم يكن هذا طبيعياً».
وتعرف كتائب حزب الله بأنها أكثر الجماعات المسلحة العراقية سرية وتكتماً. كما أنها المنظمة الوحيدة من بينها التي تدرجها وزارة الخزانة الأميركية ضمن المنظمات الإرهابية. وفي عام 2009 فرضت وزارة الخزانة عقوبات على المهندس لدوره المزعوم في تنفيذ هجمات على القوات الأميركية والعراقية أو تسهيلها. ونفى المهندس هذه الاتهامات، رغم أن موقع الكتائب على الإنترنت يعرض لقطات فيديو عدة تظهر تفجير عبوات ناسفة في عربات همفي أميركية.
وبعد سيطرة «داعش» على الموصل واجتياحها العديد من المدن العراقية، وبعد دعوة المرجع السيد علي السيستاني لمحاربة التنظيم، تولى المهندس مسؤولية عشرات الآلاف من المتطوعين الجدد.
وعن دوره، أشار مسؤول أمني عراقي رفيع إلى أن المهندس «مشارك في كل شيء: الإدارة، التمويل، الإمداد، التموين والتخطيط».
(رويترز)