ناجية الوريمي تفتح «كتاب يثرب»

بعد موسوعة «التسامح في الثقافة العربية الإسلامية» (2018) و«زعامة المرأة في الإسلام المبكر: بين الخطاب العالم والخطاب الشعبي» (2016) و«الاختلاف والتسامح: بحث في الإشكاليات الثقافية والسياسية في سياسات الرشيد والبرامكة والمأمون» وغير ذلك من الأعمال الأكاديمية، أصدرت ناجية الوريمي، أستاذة الحضارة العربية الإسلامية في المعهد العالي للعلوم الإنسانية في تونس، كتاباً جديداً بعنوان «صحيفة المدينة: إسلام مهمّش» في نشر مشترك بين «المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون» و«دار الجنوب».
في هذا العمل، تواصل ناجية الوريمي الحفر في المنسي من الثقافة العربية الإسلامية، واهتمت هذه المرّة بـ «صحيفة المدينة». والأخيرة وثيقة كان يُفترض أن تحتفي بها السرديات الإسلامية لأنها جزء من تاريخ الرسالة والرسول وفقاً للوريمي.
فهذه الوثيقة التي تسمّى أيضاً «كتاب يثرب» هي نصّ معاهدة لتنظيم الحياة المدنية في بداية الهجرة و«معاهدة عقدت بين المجموعات الدينية والقبلية في يثرب بهدف إقرار السّلم داخلياً والتعاون على دفع الاعتداءات الخارجيّة».
وترى الوريمي أن المؤرخين في مختلف العصور أهملوا هذه الوثيقة التي ارتبطت بحدث مفصلي في الإسلام المبكر، وحدّدت طريقة تعاملهم معها بـ «إمّا الإهمال أو السكوت عنها، أو إخضاعها لتحويرات مختلفة الغاية منها تطويعها لمقتضيات المنظومة التي استقرّت لاحقاً». وترى أنّ من بين أسباب هذا الإهمال أنّها كانت سابقة على ما سمّته بـ «مأسسة» الإسلام.
وترى الباحثة أنّ التحالف الذي جسّدته «صحيفة المدينة» قد خلق واقعاً جديدة وحركية اجتماعية حقّقت تأمين يثرب وتوسّع الدعوة المحمدية و«أحدثت تغيّراً في طبيعة الأمة» الناشئة. لكن المنعرج حدث بعد وفاة الرسول بإعادة توزيع الأدوار، إذ ظهر من جديد التنافس القبلي الذي ظلّ قائماً رغم التحالف والتوافق بين الأنصار والمهاجرين. ومن الاستنتاجات التي انتهت إليها الباحثة أنّ «الصحيفة» حافظت على «البنية النواة» ببن ديباجة ومتن، وهو ما يجعل من احتمال الإضافات احتمالاً ضعيفاً. لكن الاستنتاج الأهم أنّ «دعوة التوحيد الإسلامي كانت تبحث لها في المنطلق عن مكان تحت الشمس، مع الاعتراف ببقية الأماكن الخاصة بغيرها، وهو ما عكسته ظاهرة العهود والأحلاف السلمية التي عقدها الرسول لكنها ـــ وفي المآل ــــ تحوّلت على أيدي أصحاب السلطة السياسية الناشئة ثم على أيدي فقهاء السلطة، إلى حركة تفرض على الجميع عقيدةً واحدةً بتأويل واحد» وفقاً للمؤلفة التي تضيف: «لم تكن غاية الرسول من الهجرة إلى يثرب - وفقاً لما صرّحت به الصحيفة - تكوين «ملك» أو تشكيل «أمة» يتولى رئاستها، بل كانت التعاون مع سائر «الرباعات/ القيادات القبلية في يثرب لتأمين هذه الأمة وتسهيل عملها في نشر التوحيد». الكتاب الصادر قبل أيّام، أعاد إحياء ولفت النظر إلى وثيقة مركزيّة في الإسلام المبكر أهملها الباحثون وتمّ تهميشها رغم حضورها في السردية الجماعية.