اشتداد الكباش التركي - الإسرائيلي: «تل أبيب» تحارب بلا قفازات

شنّت إسرائيل سلسلة اعتداءات جديدة عنيفة على الأراضي السورية، قالت إن هدفها توجيه رسائل إلى تركيا، التي تسعى للتمدّد العسكري على الساحة السورية، حيث باتت تمتلك حضوراً غير مسبوق على جميع الأصعدة، في مرحلة ما بعد نظام بشار الأسد. وتسبّبت الاعتداءات التي شملت مطاري حماة و»تي فور» في ريف حمص، وأنقاض مركز البحوث في مساكن برزة، قرب دمشق، بدمار هائل في المطارين، وبشكل خاص «تي فور» الذي بدأت تركيا إعداده لتحويله إلى قاعدة عسكرية، وسط حديث عن الاستعداد لتركيب منظومة دفاع جوي فيه، إلى جانب تجهيز مطار منغ في ريف حلب.
وفي تعليقه على ذلك، اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، في تصريحات أعقبت العدوان، أن تركيا « تعمل جاهدة لتحويل سوريا إلى محمية»، مضيفاً في مؤتمر صحافي في باريس، أن «أنقرة تلعب دوراً سلبياً مقلقاً في سوريا ولبنان ومناطق أخرى في المنطقة». وسبقت تصريحات ساعر أخرى أطلقها وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، خلال جولة ميدانية أجراها، أول أمس، قرب حدود لبنان الجنوبية، حيث قال إن تل أبيب وجّهت «رسالة شديدة اللهجة» إلى الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، «حملت تحذيراً من مغبة السماح لأي جهة بتغيير الوضع القائم في سوريا بما يهدّد أمن إسرائيل»، مهدّداً بأن «من يسمح بذلك سيدفع الثمن»، وفق تعبيره.
ومن جهتها، نقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، عن مسؤول أمني لم تسمّه، تأكيده أن الاعتداءات الأخيرة على سوريا هي «رسائل مباشرة إلى تركيا»، وأن الأخيرة «تمثّل تحدياً (..).. هي ليست إيران، لكنها تسعى حالياً للتمدّد الإمبريالي، وتدرّب وتسلّح الجيش السوري، وتحاول ترسيخ وجودها العسكري عبر قواعد داخل سوريا». وأضاف: «نحن لا نرغب في مواجهة مباشرة مع أنقرة».
وفي وقت تكتّمت فيه السلطات السورية على الخسائر البشرية التي تسبّبت بها الاعتداءات، ذكرت مصادر أهلية أن سيارات إسعاف هرعت إلى مطار حماة العسكري، والذي يتخذ منه مقراً فصيل «العمشات» (فرقة سليمان شاه المقرّبة من الاستخبارات التركية وشركة صادات الأمنية التركية)، بعد ضمّه إلى الجيش السوري الناشئ، ومنح قائده محمد حسين الجاسم، المعروف باسم «أبو عمشة» رتبة عميد، وتسليمه قيادة الفرقة 25 التي تنشط وسط سوريا.
وإذ كانت اتهامات عديدة وُجّهت إلى هذا الفصيل بالتورط في مجازر الساحل السوري الأخيرة، إلى جانب أخرى سابقة بارتكاب مجازر بحق الأكراد في الشمال السوري، عندما كان يقاتل «قوات سوريا الديمقراطية» تحت قيادة تركيا، فقد استغلّ ناشطون تورطه في ما سبق ذكره، لتنظيم حملة واسعة تستهدف تسويق الاعتداءات الإسرائيلية باعتبارها تهدف إلى «إبعاد الخطر التركي»، و»القضاء على الإرهابيين»، في سيناريو يذكّر بحملات إلكترونية سابقة كانت تسوّق الاعتداءات على الأراضي السورية بأنها تهدف إلى محاربة إيران.
امتنعت أنقرة عن الرد على الإعلان الإسرائيلي المباشر أن هدف الاعتداءات على سوريا توجيه رسائل إليها
وعلى الرغم من الإعلان الإسرائيلي المباشر عن أن هدف هذه الاعتداءات توجيه رسائل إلى تركيا، لم تصدر عن الأخيرة أيّ تصريحات أو ردود فعل، باستثناء تصريحات عسكرية تفيد بإنشاء قاعدة تدريب مشتركة مع دول محيط سوريا، في إطار الاتفاق الخماسي (التركي، السوري، العراقي، الأردني، اللبناني) لتدريب الجيش السوري ومحاربة الإرهاب. وخلال تقديمه الإحاطة الأسبوعية، تجاهل الناطق باسم وزارة الدفاع، زكي أكتورك، الحديث عن مساعي بلاده لإقامة قاعدة جوية في البادية السورية، وقال: «في ما يتعلق بالتطورات التي تحدث أو يُزعم حدوثها في سوريا، لا ينبغي تصديق الأخبار والمشاركات غير الحقيقية والمغرضة التي لا تصدر عن الجهات الرسمية المختصة»، على حدّ تعبيره.
وعلى صعيد ردود الفعل على الاعتداءات الإسرائيلية، بدا لافتاً الموقف السعودي والمصري غير المتأنّي في إدانة هذه الاعتداءات (التي أضيفت إليها مساء أمس غارتان استهدفتا اللواء 75 قرب الكسوة في ريف دمشق)؛ إذ أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً أعربت خلاله عن استنكارها الشديد للغارات الإسرائيلية التي استهدفت 5 مناطق مختلفة في سوريا، وأدّت إلى إصابة العشرات من المدنيين والعسكريين. وأضافت أن السعودية «تجدّد رفضها القاطع لمحاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلية تهديد أمن واستقرار سوريا والمنطقة من خلال انتهاكاتها للقوانين الدولية».
وشدّدت على ضرورة «الوقوف بشكل جاد وحازم أمام الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة في سوريا والمنطقة، وتفعيل آليات المحاسبة الدولية عليها». وكذلك، دانت مصر «بأشد العبارات» الاعتداءات الإسرائيلية، وقالت إنها تشكّل «انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وتعدّياً سافراً على سيادة الدولة السورية ووحدة أراضيها، واستغلالاً للأوضاع الداخلية في سوريا الشقيقة»، وطالبت الأطراف الدولية الفاعلة «بالاضطلاع بمسؤولياتها تجاه التجاوزات الإسرائيلية المتكررة، وإلزام إسرائيل بإنهاء احتلالها للأراضي السورية، واحترام اتفاقية فضّ الاشتباك لعام 1974».
ويتّسق الموقف السعودي مع مساعي المملكة لتوسيع حضورها على الساحة السورية، فيما ينسجم الموقف المصري مع أداء القاهرة التي تبعث بين وقت وآخر برسائل إيجابية إلى الإدارة السورية الجديدة، مقرونة بتحذيرات من مخاطر المقاتلين المتشدّدين، ودعوات إلى ضرورة إبعادهم، يرافقها تضييق منْح السوريين تصريحات لدخول مصر إلى أدنى حدود ممكنة. ويشار إلى أن ثمة مساعيَ سعودية يقودها ولي العهد، محمد بن سلمان، لتنظيم لقاء ثنائي يجمع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، الشهر المقبل.