مساعٍ لاستنساخ «نموذج نابلس»: العدو يبدأ تجريف «الأونروا» في القدس

تتواصل في مدن الضفة الغربية وقراها كافة، عمليات «جزّ العشب» التي ينفذها جيش الاحتلال بشكل يومي وعلى مدار الساعة، وسط شنّ اعتقالات بحقّ الفلسطينيين، وملاحقتهم والاعتداء عليهم، واقتحام قراهم وبلداتهم ومدنهم. وتترافق تلك العربدة التي يشترك فيها المستوطنون، مع تزايد الحديث الإسرائيلي عن خطة ضم الضفة إلى الأراضي المحتلة عام 1948، حيث يُمنّي المستوطنون وقادتهم أنفسهم بتحقيق هذا الحلم، لدى وصول الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، إلى «البيت الأبيض». وعلى رغم ذلك، تواصل السلطة الفلسطينية «الحياة كما لو كانت طبيعية. أما بالنسبة إلى بقية الناس، فإن واجهة الحياة الطبيعية ما هي إلا حجاب رقيق يخفي وراءه الصدمة الجماعية والحزن العميق»، بحسب تقرير نشره موقع «ميدل إيست آي»، لافتاً إلى أن «عبثية هذه اللحظة الساحقة، تتناقض بشكل صارخ مع الدور المحوري الذي لعبته البلديات، كجزء من القيادة السياسية التي وجّهت النضال الفلسطيني، خلال الانتفاضة الأولى».
وعلى خط مواز، سُجل تطور وصفته الأوساط المحلية بـ»الخطير»، تمثّل في إقدام «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) على إخلاء مقر رئاستها في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، وإمهالها موظفيها الفلسطينيين 12 شهراً للبحث عن وظائف بديلة قبل إنهاء عقودهم نهائياً، علماً أنهم مُنعوا من الوصول إلى مكاتبهم في القدس منذ السابع من تشرين الأول الماضي. ويأتي القرار المشار إليه كـ»استجابة» للقانون الذي أقرّه «الكنيست»، الشهر الماضي، وحظر بموجبه نشاط «الأونروا» داخل إسرائيل، وقانون آخر حظر التواصل مع الوكالة، تمهيداً لتصفيتها بشكل نهائي. وتجسد الخطوة الأخيرة مساعي تفريغ القدس من أي حضور دولي يدافع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين، نظراً إلى أنه يجري نقل وحدات حيوية (الدائرة القانونية ومكتب الإعلام والتواصل والعلاقات الخارجية والمفوض العام) إلى خارج فلسطين المحتلة، الأمر الذي ينافي «اتفاقية المقر» (اتفاقية كوماي - مكليمور) لعام 1967، والتي سمحت للوكالة الأممية بالعمل داخل أراضي الفلسطينيين. كما أنها تتهدّد مكانة ووضعية مخيم شعفاط للاجئين في القدس، وإمكانية استفادة عشرات الآلاف من اللاجئين القاطنين في المدينة المحتلة وضواحيها، من خدمات «الأونروا».
اشتبك مقاومون مع قوات الاحتلال التي اقتحمت بلدة قباطية جنوب محافظة جنين
ويتماهى القرار الأحدث، إلى حدّ كبير، مع الاستعدادات لاستكمال مخطّطات حسم الصراع في الضفة، في الوقت الذي يتواصل فيه تقهقر الاقتصاد الفلسطيني، مدفوعاً بوطأة «الخناق» المشدّد الذي تفرضه قوات الاحتلال على الحركة، ومنعها أهالي الضفة من العمل في الداخل المحتل منذ 7 تشرين الأول الماضي. وفي ظل ذلك، أثارت مصادقة «الكابينت»، في تصويت عبر الهاتف، على تمديد الإذن للبنوك الإسرائيلية بالاستمرار في إقامة علاقات تجارية مع البنوك الفلسطينية في الضفة، لمدة سنة إضافية (حتى نهاية تشرين الثاني 2025)، استغراب أهالي الضفة، الذين توجسوا من القرار، خصوصاً أنه تزامن مع ما تداولته صحيفة «يديعوت أحرونوت»، عن أن الإدارة الإسرائيلية تسعى لتعميم «نموذج نابلس» على مناطق أخرى، عبر منح السلطة الفلسطينية امتيازات للقضاء على المقاومة. وبحسب الصحيفة، فإن «الإدارة تتعاون مع جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية وشخصيات عامة واقتصادية في المدينة لخلق واقع أمني جديد بعد «عرين الأسود». ونقلت عن الإدارة قولها: «عزّزنا سلطة محافظ نابلس ورؤساء مجالس القرى وغيره من المسؤولين عبر منحهم صلاحيات أكثر، مثل التصاريح والطلبات الخاصة وبطاقات VIP».
وفي خضمّ ذلك، تتواصل أعمال المقاومة، وتحديداً عمليات إطلاق النار على المواقع العسكرية والنقاط والحواجز في الضفة. وأمس، اشتبك مقاومون مع قوات الاحتلال التي اقتحمت بلدة قباطية جنوب محافظة جنين (شمال الضفة). ووثّقت عدسات الأهالي تلك الاشتباكات، واستبسال مقاومي قباطية في صد آليات الاحتلال المتوغلة داخل البلدة. كما فجّر مقاومون عبوة ناسفة بتجمع لآليات إسرائيلية شاركت في اقتحام البلدة التي تنشط فيها عدة كتائب مقاومة. وأعلنت «كتيبة قباطية» التابعة لـ»سرايا القدس» خوض مقاتليها «معارك ضارية مع قوات العدو المقتحمة في محاور القتال في البلدة، وإمطار تحركات الجيش وتمركزات القناصة بزخات كثيفة من الرصاص».
أما في طولكرم، فقالت كتيبة السرايا» إن مقاتليها نفّذوا، فجر أمس، «عمليات نوعية ضد جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي واصل اقتحاماته في مناطق متفرقة»، فضلاً عن تفجير عبوة ناسفة بآلية عسكرية إسرائيلية في منطقة جبل النصر في مخيم نور شمس، وإطلاق النار على قوة إسرائيلية خاصة تسلّلت إلى المنطقة. كما تصدّى مقاومون للاقتحام الذي نفّذته قوات العدو في مدينة البيرة.
وفي غضون ذلك، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي حملة مداهمات واقتحامات في الضفة، تم خلالها تفتيش عشرات المنازل والعبث في محتوياتها وإخضاع قاطنيها لتحقيقات ميدانية بعد احتجازهم لساعات، بالإضافة إلى اعتقال 18 شخصاً، بحسب «نادي الأسير». وتركزت تلك المداهمات في بيت لحم وبيتونيا غربي مدينة رام الله، وترمسعيا شمالها، وكفرمالك، ومخيم قلنديا للاجئين، وإذنا، وبلدات أخرى.