الدراما اللبنانية تنزل إلى أرض الواقع

شكّلت الممثلة سينتيا كرم حالة لافتة على منصّات التواصل الاجتماعي
شكّلت الممثلة سينتيا كرم حالة لافتة على منصّات التواصل الاجتماعي

يطرح قضايا اجتماعية جريئة من بينهما الإتجار بالأطفال والإنجاب من دون زواج وتجميد البويضات وغيرها. لكن في المقابل، غرق العمل اللبناني الوحيد المعروض في شهر رمضان، في الكليشيهات، فكان الجمهور يسبق الكاتبة نادين جابر بخطوة

لا شكّ في أن مسلسل «بالدم» (إخراج فيليب أسمر، وتأليف نادين جابر)، يشقّ طريقه نحو دراما لبنانية متكاملة، بعيدة عمّا اعتدنا رؤيته من تصنّع ومبالغة. تلعب ماغي بو غصن بطولة المشروع، وقد أُثقل بجمعه عدداً من الممثلين اللبنانيين المخضرمين، من بينهم: غابريال يمين (الذي لم يمرّ على ظهوره سوى حلقتين)، وجوليا قصار، ورفيق علي أحمد، ونوال كامل، وسمارة نهرا، وكارول عبود، وبديع أبو شقرا وألسي فرنيني. أُشبع العمل بطاقم تمثيلي يضمّ وجوهاً تعلّق بها الجمهور وأصبح ينتظر مشاهدتها، مثل مارلين نعمان، ورولا بقسماتي، ووسام فارس، وسعيد سرحان، وباسم مغنية، وجيسي عبدو وغيرهم.

كما قدّم العمل الممثلة سينتيا كرم بدور «عدلة»، فشكّلت حالة لافتة على منصّات التواصل الاجتماعي. «عدلة» امرأة بسيطة وطيبة القلب. جارت عليها الحياة. تتابع يومياً حركة الكواكب والأبراج، وتقع في شباك رجلٍ يستغلّ طيبتها لسحب مادياتها المتواضعة جدّاً. تؤدّي كرم دورها بتقنية واحترافية، وتنجح في تفكيك الشخصية للكشف عن طبقاتها، كما تستغلّ حركات الجسد للإفصاح عمّا لا يقوله النص.

رغم أنّ كرم تظهر بشخصية ثانوية في «بالدم»، إلّا أنّها نجحت في لفت الأنظار، وعبّر الجمهور عن إعجابه بقدراتها التمثيلية «الخارقة». واعتبرت شريحة واسعة أنّه «أخيراً، اكتشف أحدهم سينتيا كرم». هذا التعليق الذي كان أكثر رواجاً يمكن اعتباره بعيداً كلّ البُعد من الصحة. إذ إنّ خرّيجة معهد «الفنون الجميلة» (تمثيل واخراج) التي ظهرت في برنامج «ستار أكاديمي» عام 2003، لم تكن بحاجة إلى من يكتشفها. منذ ظهورها الأوّل، نجحت كرم في اكتساب حبّ الجمهور بعفويتها وصدقها.

أُثقل مسلسل «بالدم» بجمعه عدداً من الممثلين اللبنانيين المخضرمين

ثم ظهرت في مسلسلات عدة من بينها «سقف العالم» (2007)، و«أوتيل البير» (2008)، و«سنعود بعد قليل» (2013)، و«الزيارة» (2021)، و«بكّير» (2022)، وغيرها الكثير. منذ عام 2003، شاركت كرم في بطولات مسرحيات عدة نفدت تذاكرها، كما أدّت أدواراً سينمائية وشاركت في برامج متنوعة. وفي جميع ما قدّمته، كانت تكشف من دون مجهود عن قدراتها التمثيلية. كما كانت تنال حبّ الجمهور بسلاسة، لأنّها ببساطة أقرب إلى الواقع من أيّ ممثلة أخرى، وتُشبه الجمهور الذي ينتظرها أمام الشاشة. بعد أكثر من اثنتين وعشرين سنة من العمل، لم تكن كرم بحاجة إلى من يكتشفها، بل إلى من يؤمن بأنّ الجمهور يتأثّر بالممثلات غير المصطنعات، وبأنّه يمتلك عيناً ناقدة يستطيع أن يُقدّر سنوات العمل والجهد التي بذلها الممثل من أجل تقديم أفضل ما لديه.

كما العام الماضي، تُعالج نادين جابر قضيّة اجتماعية، وهذه المرة تتعلّق بالإتجار بالأطفال. تسلّط الكاتبة الضوء على مواضيع تتعلّق بالمرأة لم تُقدَّم سابقاً في الأعمال الدرامية اللبنانية. مثلاً، تقدّم لنا صورة عن المرأة التي تتخذ قرار الإنجاب من دون زواج عبر تجميد البويضات. كما تُعالج قضية المرأة غير القادرة على الإنجاب، وتقدّم لمحة عن معاناتها ونظرة المجتمع إليها، والظلم الذي قد تواجهه من أهل الزوج.

لا شكّ في أنّ القضايا التي تطرحها جابر هذا العام تُعدّ جريئة، وحان الوقت لمناقشتها في مجتمعنا اللبناني والعربي. إلا أنّ جابر لم تستطع أن تخلع عباءة الكليشيه، وخصوصاً في أسلوب كتابتها. منذ الحلقة الأولى، وحين يُخبر الدكتور آدم (سعيد سرحان) غالية (ماغي بوغصن) بأنّ كامل العائلة تحتاج إلى الخضوع لفحص الدم، نعلم بأنّ غالية ستكتشف أنّها ليست ابنة روميو وجانيت. هكذا، تتالت جميع أحداث العمل حيث كان الجمهور يسبق جابر بخطوة.

منذ الحلقة الأولى أيضاً، تتحدّث شخصيّات المسلسل عن العلاقة التي تجمع بين روميو (رفيق علي أحمد) وجانيت (جوليا قصار)، وتؤكّد لبعضها أنّها أشبه بعلاقة «روميو وجولييت» الشهيرة. في كلّ حلقة، تعيد إحدى الشخصيات ذكر التشبيه، حتى أصبح مبتذلاً. كان يكفي ذكر الشبه مرّة واحدة في العمل الدرامي كلّه، لتترسّخ في ذهن الجمهور صورة واضحة عن علاقة الحبّ القويّة التي تجمع الزوجين، ما يجعل العلاقة أقرب إلى الواقع. هذا التكرار المبتذل برز في مواقف أخرى في المسلسل، حتى أصبح النصّ في بعض الأحيان بعيداً من السيناريوهات الواقعية والأحاديث اليومية التي تشبه حياتنا الواقعية.

ما أثقل العمل الدرامي ــ إلى جانب باقة الممثلين المخضرمين ـــ هو الاهتمام بتفاصيله من ناحية الإخراج الفني، وتصميم الملابس، وتفاصيل الشخصيات. لم يمرّ مشهد لشخصيّة ثانوية إلّا وظهرت تفاصيل بسيطة أثقلت الشخصية وميّزتها، وقدّمت لمحة عن طباعها وماضيها الذي قد يُفصح عنه أو لا. في الحلقة السادسة، ظهرت الممثلة رندة حشمة بشخصية «سهى بركات». امرأة مسنّة فقدت طفلتها، حتى أُصيبت بالجنون وعاشت على سطح أحد المباني برفقة طيور الحمام. عند التدقيق في تفاصيل الشخصية، تأسرنا نظرات سهى التي تشبه تماماً نظرات طيور الحمام. يأتي هذا التفصيل للتأكيد على أنّ الشخصية عاشت في العزلة سنوات طويلة، لم ترافق فيها سوى الطيور التي تشاركها سطح المبنى.

بفريق مخضرم من الممثلين، لا يستخف بعقل الجمهور، ويولي الاهتمام بأدق التفاصيل، ويبتعد عن التصنّع، يشق مسلسل «بالدم»، طريقاً للدراما اللبنانية إلى أرض الواقع. لكن ربما حان الوقت للتخلّي عن النصوص البعيدة عن شوارعنا ويومياتنا. وكما منحت شركة «إيغل فيلمز» المنتجة للعمل فرصةً لوجوه جديدة صاعدة في التمثيل، ليتها تتبنّى كُتّاباً صاعدين وجدداً من الذين يضعون أنفسهم مكان الشخصية قبل كتابة حوارها.

* «بالدم»: يومياً 21:30 على mtv ومنصّة «شاهد»

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي