حلب تعود إلى «أسوأ أيامها»: دمشق تستوعب الصدمة... وتعِد بـ«تحرير كامل»

حاولت تركيا التملص من وقوفها وراء هذه الهجمات (أ ف ب)
حاولت تركيا التملص من وقوفها وراء هذه الهجمات (أ ف ب)

بعد ثلاثة أيام كانت صعبة، استطاعت خلالها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – فرع تنظيم القاعدة السابق في سوريا)، وفصائل مسلحة أخرى تابعة لـ«الجيش الوطني» المعارض الذي تقوده تركيا، تمكّن الجيش السوري من استيعاب الموقف ليضع حداً لنزيف المناطق، ويبدأ عمليات معاكسة تمكّن خلالها من استعادة بعض المناطق التي خسرها، وسط وعود أطلقها رئيس مجلس الوزراء السوري محمد الجلالي بتحرير كامل تراب الوطن. ويأتي هذا في وقت شهدت فيه الاتصالات السياسية زخماً كبيراً، بدءاً من زيارة غير معلنة أجراها الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى موسكو، التقى خلالها نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الذي تعتبر بلاده، إلى جانب تركيا وإيران، أحد الضامنين الثلاثة لمسار «أستانا»، واتفاقية «سوتشي» التي رسمت خطوط مناطق خفض تصعيد قام المسلحون بخرقها عبر هجماتهم، ومروراً بمجموعة من الاتصالات من قبل رؤساء ومسؤولين عرب وإقليميين، أكدوا دعمهم لسوريا في مكافحة الإرهاب.
الاتصالات السياسية، والتي شملت رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، ووزراء خارجية السعودية، فيصل بن فرحان، ومصر، بدر عبد العاطي، والأردن، أيمن الصفدي، والعراق، محمد شياع السوداني، ودولاً أخرى، وجرى خلالها جميعها التشديد على ضرورة التصدي للإرهاب، والحفاظ على السيادة في سوريا، تبعتها زيارة عاجلة أجراها وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الذي وصل إلى دمشق مساء أمس، والتقى خلالها الرئيس الأسد. وخلال اللقاء، أكّد الأسد أن سوريا دولةً وجيشاً وشعباً ماضية في محاربة التنظيمات الإرهابية بكل قوة وحزم وعلى كامل أراضيها، مشدداً، وفق بيان رئاسي، على أن مواجهة الإرهاب وتفكيك بنيته وتجفيف منابعه لا تخدم سوريا وحدها بقدر ما تخدم استقرار المنطقة كلها وأمنها وسلامة دولها. ومن جهته، أكّد الوزير الإيراني الذي يتوجه من دمشق إلى أنقرة لمناقشة الأوضاع في سوريا، أن بلاده ثابتة في مواقفها الداعمة لسوريا، وأن طهران مستعدة بشكل تام لتقديم شتى أنواع الدعم للحكومة السورية لأجل ذلك، مشيراً إلى أن «سوريا واجهت سابقاً ما هو أصعب بكثير مما تواجهه اليوم، وأنها قادرة على تحقيق النصر ضد الإرهاب وداعميه».

تمكّن الجيش السوري، بعد سلسلة الانسحابات التي أجراها لقواته من حلب، من التجمع في حماه وتنظيم صفوفه


كذلك، أصدرت «جامعة الدول العربية» بياناً يؤكد على ضرورة احترام وحدة وسيادة وسلامة أراضي الجمهورية العربية السورية، ويحذر من «فوضى تستغلها الجماعات الإرهابية»، في حين نفت الولايات المتحدة الأميركية تورطها في الهجوم، وأشارت إلى أن من يقود الهجوم فصيل مصنّف على لوائح الإرهاب. ومن جهتها، حاولت تركيا التملص من وقوفها وراء هذه الهجمات، والتركيز على محاولة استثمارها في ريف حلب الشمالي الشرقي، عبر تقديم غطاء جوي لفصائل المعارضة السورية لتنفيذ هجوم على مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، والتي خسرت تل رفعت، ضمن مخطط تركي يهدف إلى بسط السيطرة على طريق حلب – غازي عنتاب الدولي. ويأتي ذلك في وقت يدور فيه الحديث عن منبج، وهي المنطقة الثانية التي أعلن الرئيس التركي، أكثر من مرة، رغبته في ضمها بحجة إبعاد الأكراد عن حدوده، في حين تؤمّن السيطرة عليها اتصال مناطق النفوذ التركي من جهة، وتمتين السيطرة على الجزء الشرقي من طريق «M4» الدولي، الذي يمتد حتى حلب، وفي شقه الغربي يصل إلى اللاذقية عبر إدلب وحماة، في مناطق أصبحت الآن تحت سيطرة الفصائل المتشددة.


خريطة متغيّرة
على الصعيد الميداني، تمكّن الجيش السوري، بعد سلسلة الانسحابات التي أجراها لقواته من حلب، من التجمع في حماة وتنظيم صفوفه، حيث تصدى لهجمات الفصائل المتشددة، التي حاول المسلحون خلالها الوصول إلى مدينة حماه بهجوم مباغت استعملت فيه المُسيّرات الفرنسية. وتوازى ذلك مع حملة ضغط إعلامية كبيرة، تم خلالها إعلان دخول الفصائل مدينة حماه في محاولة لخلق بلبلة وتكرار ما جرى في حلب، قبل أن يخرج محافظ حماه على الهواء مباشرة عبر التلفزيون السوري وينفي هذه المعلومات، لتبدأ بعدها قوات الجيش السوري عمليات عاجلة أبعدت المسلحين إلى منطقة مورك، وتم أثناءها القبض على عدد من المسلحين، علماً أن المناطق التي توقف عندها المسلحون في ريف حماه كانوا يسيطرون عليها عند توقيع اتفاقية «خفض التصعيد» عام 2017، قبل أن يتمكن الجيش السوري في وقت لاحق من إبعادهم نحو إدلب والسيطرة على حماه كاملة ومناطق في ريف إدلب، ليجري توقيع بروتوكولات متمّمة لاتفاقية «سوتشي» رسمت حدوداً جديدة لاتفاقية «خفض التصعيد»، قبل أن تدمر الهجمات الأخيرة الاتفاقية بشكل كامل.


وفي خطوة تهدف إلى تأكيد دمشق عزمها المضي قدماً في هذه الحرب واستعادة الأراضي السورية، أجرى رئيس هيئة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة، العماد عبد الكريم محمود إبراهيم، جولة ميدانية على القوات المتركزة في حماه، اطّلع خلالها على استعدادات القوات. وبالتوازي مع عمليات استعادة المناطق والبلدات في ريف حماه، شنّ سلاح الجو السوري والروسي هجمات عنيفة على مواقع يتمركز فيها المسلحون في إدلب وريفها، كما نشرت وزارة الدفاع تسجيلات مصوّرة توثّق استهداف وتدمير رتل كبير مؤلف من عشرات الآليات والعربات المحمّلة بالذخيرة والعتاد والعناصر في ريف إدلب الشرقي. وأعلنت الوزارة، في سلسلة بيانات متلاحقة لها، عن تنفيذ استهدافات للمسلحين في منطقة السفيرة في الريف الشرقي، وعلى أطراف ملعب الحمدانية في مدينة حلب. كما تم تسجيل عدد من الاستهدافات داخل المدينة، بينها استهداف في ساحة الجامعة، في وقت أعلن فيه «مركز التنسيق الروسي السوري»، القضاء على 320 إرهابياً وتدمير 63 آلية ومدرّعة في استهدافات طاولت ريفي حلب وحماه، بالإضافة إلى إدلب، التي تتخذ منها الفصائل مقراً لإدارة العمليات.
وفي هذا السياق، أكدت مصادر أهلية في ثلاثة مخيمات في ريفي حلب وإدلب قرب الحدود التركية، في حديثها إلى «الأخبار»، وصول جثث لعشرات المسلحين الذين قُتلوا جراء عمليات استهداف جوية في أرياف حلب وحماه وإدلب، مشيرة إلى فرض «هيئة تحرير الشام»، التي يقودها رجل القاعدة السابق «أبو محمد الجولاني»، حظراً على نشر أي أنباء تتعلق بقتلى المسلحين، والتركيز على ما يسميه «الفتوحات الجارية».


حلب في ظل حكم الجولاني
على المستوى المعيشي، يعيش سكان مدينة حلب ظروفاً استثنائية لم يعهدوها، حتى خلال سيطرة الفصائل المتشددة على الجزء الشرقي من المدينة بين عامي 2012 و 2016، إذ تعاني قطاعات عديدة أبرزها القطاع الطبي الذي يعيش أزمة في الأطباء، إضافة إلى توقف المخابز عن العمل، ما خلق أزمة غذائية في المدينة، التي استقدم إليها المسلحون شحنات من الخبز من إدلب، تم توزيعها على عدد من الأحياء. كذلك، تشهد عاصمة سوريا الاقتصادية حالة شلل شبه تام، في ظل حظر التجول الذي تفرضه الفصائل المتشددة من جهة، وحالة الخوف والترقب من جهة أخرى، وسط أنباء عن عمليات اغتيال وقنص في الشوارع، ووجود جثث مرمية في الشوارع، واقتحام لمديريات ومبانٍ حكومية. وتسود ضبابية حول ما يجري على الأرض فعلاً، في ظل تفرّد وسائل الإعلام الداعمة لهذه الفصائل بنقل صور تروّج للأخيرة على أنها معتدلة، فيما أظهرت بعض التسجيلات التي تم تسريبها اعتداءات طاولت حتى أشجاراً كان يجري العمل على تزيينها للاحتفال بأعياد الميلاد. أيضاً، تشهد مياه الشرب انقطاعات طويلة، الأمر الذي ضاعف من أزمة السكان المسجونين داخل منازلهم، في وقت تقطّعت فيه جميع السبل للخروج من المدينة بعد سيطرة الفصائل على منطقة خناصر، التي مثّلت آخر الطرق للخروج، حيث تم الإبلاغ عن حالات قنص. وأصدرت وسائل إعلام سورية تحذيرات للمواطنين من استعمال الطريق المشار إليه، والذي تم فيه استهداف الدكتور يروانت أرسلانيان، مدير البحوث العلمية في حلب، والذي تم الإعلان عن استشهاده.

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي