طهران | تنطلق الإجراءات الرسمية للانتخابات الرئاسية الإيرانية المبكرة، التي تُعقد في الـ 28 من حزيران المقبل، مع بدء تسجل المرشّحين أسماءهم ابتداءً من اليوم الخميس. ويجري الاستحقاق في أعقاب وفاة الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي، إثر تحطُّم المروحية التي كانت تقلّه من آذربيجان إلى تبريز يوم الـ 19 من الشهر الجاري، وتعيين نائبه محمد مخبر رئيساً بالإنابة من قِبَل المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي الخامنئي، بموجب المادة 131 من الدستور. ووفق التسلسل الزمني للانتخابات، فإن تسجيل المرشّحين يتم في الفترة الواقعة بين 30 أيار و3 حزيران، على أن يعاين «مجلس صيانة الدستور»، في غضون 5 أيام، أهليّتهم، ويعلن عن القائمة النهائية للمرشّحين المُصادق عليهم. واعتباراً من 12 حزيران، تبدأ الحملات الانتخابية، وتستمرّ حتى صباح الـ 27 منه، فيما يُنتخب الرئيس الجديد، في اليوم التالي، لولاية رئاسية من أربع سنوات، ليكون الرجل الثاني في الدولة بعد المرشد الأعلى، بحسب ما ينصّ عليه الدستور. وإذ أُثيرت تكهنات ونُشرت أخبار غير رسمية حول ترشُّح بعض الشخصيات، عقدت التيارات الثلاثة، الأصولي والإصلاحي والمعتدل، جلسات على مدى الأيام الأخيرة لدراسة كيفية خوض الانتخابات. وفي هذا الجانب، يمكن الإشارة إلى الآتي:1- يبدو أن التيار الأصولي، الذي تسوده انقسامات، سيرشّح أكثر من شخص، علماً أنه التيار المتحكّم راهناً بمفاصل الحكومة والبرلمان، وهو يضمّ فئات مختلفة تطغى عليها الخلافات من ناحيتَي الفكر والمصالح. ويُعدّ سعيد جليلي، الأمين الأسبق للمجلس الأعلى للأمن القومي وكبير المفاوضين النوويين في عهد حكومة محمود أحمدي نجاد، من الشخصيات التي أعلنت نيّتها الترشّح. ويُعدّ جليلي ممثّلاً للجناح الراديكالي للتيار الأصولي، وقد شارك في الدورة السابقة للانتخابات الرئاسية، لكنه انسحب لاحقاً لمصلحة إبراهيم رئيسي. وإذ تقلّد بعض المقرّبين منه مناصب في إدارة الرئيس الراحل، فقد امتنع هو عن قبول منصب رسمي فيها.
وثمّة احتمال لأن يترشّح بعض أعضاء إدارة رئيسي لخوض الانتخابات، إذ يأمل هؤلاء استثمار الأجواء العاطفية التي أعقبت وفاة الرئيس، وبالتالي استقطاب الفئة الداعمة له للتصويت لحسابهم. ويمثّل محمد مخبر، الذي كان النائب الأول لرئيسي، وعُيّن رئيساً بالإنابة بعد وفاته، واحداً من هذه الخيارات المحتملة، علماً أن الرجل يقيم علاقة وثيقة مع المرشد الأعلى و»الحرس الثوري». وقبل تولّيه منصب النائب الأول في إدارة رئيسي، شغل، على مدى 14 عاماً، منصب رئيس «اللجنة التنفيذية لأمر الإمام الخميني»، بوصفها أكبر مؤسسة اقتصادية وخدمية تخضع لإشراف المرشد. أيضاً، يُعد مهرداد بذرباش، وزير الطرق وبناء المدن، والبالغ من العمر 44 عاماً، أحد الخيارات المحتملة الأخرى، فيما يندرج اسم صادق محصولي، وزير الداخلية في إدارة محمود أحمدي نجاد، ورجل كواليس التيار المعروف بـ»جبهة بايداري (الصمود)» التي تُصنّف ضمن الأجنحة والمكوّنات المتشدّدة للتيار الأصولي، ضمن الأسماء المطروحة. كذلك، ثمّة تكهنات بترشّح أشخاص، من مثل رئيس البرلمان، محمد باقر قالیباف، وأمين طهران، علي رضا زاكاني، الذي ترشّح في الدورة السابقة للرئاسيات الإيرانية.
ثمّة احتمال لأن يترشّح بعض أعضاء إدارة رئيسي لخوض الانتخابات، إذ يأمل هؤلاء استثمار الأجواء العاطفية التي أعقبت وفاة الرئيس


2- على الجانب الآخر، يبرز التيار الإصلاحي الذي كان، على مدى السنوات الأخيرة، ناقداً للوضع في إيران في مجالَي السياستَين الداخلية والخارجية. ولعلّ واحداً من الهواجس التي تشغل هذا التيار إزاء الانتخابات، هو «مجلس صيانة الدستور»، وما إذا كان سيصادق على أهليّة مرشّحيه أو لا. ففي الرئاسيات التي جرت قبل ثلاث سنوات، رُفضت أهليّة كلّ المرشّحين الـ 18 الذين طرحتهم «جبهة الإصلاحيين»، وهو ما رأته الأخيرة تجريداً للانتخابات من معناها، وإخراجاً من حالة التنافس الديموقراطي. ويبدو أن الإصلاحيين يسعون، خلال هذه الدورة، إلى التحرّك في اتجاه تقديم وجوه يرون أنها قد تكون ذات حظّ أوفر في نيل التأييد. وأحد هذه الوجوه، هو محمد صدر، العضو الحالي في «مجمع تشخيص مصلحة النظام»، والديبلوماسي السابق الذي عمل لسنوات في مجال العلاقات مع الدول العربية. ويُعدّ صدر واحداً من الشخصيات القليلة القريبة من الإصلاحيين، والتي حافظت على علاقاتها واتصالاتها بالسلطة، وهو أعلن أن الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، اقترح عليه الترشّح للانتخابات. ومن بين الوجوه الإصلاحية الأخرى، يمكن الإشارة إلى مسعود بزشكيان، النائب الحالي في البرلمان عن مدينة تبريز (شماليّ غربيّ إيران)، على رغم أن «مجلس صيانة الدستور» رفض أهليّته في الدورة السابقة. أيضاً، يُحتمل أن يترشّح محسن هاشمي، نجل الرئيس الإيراني الراحل، أكبر هاشمي رفسنجاني.
3- أمّا التيار المعتدل، فيشكّل الضلع الثالث للتيارات السياسية في إيران، وهو الذي نشأ وبرز خاصة مع مجيء إدارة حسن روحاني إلى السلطة. وإذ يتّخذ هذا التيار موقعاً ما بين الأصوليين والإصلاحيين، فإن خياره المرجّح هو علي لاريجاني، الذي شغل منصب رئيس البرلمان لثلاث دورات، وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، ورئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون في إيران. وأحد أهمّ الملفات التي تسلّمها على مدى سنوات، هو ذلك المتعلّق بالاتفاق الاستراتيجي بين إيران والصين لـ 25 عاماً. غير أن «مجلس الصيانة» رفض أهليّة لاريجاني في الدورة السابقة للانتخابات الرئاسية، ما أثار الذهول، فيما تحدث لاريجاني وقتذاك عن تيار يسعى إلى «التطهير» في الجمهورية الإسلامية وتوحيد السلطة. وعلى الرغم من أن لاريجاني كان محسوباً على التيار الأصولي لفترة غير بعيدة، بيد أن التطورات السياسية الداخلية في إيران جعلته أقرب إلى التيار الإصلاحي. ولم يعلن الرجل، إلى الآن، ترشّحه، إذ قال إنه «يدرس الظروف»، إلا أنه في حال تأييد أهليّته، فإنه يمتلك القدرة على استقطاب دعم الأحزاب الإصلاحية له. كما يُعدّ علي أكبر صالحي، الرئيس السابق لـ»منظمة الطاقة الذرية الإيرانية»، ووزير الخارجية الأسبق، من الوجوه القريبة من التيار المعتدل، والمحتمل ترشحها للرئاسيات.
4- أمّا خارج نطاق التيارات السياسية في إيران، فثمة وجوه يُحتمل أن تترشّح، لعلّ أشهرها وأكثرها إثارة للجدل، محمود أحمدي نجاد، الرئيس الإيراني الأسبق، والذي قال أيضاً إنه «منشغل بتقييم الظروف»، ليرى ما إذا كان سيترشّح أو لا. وتفيد بعض استطلاعات الرأي بأن قطاعاً لافتاً من الجمهور في إيران، وخاصة في المدن الصغيرة والقرى، يدعمه. وهو ترشّح مرتَين عامَي 2017 و2021 لخوض السباق الرئاسي، بيد أن «مجلس صيانة الدستور» رفض أهليته. وفي ولايته الرئاسية الثانية، أَظهر خلافات مع المرشد الأعلى، بينما جعلته إجراءاته غير القابلة للتكهّن، شخصية مثيرة للجدل، ولذا، من المستبعد أن يجد فرصة في الظرف الحالي للمشاركة في الرئاسيات.
وبمعزل عمَّن سيترشّح للانتخابات، فإنّ السؤال الأهم هو عدد الذين سيوافق على تأييد أهليّتهم، وما إذا كان التنوّع سيوجد الدافع للتصويت الواسع في الانتخابات، بعدما تدنّت نسبة المشاركة في الجولتَين الأخيرتَين من الانتخابات في إيران، إلى ما دون الـ 50%، وهو ما أثار قلق الكثيرين من ارتفاع منسوب التذمّر الجماهيري وابتعاد الناس عن العملية الديموقراطية.