الأكراد يتلمّسون «انقلاباً»: لـ«إعلان دستوري» جديد وشامل

قوبل الإعلان الدستوري الذي وقّعه الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع، ليكون بمثابة دستور مؤقّت للبلاد خلال السنوات الخمس القادمة، بهجوم شرس من الأكراد السوريين، الذين اعتبروا أنه ينطوي على حكم مركزي مشدّد، على خلفية حصره السلطات كافة بيد الرئيس، الأمر يتعارض، بشكل كامل، مع مضمون الاتفاق الذي أبرمه الشرع مع القائد العام لـ»قسد» مظلوم عبدي، قبل أقل من أسبوع.
وجاء الرفض الكردي للإجراء المشار إليه، على شكل بيانات رسمية من الطرفين الكرديين الرئيسيين، أي «الإدارة الذاتية» و»المجلس الوطني الكردي» من جهة، جنباً إلى جنب خروج احتجاجات شعبية في عدد من مدن شمال شرق سوريا من جهة أخرى. وتخلّل الاحتجاجات، في مدن من مثل القامشلي، رفع لافتات تدين الإجراءات التي تكرّس «تعيينات اللون الواحد، وتوجهاته»، ولا سيما في ما يتعلق بالقرارات المصيرية للبلاد، وتندّد بمجازر الساحل السوري، داعيةً إلى محاسبة مرتكبيها.
هكذا، وللمرة الأولى، توحّد الشارع الكردي تحت شعارات مشتركة، على رأسها التنديد بالإعلان الدستوري، والمطالبة بتصحيح مسار الإجراءات المتخذة في ما يتعلق بالحوار الوطني والدستور ومجلس الأمن القومي وغيرها. وطبقاً لما أظهرته مقاطع فيديو مصوّرة، لم تخلُ التظاهرات من مطالبات بإسقاط الشرع، وسط اتهامات له بإعادة «إنتاج النظام السابق»، من خلال اتخاذ إجراءات تعزز المركزية، واعتماده على مسؤولي «هيئة تحرير الشام» في كل التعيينات والقرارات، وصولاً إلى الإعلان الدستوري الذي تلمّسوا فيه «إقصاءً لهم».
وفي السياق نفسه، انتقدت «الإدارة الذاتية» الإعلان الأخير، معتبرة أنه «يتنافى مع حقيقة سوريا وحالة التنوع فيها، ويضم بنوداً تتشابه مع حقبة النظام السابق». وأردفت «الذاتية»، في بيان، أنّ الإعلان الدستوري يخلو من الإشارة إلى «مكوّنات» سوريا المختلفة من كرد وعرب، ويضم بنوداً تقليدية تتشابه مع المعايير والمقاييس «التي كانت متّبعة في عهد النظام السابق»، مشيرة إلى أنّه «لا يمثّل تطلعات شعبنا، ولا يدرك حقيقة هويته المتأصّلة في سوريا». كما أعربت «الذاتية» عن «أملها بألا تعود بنا بعض الممارسات والأفكار الضيقة إلى المربع الصفر، لأن ذلك سيجعل الجرح السوري ينزف من جديد».
أعربت «الإدارة الذاتية» عن صدمتها من تصديق الإعلان الدستوري من دون أي مشاركة لسائر المكوّنات
أما «مسد»، فرأت أنّ «مسوّدة الإعلان الدستوري تعيد إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة، نظراً إلى أنها تكرّس الحكم المركزي وتمنح السلطة التنفيذية صلاحيات مطلقة، وتقيّد، في المقابل، العمل السياسي وتجمّد تشكيل الأحزاب، ما يعطّل مسار التحول الديمقراطي»، مضيفة أن المسوّدة تتجاهل «غياب آليات واضحة للعدالة الانتقالية، ما يعمّق الأزمة الوطنية». ورفض البيان، بشدّة، ما وصفه بأنّه «محاولة لإعادة إنتاج الديكتاتورية تحت غطاء المرحلة الانتقالية»، مؤكداً أنّ «أي إعلان دستوري يجب أن يكون نتاج توافق وطني حقيقي، وليس مشروعاً مفروضاً من طرف واحد». وكحلّ للمشكلة، دعا البيان إلى «إعادة صياغة الإعلان بشكل يضمن توزيع السلطة بشكل عادل وحرية العمل السياسي، والاعتراف بحقوق جميع المكوّنات السورية، جنباً إلى جنب اعتماد نظام حكم لامركزي ديمقراطي ووضع آليات واضحة لتحقيق العدالة الانتقالية».
من جهته، اعتبر «المجلس الوطني» الكردي، في بيان، أنّ «من أعدّ هذا الإعلان هو لجنة لا تمثّل مختلف المكوّنات السياسية والقومية والدينية، ما أفقده الشمولية والتوافق الوطني، وأدّى إلى تكريس نهج الإقصاء والاستئثار بالسلطة»، لافتاً إلى أنّ المسوّدة «تتجاهل الطبيعة التعددية لسوريا، وحقيقة هويتها كدولة متعددة القوميات والأديان»، لحساب تثبيت «هوية قومية واحدة». وفي ما يتعلق بمدة «الانتقالية»، فقد أشار بيان المجلس إلى أنّ مهلة الخمس سنوات، والمقترنة بغياب «أي ضمانات بمشاركة عادلة»، تسهم في ترسيخ الواقع القائم، بدلاً من أن تمهد لتحول سياسي حقيقي.
على هذا النحو إذاً، يبدو أنّ القادة الكرد بدأوا يرون في الإجراءات المتخذة في دمشق ما هو أشبه بـ»انقلاب» على الاتفاق الأخير، وتمهيد لقتله تدريجياً، من خلال العمل بـ»نهج اللون الواحد». وفي السياق، قال مستشار «الإدارة الذاتية» لشمال شرق سوريا، بدران جيا كرد، إن «الاتفاق الذي وُقّع بين الجنرال مظلوم عبدي وأحمد الشرع في دمشق، نصّ على المشاركة الفعلية لجميع السوريين في العملية السياسية وفي اللجان والهياكل المعنية بالمرحلة الانتقالية»، معرباً عن صدمته من «تصديق الإعلان الدستوري ونشره من دون أي مشاركة أو تمثيل حقيقي للمكوّنات والأطياف السورية، وخاصة مكوّنات شمال شرق سوريا».
ووصف المسؤول، الإعلان، بـ»الإقصائي والأحادي اللون»، مؤكداً أنّه «لا يعكس تنوع المجتمع السوري وطموحاته وحقوقه»، ومطالباً بإعادة «النظر في اللجنة وإيقاف عملها»، ثمّ العمل على إعادة تشكيلها وفق ما تمّ الاتفاق عليه، بهدف التوصل إلى «مسوّدة إعلان دستوري جديدة يتضمّن تمثيل الجميع».
على أنّ حالة الاعتراض الكردية الواسعة تزامنت مع إعلان القائد العام لـ»قسد» انضمام قواته ككتلة عسكرية إلى وزارة الدفاع السورية، وإيضاحه، في تصريحات إعلامية، أن «هذه الخطوة ستتم خلال فترة قصيرة، تصبح خلالها (قسد) جزءاً من الجيش السوري تحت مسمى (الفيلق 76)». وأكّد عبدي، كذلك، «التزام (قسد) بتنفيذ المهام الموكلة إليها من قبل وزارة الدفاع في كل المناطق السورية»، مشيراً إلى أن «الأسايش (قوات الأمن الداخلي) ستكون تحت مظلة قوات الأمن العام»، وستنتشر على الحدود لتأمينها.
وممّا يتضمّنه الاتفاق أيضاً، طبقاً لعبدي، «تشكيل قوة مشتركة بين الأمن العام و(قسد) لإدارة مطار القامشلي، وخطة لنشر قوات الأمن العام في مناطق محددة شمال شرقي سوريا»، مؤكداً «أنّ الحكومة خصّصت كتلة مالية لدعم (قسد)». وفي ما يخص ملف النفط، «فسيتم إلغاء حراقات النفط بشكل كامل، وستخرج جميع صهاريج النفط الخام من مناطق شمال شرق سوريا إلى مصافي الدولة السورية، على أن تبقى سجون (داعش) تحت حماية (قسد)».