لبنان ملجأ لعلويّي سوريا: هربنا «خوفاً من الموت»!

ما حصل في الساحل السوري من مجازر تطهير طائفي، دفع الكثير من السوريين من الطائفة العلوية للتفكير بالسفر خارج بلادهم. وبسبب الحالة المادية الصعبة لأغلبيتهم كانت الوجهة الأولى التي نزحوا إليها هي لبنان، مستغلّين قرب الحدود غير المضبوطة بين البلدين. اختار الكثير من هؤلاء معابر غير شرعية على شريط النهر الكبير الشمالي، حيث يتوافد يومياً إلى الطرف الثاني من النهر مئات السوريين الفارّين خوفاً من الموت.
وكشفت «مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» عن نزوح أكثر من 21 ألف شخص من سوريا إلى لبنان، وفقاً لإحصائيات السلطات اللبنانية و«الصليب الأحمر اللبناني»، نتيجة أعمال العنف التي شهدتها منطقة الساحل خلال شهر آذار الجاري.
-
نازح سوري من الطائفة العلوية يقطع الحدود اللبنانية-السورية من النهر (أ ف ب)
خوفاً من أن تُقتل هي وزوجها أمام طفليهما؛ قرّرت مادلين ديوب النزوح إلى لبنان. سبقها زوجها بأيام واستأجر منزلاً صغيراً في منطقة مجدليا، بينما وصلت هي والطفلان إلى الأراضي اللبنانية بعدما قطعوا النهر بمساعدة شباب من أهل المنطقة، الذين أخذوا «إكرامية» بسيطة. وكانت قد دفعت 700 ألف ليرة سورية أجرة تكسي لسائقها المختص بهذا العمل، حيث أقلّتها السيارة من مركز المدينة بطرطوس إلى حدود النهر. تقول لـ«الأخبار»: «كان لا بد أن نخرج من هناك، خطر الموت قد يقع في أي لحظة، نريد أن نكون في بقعة جغرافية في هذا العالم ننام فيها دون خوف». وتشير إلى أن حالتهم المادية الجيدة لم تضطرهم إلى اللجوء إلى مدرسة أو جامع كما حلّ بالكثير من الذين نزحوا.
من المعبر الحدودي غير الشرعي ذاته، وصل الشاب علي إبراهيم إلى بيت أحد أصدقائه السوريين الذين يعملون في لبنان منذ سنوات. سيمكث عنده في جونية ويبحث عن عمل في أي مجال كان، متخلياً مبدئياً عن جامعته في كلية الهندسة المدنية بعد أن وصل إلى السنة الثالثة. يقول لـ«الأخبار»: «أنا وحيد أهلي، فخافت أمي أن يصيبني مكروه في هذا الوضع الأمني المنفلت الذي نعيشه، وخاصة أن كلمة «علوي» أصبحت تهمة»، موضحاً أن نزوحه إلى لبنان هو الخطوة الأولى، حيث سيسعى للسفر إلى أي بلد خليجي أو أوروبي بأسرع وقت.
-
نازحون سوريون من الطائفة العلوية يلجأون إلى مدرسة في قرية المسعودية في عكار شمالي لبنان (أ ف ب)
أما كِندا وأمّها القادمتان من اللاذقية، فلسوء حظيهما، تزامن يوم نزوحهما مع تشديد من قبل الأمن العام السوري على المعابر الحدودية غير الشرعية، إذ أُغلقت غالبية المنافذ باستثناء نقطة في منطقة العبودية، حيث تعرّضتا لمعاملة سيئة و«تشليح». تقول السيدة الثلاثينية لـ«الأخبار»: «هربنا من الاضطهاد الطائفي، فكان أول سؤال نواجهه على الحدود من قبل حاجز لا نعرف لمن يتبع «إنتو سنة ولا علوية؟»، وأخذوا من كل شخص 90 دولاراً لمجرد قطع الخط الحدودي، عدا تفتيش الحقائب والاستيلاء على الأشياء الثمينة».
العديد من البيوت والمدارس والجوامع في مناطق لبنانية عدة فُتحت للسوريين النازحين، وخاصة في المناطق ذات الأغلبية العلوية، بينهم عائلة أبو إسماعيل التي قرّرت النزوح من قرية كرتو تزامناً مع أخبار وصول فصائل متشددة إلى أطراف قرى السهل في ريف طرطوس. وبعد وصولهم إلى جبل محسن ولجوئهم إلى أحد الجوامع فيها، يقول الرجل الخمسيني لـ «الأخبار»: «وصلنا إلى بلد غريب «ما معنا ليرة»، فنحن عائلة نعيش كل يوم بيومه، وليس لدينا أي مدّخرات أو ذهب، حصلنا على مساعدة من المجلس الإسلامي العلوي في لبنان، حيث قدّم لنا فرشات وبطانيات وسلات غذائية، لكن الوضع في الجامع أصبح صعباً جداً»، مشيراً إلى أنه لا يعرف كيف سيعيل أسرته إذا طال المكوث في لبنان. إلّا أن أبو إسماعيل عازم على العودة «حين يستقر الوضع الأمني، لن نترك أراضينا ورزقنا للغريب، لكنّ الخوف من الموت هو ما دفعنا للهروب».
أمّا أم هاني فقد عادت من نزوحها إلى لبنان سريعاً بعد مرور أسبوع على مكوثها في بيت إحدى قريباتها في عكار، لفقدانها الأمل بوجود باب للهجرة من قبل المنظمات الدولية في ظل مطالبات واضحة من العلويين بإيجاد حل دولي لحماية الأقليات. وهي كانت قد وصلت من سهل الغاب إلى صافيتا في طرطوس ومنها إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية ذاتها بإشراف المختصين بعمليات التهريب. وتقول لـ«الأخبار»: «لا أريد أن أصبح نازحة في مدرسة أو خيمة، كنت أريد حلّاً يحافظ على إنسانيتي ويعطيني الأمان الذي افتقدته في وطني».
بدورها، لا تجد نزيهة سعيد فائدة من الحديث عن نزوحها الثالث. وتقول لـ«الأخبار»: «يبدو أن النزوح مكتوب على السوريين، نزحنا مرة بسبب الحرب ومرة بسبب الزلزال وهذه المرة من الخوف».