فرقة «لبن»: الدمى تداوي جراح الحرب

«كنت أشعر كأنّ هناك حجراً ثقيلاً على قلبي بسبب الحرب». رغم ثقل التعبير، فإنّ هذه الجملة لم تتفوّه بها امرأة راشدة، بل طفلة لبنانية تبلغ ستّ سنوات. تقدّمت إلى أحد أعضاء فرقة «لبن» فور انتهاء عرضهم «قصصكم بالدمى» الموجّه إلى الأطفال، وأكّدت للفرقة قائلة: «اليوم، أشعر كأنّني أخيراً تخلّصت من الطاقة السلبية التي كانت تلازمني».
منذ اثني عشر عاماً، تقدّم فرقة «لبن» عرض «قصصكم عالمسرح» بشكل شهري من دون انقطاع. مشروع مسرحي يرتكز على إعادة تمثيل مرتجل لقصص شخصية يشاركها الجمهور، ويُعيد الممثلون المتخصصون في المسرح النفسي والاجتماعي إحياء تلك القصص مباشرة على الخشبة، ما يتيح للجمهور فرصة مشاركة تجاربه، ثمّ مشاهدتها والاستماع إليها بهدف التصالح معها والتخفيف من أثرها النفسي.
منذ حوالى ثماني سنوات، توجّهت الفرقة للعمل مع الأطفال المكتومي القيد، وضحايا الإتجار بالبشر والخطف، وحاولت إيجاد وسيط بين المسرحيين الكبار والأطفال الصغار، فوجدت في الدمى المسرحية أفضل وسيلة للتواصل السلس مع الأطفال الذين تعمل معهم. طوّرت الفرقة أساليبها وتقنياتها بطريقة تناسب الأطفال، وأصبحت الفرقة الأولى في العالم التي تعمل على مسرح «بلاي باك» موجّه للأطفال، تحت عنوان «قصصكم بالدمى».
في ظلّ العدوان الصهيوني الأخير على لبنان، لم تتردّد فرقة «لبن» في الاستجابة السريعة للعمل مع الأطفال الذين عانوا من ويلات الحرب. هكذا، توجّهت إلى مراكز النزوح، وقدّمت عروض «قصصكم بالدمى»، إلى جانب مجموعة من الأنشطة التي تساعد على التفريغ والتعبير بواسطة أشكال متعددة من الفنون. مع انحسار الحرب، تواصل الفرقة التعاون مع مراكز المطالعة، والبلديات، والمراكز الثقافية، والمدارس في مناطق الضاحية الجنوبية، والجنوب، والبقاع، لتقدّم عروض «قصصكم بالدمى»، حيث تستمع إلى تجارب الأطفال الصغار وتُعيد تمثيلها لهم بواسطة الدمى.
تتحدّث مديرة جمعية «لبن» فرح ورداني، عن قدرة عروض «قصصكم بالدمى» على مساعدة الأطفال في تخطّي تجاربهم الأليمة التي واجهوها في ظلّ الحرب، قائلة: «في عالم مليء بالدمى والسحر، وبعيد عن الأحكام المسبقة، تخلق هذه العروض مساحةً للأطفال للتعبير عن أنفسهم والتحدّث عن تجاربهم. عندما يتحدّث أحد الأطفال عن تجربته، يتشجّع باقي الأطفال للتحدّث عن تجاربهم أيضاً. في كثير من الأحيان، يرافق الأهالي أطفالهم إلى عروضنا، ما يساعدهم على اكتشاف أطفالهم أكثر، والتعرّف إلى أوجاعهم التي لم يفصحوا عنها في المنزل».
أمّا عن مسؤولية التعاطي مع الأطفال عبر الأعمال المسرحية والفنية، فتشير ورداني إلى أنّ «العمل مع الأطفال أكثر دقّة من العمل مع الكبار، إذ علينا دائماً أن نتمتع بالوعي الكافي للتعامل مع الطفل. كما أنّ الأطفال جمهور أصعب، وعملية إرضائهم مسؤولية كبيرة، لأنّ الطفل لا يعرف المجاملة، ويملّ بسرعة».
عبر انخراطها مع الأطفال والكبار أيضاً، والاستماع إلى قصصهم، تشير ورداني إلى أنّ أكثر القصص تأثيراً التي استمعت إليها هي تلك التي تتعلّق بيوم تفجير أجهزة الـ«بيجر». تقول ورداني: «مع كلّ العنف والأذى النفسي الذي خلّفته الحرب الأخيرة على لبنان، تبقى حادثة تفجير أجهزة الـ«بيجر» أكثر الحوادث قلقاً ورعباً، والواضح أنّ هناك إجراءات يجب أن تُتّخذ على المستوى الوطني، لتخطّي هذه الحادثة التي يبدو أنّ آثارها خطيرة جدّاً على الصعيد النفسي».
العمل مع الآثار النفسية للحرب ليس سهلاً، وقد يؤثّر سلباً في المتطوّعين، وخصوصاً أنّ أكثرهم، مثلهم مثل الجمهور، قد عانوا من ويلات الحرب. إلّا أنّ ورداني تؤكّد على أنّ «جميع أعضاء فرقة «لبن»، يخضعون لتدريبات وجلسات دعم نفسي، إلى جانب أنشطة أخرى تساعدهم على التفريغ النفسي، وتأمين الحماية النفسية والعاطفية للتعاطي مع ضحايا الحرب».