مجزرة بانياس: كفن لأحلام الطفل ابراهيم

صلاةٌ جماعية أمام ضريح الجندي المجهول في قاسيون، وصلاة ٌأخرى كانت ممنوعة في وقت مضى داخل ثكنة عسكرية، كنيسةٌ تعزف أنشودة «طلع البدر علينا» الإسلامية، ورئيس يُقبّل يد والده في مراسم رسمية... منذ صباح اليوم الأول لعيد الفطر السعيد، والسوريون يتداولون صوراً لما يعتقدونه «لقطة» العيد الأكثر فرادة. لكنّ صورةً لطفل مقتول من بانياس في محافظة طرطوس في الساحل السوري، أزاحت كل المشاهد السابقة إلى سلة المهملات الإعلامية، وتصدّرت المشهد مُثيرةً معها حكايا الظلم والفقر والموت الذي يلاحق الأبرياء، وغياب المحاسبة الرادعة، وتطرح تساؤلاً حول دور الدولة.
وفي اليوم الأول من عيد الفطر، كان السوريون على موعد مع صورة الطفل إبراهيم شاهين الذي كان من بين ست ضحايا فارقوا الحياة في مجزرة ارتكبها مسلّحون في ريف بانياس. صورة أثارت الكثير من التعاطف على منصّات التواصل الاجتماعي، بعد ظهور جثمان الطفل وهو مكبّل اليدين، وقد استخدم حبلاً أسود لربط بنطاله «الجينز» ليناسب خصره النحيل، ما يعكس الحالة الاقتصادية المتردية للطفل وعائلته.
تصدرت الصورة سريعاً حديث السوريين، وتحولت معها حساباتهم إلى نعوة مفتوحة بدلاً من تبادل التهاني والتبريكات في العيد. وتعاطف العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي والمشاهير مع الصورة، فكتب المخرج السوري المهند كلثوم «ألم يستحِ مَنْ قَتلكَ من علائم الفقر والحاجة على محياك؟ ألم يستح وهو يسرق منك حقاً واحداً تمتلكه فقط من حقوقك، حق الحياة؟؟» فيما أشار الصحافي جاك وهبة «اليوم، استشهد هذا الطفل البريء، تاركاً وراءه خيطه الأسود الذي أصبح شاهداً على قدر مرير لم يرحمه».
وأعادت بعض الصفحات العامة تداول الصورة مع استرجاع أبيات من قصيدة الشاعر الفلسطيني محمود درويش يقول فيها «وشدي وثاقي بخصلة شعر.. بخيط يلوح في ذيل ثوبك.. عساي أصير إلهاً»، فيما أعاد بعض الناشطين إنتاج صورة الطفل إبراهيم شاهين كرسم تعبيري كُتبت عليها عبارة للشاعر السوري الراحل محمد الماغوط «أيها النساجون أريد كفناً واسعاً لأحلامي».
وتداول العديد من الحسابات معلومات مفادها بأن منفذي الهجوم فصيل مسلح موجود في معسكر «الديسنة» وهو أحد المعسكرات التابعة لوزارة الدفاع السورية. وبحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، تسبّب الهجوم في نزوح العديد من العائلات، وسط مناشدات لإنقاذ المدنيين وتأمين المنطقة من تهديد المسلحين. وبعد الانتشار الواسع للصورة، نشر المكتب الإعلامي لمحافظة طرطوس فيديو للأمن العام من البلدة يتوعد فيه بمحاسبة مرتكبي ما وصفها بـ «الفاجعة» وأكد المتحدث باسم الأمن العام أن الفاعلين «لا يمثلون الدولة السورية».
وقد يبدو التعاطف الكبير مع الطفل الذي راح ضحية «الفوضى وغياب القانون» أمراً بديهياً للوهلة الأولى، لكنه في حقيقته يعتبر خرقاً مهماً لسردية مدعومة من وسائل إعلام عربية كبرى تحاول حجب الضوء عن جرائم ترتكب يومياً في سوريا بذرائع مختلفة كملاحقة «فلول النظام» السابق، أو بوصفها «حالات فردية»، بما يعكس أهمية بعض المشاهد والصور في تصدير رواية المظلومين داخل مساحات الإنترنت وشاشات الأخبار من خلال تكريس الصور وبناء الرموز. خلال ساعات، تحولت صورة الطفل إبراهيم وما تحمله من معاني الفقر والقهر والظلم إلى قضية اجتماعية تذكّر بكل ضحايا الحرب السورية، خصوصاً ضحايا المجازر الأخيرة في الساحل السوري، فالصورة أحياناً أداة قوية في عالم يعيش على تريندات السوشال ميديا، والموت محسوب فيه فقط إذا كان أمام الكاميرات.