على بالي
إنّ ما جرى في سوريا في الأيّام الماضية كان مستغرَباً بالفعل. عمليّات قتْل طائفيّ ومجازر وشعارات تكفير بالجُملة، وهي كانت خارج التوقّعات.
سيقول قائل إنّ أحمد الشرع ليس إلّا الجولاني خرّيج «داعش» و«القاعدة»، وإنّه حكَم في إدلب على الطريقة البِن لادنيّة الطالبانيّة (الأُولى)، وإنّه أشرف على عمليّة رجْم لِامرأة، وإنّه آمن منذ صباه بالفكر الداعشي التكفيري الجهادي الذي لا يعترف بأقليّات، إلّا إسرائيل التي يَكِنّ لها كلّ الوُد ويُطمئنها على مدار الساعة.
لكنّ هذا كان في الماضي، والذي فات ماتَ، على قَول أقدم مَثل في التاريخ منذ أيّام الفراعنة (استعمله السادات لتسويغ غفران الصهيونية على جرائمها ضدّ المصريّين).
ثم: أَلَم يرتدِ الشرع بزّة مع ربطة عنق؟ أَلَم يعيِّن امرأة (ورثها من الحُكم السابق) في حاكميّة المصرف المركزي؟ أَلَم يأمر وزير خارجيّته بارتداء ربطة عنق؟ أَلَم يُقِم علاقة ممتازة مع الغرب الكافر (برأي عقيدته)؟
أَلَم يَقُم النظام القطري العلماني والتنويري بالإشراف على إعادة تركيبه لجعْله مقبولاً من الغرب ومن إسرائيل؟ أَلَم تَقتنِ له قطر شركة علاقات عامّة أميركيّة لتسويقه للكونغرس الأميركي؟ أَلَم يَقُم بتشذيب لحيته عمّا كانت عليه من تفلّت في الماضي؟
أَلَم يتوقّف عن الاستشهاد بأقوال ابن لادن وأيمن الظواهري؟ أَلَم يستقبل وفداً درزيّاً لبنانيّاً برئاسة وليد جنبلاط (من دون أن يُعلن رأيه الحقيقي في الدروز)؟
أَلَم يستقبله محمد بن سلمان في أوّل زيارة رسميّة له للدلالة على إيمانه العميق بالحُكم الفاضل والرشيد في الرياض؟ أَلَم يُعلن نيّته تخصيص سوريا من الشمال والجنوب، وهل تكون الرأسماليّة المتوحّشة إلّا نابعةً من فكر متسامِح؟ ثم، كلامه على إسرائيل ووصفْه لاحتلالها بـ«الدخول» ينمّ عن إيغال في فكْر القبول بالآخر، ولو كان محتلاًّ غاصباً.
لنكُفّ عن الحُكم على الرجل بناء على جرائم ومجازر وسيارات مفخّخة وقطْع رؤوس له في الماضي. لا. نحكُم عليه بناء على لباسه وعلى لحيته وعلى رعايته من قطر وتركيا، ولهذا فإنّ ما جرى في الأيام الماضية أصابنا بـ... الذهول (على قَول البطريرك الماروني).