الأخبار

الثلاثاء 31 كانون الأول 2024

شارك المقال

عودة نغمة «فلول النظام»: القتل على الهوية لم يعُد «حالات فردية»

لم تمانع الحكومة المؤقتة خروج تظاهرات لمؤيديها في مدينة حمص، تخللتها هتافات طائفية (أ ف ب)
لم تمانع الحكومة المؤقتة خروج تظاهرات لمؤيديها في مدينة حمص، تخللتها هتافات طائفية (أ ف ب)

تشهد الساحة السورية رفضاً شديداً من قطاعات شعبية واسعة، وإن في الخفاء، للانتهاكات الجارية في ظل حكم السلطات السورية الجديدة التي تقودها «هيئة تحرير الشام» بزعامة أحمد الشرع، والتي تبرّرها «الهيئة» بأنها «حالات فردية» تعمل على «مكافحتها». كما تدرج «تحرير الشام» على القيام بنشر أخبار الانتهاكات أو تصويرها تحت خانة «التحريض الطائفي»، وهو ما يعتبره كثيرون ازداوجية في معايير التعامل مع القضية التي تُعد أول اهتمامات الرأي العام في سوريا، والمحكوم بالقلق والمخاوف التي تبدو مشروعة، وخصوصاً لدى الأقليات.
ويأتي هذا في وقت يتداول فيه الأهالي المقيمون في شارع الحضارة في حمص، أنباء عن أن عناصر «الهيئة» فتحوا النار بشكل مباشر على المتظاهرين الأسبوع الماضي في المنطقة، الأمر الذي أدّى إلى مقتل شخص وإصابة خمسة آخرين، خلال التظاهرات التي خرجت في دمشق وعدد من مدن الساحل السوري وريف حماة وحمص، على خلفية انتشار تسجيل مصوّر يظهر عملية اعتداء على مقام الشيخ «أبو عبدالله الحسين بن حمدان الخصيبي» (مؤسس الطائفة العلوية) في حلب، والتي تبيّن أنها حصلت قبل نحو 20 يوماً، خلال دخول الفصائل إلى حلب. ويشير هؤلاء إلى أن التصريحات الإعلامية التي أطلقها مسؤولو حكومة الشرع في محافظة حمص، والذين اتهموا «فلول النظام» بإطلاق النار على المتظاهرين لتأجيج الحالة الطائفية، «هي الرواية نفسها التي كان النظام يعتمد عليها في تبرير قتل المتظاهرين في عام 2011». كما يستغرب هؤلاء حقيقة أن الحكومة التي كانت فرضت مساء الأربعاء حظراً للتجوال في مدينة حمص، لمنع استمرار التظاهرات المناوئة، لم تمانع خروج تظاهرات لمؤيديها في المدينة، تخللتها هتافات طائفية، في ما يمثّل بالنسبة إلى البعض استثماراً في الاحتقان الطائفي.
وشكّلت التظاهرات المشار إليها، وما تبعها من حالات انفلات أمني، ذريعة مناسِبة للحكومة المؤقتة، التي بدأت حملات أمنية تحت عنوان عريض هو «ملاحقة فلول النظام البائد والمجرم». وفي أعقاب مقتل شجاع العلي، المتهم بعمليات قتل واختطاف حصلت خلال الأعوام السابقة، في اشتباكات وقعت الخميس الماضي في قرية بقلسة في ريف حمص، قام عناصر من «الهيئة» باقتحام بعض القرى في المنطقة نفسها بحجة التفتيش والبحث عن السلاح، فيما أظهرت تسجيلات فيديو متداولة عدداً كبيراً من الهتافات والتهديدات الطائفية الطابع خلال تلك العمليات.
وبحسب شخصيات دينية ومجتمعية من الطائفة العلوية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن الاجتماعات التي تُعقد مع ممثلي «إدارة العمليات العسكرية» تناقش بشكل أساسي المخاوف الشعبية الكبيرة من استمرار «العمليات الانتقامية» التي توصف بـ«الحالات الفردية»، أو تلك التي تُنسب إلى «مجهولين»، على غرار حادثة مقتل ثلاثة من القضاة الذين تمّ العثور على جثثهم بالقرب من قرية ربيعة في ريف حماة الثلاثاء الماضي. ويلفت أحد مشايخ الطائفة العلوية، في حديثه إلى «الأخبار»، إلى أن «ما يثير الاستغراب بشكل حقيقي هو وجود حالة من القبول الدولي بالحكومة الحالية والترويج لها، في ظل غياب الحديث عن الانتهاكات التي تُسجل بحق الأقليات، من قبل أي جهة أو منظمة دولية، بما فيها الانتهاكات بحقّ مسيحيي سوريا الذين كانوا قد تظاهروا يوم الثلاثاء الماضي على خلفية إحراق شجرة ميلاد من قبل مجموعة من العناصر الأجنبيين في مدينة السقيلبية في ريف حماة». وإذ يضيف أن «الحكومات التي تعمل على تطبيع العلاقات مع الحكومة الجديدة، لا تبدي أي موقف حقيقي أو فاعل حيال تطبيق القرار 2254 المعني بالحل السياسي، ولا تصدر أي موقف حيال ممارسات «هيئة تحرير الشام»، في إطار ما يسميه حلفاؤها بـ»العدالة الانتقامية»»، فهو يعتبر أن «العمليات الانتقامية التي تنفذها الهيئة وحلفاؤها ليست حالات فردية بالمطلق». ويتابع أنه «في ظل عدم وجود حماية ملموسة للأقليات، من الطبيعي أن تعلو أصوات الاستنجاد في الساحل السوري بالقوى السياسية العلوية في تركيا، مع تراجع الدور الروسي، وتخوين من يفكر بمطالبة إيران باتخاذ موقف حيال الأمر».
أما أحمد، وهو من الضباط السابقين في الجيش السوري برتبة مقدّم، فيتخوّف من عمليات التسوية الجارية التي يتم عبرها تسليم السلاح، وتسوية أوضاع العسكريين السابقين. وإذ يشير إلى اتفاق عُقد بين ممثلين عن «الهيئة» وأهالي الحي على «فتح مقر للتسوية داخل حي المزة 86 في دمشق، والذي تسكنه أكثرية علوية كان معظم شبانها من العاملين في المؤسسات العسكرية والأمنية»، فهو يوضح أن الاتفاق جاء في أعقاب اقتحام الحي من قبل مجموعة من الأشخاص الذين زعموا أنهم من الأمن العام، ما أفضى إلى الاتفاق المذكور الذي يمنع بموجبه «دخول قوات الحكومة الجديدة إلى أي منزل إلا بحضور مختار الحي وعدد من الشخصيات المجتمعية، وفتح الطريق من وإلى الحي بعد إغلاقه لمدة يومين بسبب التظاهرات التي خرجت للتنديد بإحراق مقام الخصيبي». ويعتبر الضابط أن ما تمّ ترويجه حول ما سُمي بـ«المقاومة الشعبية في الساحل السوري»، يمكن أن يكون «تمهيداً لحملات أشد عنفاً من قبل الأمن العام، في المناطق التي تسكنها الطائفة العلوية بحجة البحث عن عناصر هذه المقاومة المزعومة»، معتبراً أن «السلطات الحاكمة حالياً تكرر أساليب النظام السابق نفسها التي أفضت إلى تأجيج الموقف».

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي